سبحانَ من سبَّحته ألسنُ الأُممِ
تسبيحَ جمدٍ بما أولى مِنَ النعمِ
سبحانَ من سبَّحته ألسنٌ عرفت
بأنَّ تسبيحه من أفضلِ العِصَم
سبحانَ من سبَّحته ألسنٌ نطقتْ
من عالمٍ في حجابِ الغيب مكتتم
سبحانَ من سبَّحته ألسنٌ نطقتْ
من عالمٍ في وجود الحين مرتسم
سبحانَ من سبَّحت حمدًا ملائكةٌ
له بلا فترةٍ تعرُو ولا سأم
سبحانَ من سبَّحت سبعٌ له سبحتْ
من السموات ذاتِ الأنجم العُتُم
سبحانَ من سبَّحته الأرض خاضعةٌ
وما على الأرض من قورٍ ومن أكم
سبحانَ من سبَّحت هذي وتلك له
مسخراتٍ بما قد شاءَ من خِدمِ
سبحانَ من سبَّحت شمسُ النهار له
والبدرُ بدرُ الدُّجى والشهبُ في الظلم
سبحانَ من سبَّح الليلُ البهيمُ له
وسبح الصبحُ يُبدي ثَغْرَ مبتسم
سبحانَ من سبَّح الرعدُ المرنُّ له
والريحُ والبرقُ في سُحْبِ الحيا السجم
سبحانَ من سبَّح الجسمُ الجمادُ له
بمنطقٍ من لسان الحالِ منفهم
سبحانَ من سبَّح الحيُّ الفصيحُ له
بمنطقٍ من صريح اللفظ مُلتَئِمِ
سبحانَ من سبَّحته الأُنسُ عارفةٌ
والجنُّ عازفةً تحت الدُّجى السّحم
سبحانَ من سبَّحته الوحشُ باغمةً
والطيرُ ناغمةً مفتنَّةَ النغم
سبحانَ من سبَّحته أبحرٌ زخرتْ
وسابحاتٌ جَرَتْ في لُجَّةِ العدم
سبحانَ من سبَّحته أجبلٌ شمختْ
يسبح الله فيها عاقلُ العُصُم
سبحانَ من سبَّحته ألسنٌ نطقتْ
فيهنَّ من طائع أو طائرٍ رنم
سبحان جاعلها مأوى لمنفردٍ
بالله مستأنس بالحقِّ معتصم
سبحان من فجَّر الأَنهارَ أسفلها
وأنشأَ السحب منها في ذُرى القمم
سبحانَ مَنْ أرسل الأرواح ملقحةً
حواملَ المُزن بالهامي من الديم
سبحانَ مَنْ أنبتَ الأكلاءَ فاحتفلت
بها ضروعٌ تمسُّ الأرض بالحَلَم
سبحان عالِم ما في العالمين معًا
من كلّ ما ضقَّ أو ما ظلَّ ذا ضخم
سبحانَ مَنْ ليس يُحصى صنعُ قدرته
في نظم منتشرٍ أو نثر منتظم
سبحانَ مَنْ كل حينٍ في الوجود له
إعدامُ موجودٍ أو إيجادُ منعدم
سبحانَ مَنْ خلق الإنسانَ من عَلقٍ
وردَّه بعد أمشاجٍ إلى رمم
سبحانَ مَنْ شاءَ سكنى الروح في جسدٍ
باقٍ إلى أمدٍ لا بد مُخْتَرَم
سبحانَ مَنْ كلُّ شيءٍ عنده لمدىً
مثل الشباب الَّذي يُفضي إلى هرم
سبحانَ مَنْ جعل الدنيا وصورَتها
مثلَ الخيالِ سرى والعيشَ كالحلم
سبحانَ مَنْ شاءَ أن يبلي الجديدَ بها
كرُّ الجديدين من صُبْحٍ ومن ظلم
سبحانَ مَنْ جعل الأعمارَ بينهما
مقطوعةً مثل قطع الثوب بالجَلَم
سبحانَ مَنْ جعل الأيامَ لاعبةً
بأهلها لعبَ الإنسان بالزلم
سبحانَ مَنْ جعل الدنيا محببةً
ملتذةً مع ما فيها من الألم
سبحانَ مَنْ حبّب الأخرى لطائفةٍ
سمتْ إلى أشرفِ الدارين بالهمم
سبحان جاعلِ كونِ الشيء عندهمُ
كغيرِ شيءٍ إذا ما الشيءُ لم يَدم
سبحانَ مَنْ ينشرُ الموتى ويبعثهمْ
للفصلِ ما بين ظلاَّم ومظَّلم
سبحانَ مَنْ بَيْنَهمْ بالعدلِ يحكمُ في
يومٍ له ليس غيرُ الله من حَكَم
سبحانَ مَنْ جلَّ في سلطانه وعلا
عن أن يُرى معه حُكمٌ لمحتكم
سبحانَ مَنْ شاءَ تدبير الأمورِ على
ما خطّ تقريرَه في اللوح بالقلم
سبحانَ مَنْ أشهدَ الأرواحَ حين برا
ما قد براهُ من الأرواحِ والنَّسم
سبحانَ مَنْ ألهم العبدَ السعيدَ لما
أضحى الشقيُّ إليه غيرَ ملتهم
سبحانَ مَنْ قد هدى الأتقى لطاعته
فسار من نهجها الهادي على لَقَم
سبحانَ مَنْ ضلَّل الأشقى بمعصيةٍ
فظلَّ عن طُرُقِ التوفيق وهو عَمِ
سبحانَ مَنْ إنْ يَشأ يجزِ المسيءَ وإن
يَشأ عفا عن كبيرِ الإثم واللَّمم
سبحانَ مَنْ بابُ نعماهُ ورحمته
مفتحٌ للبرايا غير منبهم
سبحانَ مَنْ منه نرجو عفو مقتدرٍ
ونستعيذُ به من بطش منتقم
سبحانَ مَنْ بمزاياه له لُطُفٌ
لا ييأسون به من فرجة الغَمم
سبحانَ مَنْ عنده في كلِّ فادحةٍ
رفقٌ يصيِّر حربَ الدهر كالسَّلم
سبحانَ مَنْ جلَّ عن ندٍ ونُزِّه أن
يُعزى لأينٍ ولا كيفٍ ولا لِكَم
سبحانَ مَنْ كانَ والأكوانُ ليس لها
كونٌ ومن سبقَ الأزمانَ بالقدم
سبحانَ مَنْ يُعْدِمُ الموجودَ حين يشا
سبحان من أوجدَ الأشياء من عدم
سبحانَ مَنْ لم يُحْط خلقٌ به وله
إحاطةٌ بجميع الخلقِ كلهم
سبحانَ مَنْ قد بدا برهانُ وحدته
في كل شيءٍ لنفس العاقلِ الفَهِم
سبحان من تشبتُ الألباب وحدتهُ
بحجة ودليل غير منخرم
سبحانَ مَنْ بدليل الوحي زاد هدىً
من اهتدى بدليلِ العقل والفهم
سبحانَ مَنْ شاءَ إمدادَ العقول بما
أوحى إلى رُسْله في الأعْصر القدم
سبحان من بالنبيّ المصطفى كملت
نعماه للخلق من عربٍ ومن عجم
سبحانَ مَنْ تمّم الحسنى بخاتمهم
محمدٍ خيرِ مبعوثٍ ومختتم
سبحانَ مَنْ جعل القرآن معجزةً
له منزَّلةً بالحُكم والحِكَم
سبحانَ مَنْ أخرس اللُّسْنَ الفصاحَ به
فأضحتْ الفصحاءُ اللسنُ كالبكم
سبحانَ مَنْ بانشقاق البدر أيّده
بآيةٍ فاقتِ الآيات في العظم
سبحانَ مَنْ ليلةَ الإسراءِ رفّعه
إلى مقامٍ سواه فيه لم يَقُم
سبحانَ مَنْ خصّهُ لما انتهى صُعُدًا
لسدرةِ المنتهى بالعزِّ والكرم
سبحانَ مَنْ زوى الدنيا له فرأى
شرقًا وغربًا ولم يبرح ولم يرم
سبحانَ مَنْ بأمور الغيب أعلمه
فظلَّ يخبرُ عن آتٍ ومنصرم
سبحانَ مَنْ بلواءِ الحمدِ أكرمه
وخصّه بمعالي ذلك العلم
سبحانَ مَنْ شاءَ أن يضحي السحاب له
ظلاًّ ويسْقَى إذا استسقى حيا الديم
سبحانَ مَنْ بيسير اللمسِ من يده
قاتَ الكثيرَ من الأبطال والبُهَم
سبحانَ مَنْ ببنانٍ منه ردَّ إلى
قتادةٍ عينه إذ ظلَّ وهو عمي
سبحانَ جاعلِ أوفى القسمتين لها
من فيض نورٍ على العينين منقسم
سبحانَ مَنْ بجنود النصر أيده
في كل يوم بنورِ الفتح متّسم
سبحانَ مَنْ قد رمى الأعداءَ حين رمى
تُربًا فلم يَلْقَ وجهًا غير منهزم
سبحانَ مَنْ بادرتْ نصرًا ملائكةٌ
له ببدرٍ ومالت بالظُّبا الخُذم
سبحانَ مَنْ لِحُنيْنٍ قد أحانَ به
حَيْنَ العُداةِ وأورى صِمَّة الصِّمم
سبحانَ مَنْ عن عيون الشرك حجّبَه
فظلَّ يحثو الثرى منهم على اللمم
سبحانَ مَنْ عنه قد كفَّ العُداة ومن
ثنى سُراقةَ عنه ناكصَ القدم
سبحانَ مَنْ في الثرى ساختْ بقدرته
قوائمُ الحجرِ بالبرهان منه حمي
سبحانَ مَنْ قد أراه آيةً بهرتْ
صَدَّتْ وردَّته تحذيرًا من النقم
سبحانَ مَنْ بذراعَيه قد ألبسه
من خلعِ كسرى سواريه على رغم
سبحانَ مَنْ قد رأى الشجراءَ ماشيةً
تُهدي السلام إليه مَشْيَ ذي قدم
سبحانَ مَنْ قد رأى جذعًا لفرقته
يبدي حنين حليفِ الشوقِ ملتزم
سبحان جاعلِ نطقِ الذيبِ معجزةً
له وشاهد صدق غير متهم
سبحانَ مَنْ قد حباه كلَّ معجزة
شهيرة أسمعت من كانَ ذا صَمم
سبحان مظهر آياتٍ له كثرتْ
فلم يُطِقْ عدَّها مُحْصٍ ولم يرم
سبحانَ مَنْ خصّه بالحوضٍ تكرمةً
وبالشفاعةِ في عاصٍ ومجترم
سبحانَ مَنْ بهداه عمّ صحبته
وخصّهم بكريم الخُلْقِ والشيم
سبحانَ مَنْ شاءَ تفضيلًا لأمّته
يرويهمُ في غدٍ من حوضه الشَّبم
سبحانَ مَنْ بضياءٍ من وضوئهمُ
في الخلق صَيرهم كالغرِّ في البهم
سبحانَ مَنْ قد هَداهم للصلاةِ به
هدْيًا فساروا إليه سَيْر مُعْتَزِم
سبحانَ مَنْ صيَّر البيتَ الحرام لهم
ميممًا من أجلِّ الأشهرِ الحُرم
سبحانَ مَنْ بهمُ أسرى لكعبته
وبيته الطاهر المحفوف بالحرم
سبحانَ مَنْ حين طافوا قد أطاف بهم
أجرًا يُقسم فيهم أعدل القسم
سبحانَ مَنْ لم يَدَعْ عند الحطيم لهم
والركن والحجر ذنبًا غير منحطم
سبحانَ مَنْ قد أراهم زمزمًا أممًا
وشاء إرواءهُم منها بذي شبم
سبحانَ مَنْ قد شفى منهم بها غُللًا
ومن شفى عللًا من كلِّ ذي سقم
سبحانَ مَنْ إنْ أفاضوا قد أفاضَ لهم
سَجْلًا من العفوِ مملوءًا إلى الوذَم
سبحانَ مَنْ قد تلقتهم عوارفُهُ
من مُلتقى عرفاتٍ وسطَ مزدَحم
سبحانَ مَنْ شاءَ في رمي الجمارِ لهم
إطفاء ما بجمارِ الذنبِ من ضَرَم
سبحانَ مَنْ بمنًى أدنى المُنَى لهمُ
فكلهم نال منها حظَّ مقتسم
سبحانَ مَنْ بالصَّفا قد سرَّ جمعهم
كمثلِ ما إذ صَفَوا سرّ الصفا بهم
سبحانَ مَنْ قد قضى في حال نَفْرِهمُ
بنفي آثامهم عنهمُ فلم تُقِم
سبحانَ مَنْ بعد حجّ البيت أكرمهم
بزَورَةِ المصطفى بالأينق الرُّسُم
سبحانَ مَنْ بثرى المختار آثرهم
ففاز باللثم فيه كل مُسْتلم
سبحانَ مَنْ نَوَّرَ اللَّيل البهيم لهمْ
فأبصروا غررًا في أوجهِ الدهم
سبحانَ مَنْ قد جلا وجه السرور لهم
فلم يدعْ دونه للغمّ من غمم
سبحانَ مَنْ قد أرى ليلًا عيونَهُم
نورًا على طَيْبَةٍ يلتاحُ من أمم
سبحانَ مَنْ بشَذاهاقد أطاب لهم
رُوَيْحَة الفجرِ بين الضّال والسَّلَم
سبحانَ مَنْ قد أراهم بين منبره
وقبره روضةً مسكيةَ النسم
سبحانَ مَنْ قد سقاهم ريّ أنفسهم
من لَثْمها ووقاهمْ حَسرة النَدم
صلّى الإله عليه ما سرى قمرٌ
وما شدا طائرٌ موفٍ على علم
وخصّنا باعتناءٍ من شفاعتهِ
في مشهدٍ بازدحامِ النَّاس محتدم
ومدَّ ظِلاًّ علينا من كرامته
في موقفٍ باقترابِ الشمسِ مضطرم
يا ربنا هبْ لنا عفوًا ومغفرةً
ورحمةً منك يا ذا الطوْل والكرم
وجلِّ عنا بأصباح لمغفرةٍ
ظلامَ ليلٍ من الآثام مرتكم
وامننْ بما ترتجيه منك أنفسنا
وانفعْ بما قلتُ من نظمٍ ومن كلم
وافتحْ لنا بابَ رحماك الَّتي وسعتْ
أهلَ الخطايا وبالحسنى لنا اختتم
0 تعليقات