جوى ساور الأحشاء والقلب واغله لـ أبي تمام

جَوىً ساوَرَ الأَحشاءَ وَالقَلبَ واغِلُهُ
وَدَمعٌ يُضيمُ العَينَ وَالجَفنَ هامِلُه

وَفاجِعُ مَوتٍ لا عَدُوًّا يَخافُهُ
فَيُبقي وَلا يُبقي صَديقًا يُجامِلُه

وَأَيُّ أَخي عَزّاءَ أَو جَبَرِيَّةٍ
يُنابِذُهُ أَو أَيُّ رامٍ يُناضِلُه

إِذا ما جَرى مَجرى دَمِ المَرءِ حُكمُهُ
وَبُثَّت عَلى طُرقِ النُفوسِ حَبائِلُه

فَلَو شاءَ هَذا الدَهرُ أَقصَرَ شَرُّهُ
كَما قَصُرَت عَنّا لُهاهُ وَنائِلُه

سَنَشكوهُ إِعلانًا وَسِرًّا وَنِيَّةً
شَكِيَّةَ مَن لا يَستَطيعُ يُقاتِلُه

فَمَن مُبلِغٌ عَنّي رَبيعَةَ أَنَّهُ
تَقَشَّعَ طَلُّ الجودِ مِنها وَوابِلُه

وَأَنَّ الحِجى مِنها استَطارَت صُدوعُهُ
وَأَنَّ النَدى مِنها أُصيبَت مَقاتِلُه

مَضى لِلزِيَالِ القاسِمُ الواهِبُ اللُهى
وَلَو لَم يُزايِلنا لَكُنّا نُزايِلُه

وَلَم يَعلَموا أَنَّ الزَمانَ يُريدُهُ
بِفَجعٍ وَلا أَنَّ المَنايا تُراسِلُه

فَتىً سيطَ حُبُّ المَكرُماتِ بِلَحمِهِ
وَخامَرَهُ حَقُّ السَماحِ وَباطِلُه

فَتىً لَم يَذُق سُكرَ الشَبابِ وَلَم تَكُن
تَهُبُّ شَمالًا لِلصَديقِ شَمائِلُه

فَتىً جاءَهُ مِقدارُهُ وَاثنَتا العُلا
يَداهُ وَعَشرُ المَكرُماتِ أَنامِلُه

فَتىً يَنفَجُ الأَقوامُ مِن طيبِ ذِكرِهِ
ثَناءً كَأَنَّ العَنبَرَ الوَردَ شامِلُه

لَقَد فُجِعَت عَتّابُهُ وَزُهَيرُهُ
وَتَغلِبُهُ أُخرى اللَيالي وَوائِلُه

وَكانَ لَهُم غَيثًا وَعِلمًا فَمُعدِمٍ
فَيَسأَلُهُ أَو باحِثٍ فَيُسائِلُه

وَمُبتَدِرُ المَعروفِ تَسري هِباتُهُ
إِلَيهِم وَلا تَسري إِلَيهِم غَوائِلُه

فَتىً لَم تَكُن تَغلي الحُقودُ بِصَدرِهِ
وَتَغلي لِأَضيافِ الشِتاءِ مَراجِلُه

مَليكٌ لِأَملاكٍ تُضيفُ ضُيوفُهُ
وَيُرجى مُرَجّيهِ وَيُسأَلُ سائِلُه

طَواهُ الرَدى طَيَّ الكِتابِ وَغُيِّبَت
فَضائِلُهُ عَن قَومِهِ وَفَواضِلُه

طَوى شِيَمًا كانَت تَروحُ وَتَغتَدي
وَسائِلَ مَن أَعيَت عَلَيهِ وَسائِلُه

فَيا عارِضًا لِلعُرفِ أَقلَعَ مُزنُهُ
وَيا وادِيًا لِلجودِ جَفَّت مَسائِلُه

أَلَم تَرَني أَنزَفتُ عَيني عَلى أَبي
مُحَمَّدٍ النَجمِ المُشَرِّقِ آفِلُه

وَأَخضَلتُها فيهِ كَما لَو أَتَيتُهُ
طَريدَ اللَيالي أَخضَلَتني نَوافِلُه

وَلَكِنَّني أُطري الحُسامَ إِذا مَضى
وَإِن كانَ يَومَ الرَوعِ غَيرِيَ حامِلُه

وَآسى عَلى جَيحانَ إِذ غاضَ ماؤُهُ
وَإِن كانَ ذَودًا غَيرَ ذَودِيَ ناهِلُه

عَلَيكَ أَبا كُلثومٍ الصَبرَ إِنَّني
أَرى الصَبرَ أُخراهُ تُقىً وَأَوائِلُه

تَعادَلَ وَزنًا كُلُّ شَيءٍ وَلا أَرى
سِوى صِحَّةِ التَوحيدِ شَيئًا يُعادِلُه

فَأَنتَ سَنامٌ لِلفَخارِ وَغارِبٌ
وَصِنواكَ مِنهُ مِنكَباهُ وَكاهِلُه

وَلَيسَت أَثافي القِدرِ إِلّا ثَلاثُها
وَلا الرُمحُ إِلّا لَهذَماهُ وَعامِلُه

إرسال تعليق

0 تعليقات