لعينيكَ قُلْ إن زرتَ أفضلَ مُرْسَلِ
قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ
وفي طَيْبةٍ فانزل ولا تغشَ منزلًا
بسِقْطِ اللِّوى بين الدّخول فحومل
وزُرْ روضةً قد طالما طابَ نَشْرُها
لما نَسَجتها منْ جنوبٍ وشَمأل
وأثوابَك اخلعْ مُحْرمًا ومصدقًا
لدى السّترِ إلاَّ لبسةَ المتفضّل
لدى كعبةٍ قد فاضَ دمعي لبُعْدِها
على النحرِ حتَّى بلَّ دمعيَ محملي
فيا حاديَ الآمال سِرْ بي ولا تقلْ
عقرتَ بعيري يا امْرأ القيسِ فانزل
فقد حلفتْ نفسي بذاك وأقسمت
عليَّ وآلتْ حلفةً لم تَحَلَّل
فقلتُ لها لا شكَّ أنِّي طائعٌ
وأنَّكِ مهما تأمري القلبَ يفعل
وكم حَمَلتْ في أَظْهُرِ العزمِ رحْلها
فيا عجبًا من كورها المتحمل
وعاتبتِ العجزَ الَّذي عاقَ عَزْمَها
فقالتْ لك الويلاتُ إنَّك مُرْجلي
نبيُّ هُدىً قد قالَ للكفرِ نورهُ
ألا أيُّها الليلُ الطويلُ ألا انجلِ
تلا سُوَرًا ما قولها بمعارَضٍ
إذا هيَ نصَّتْهُ ولا بِمُعَطَّل
لقد نزلتْ في الأرض مِلةُ هَدْيِهِ
نزولَ اليماني ذي العِيابِ المحمّل
أتت مغربًا من مشرقٍ وتعرَّضَتْ
تعرُّضَ أَثناءِ الوشاحِ المفَصَّل
ففازتْ بلادُ الشرقِ من زينةٍ بها
بشقٍّ وشقٌّ عندنا لم يُحوَّل
فصلَّى عليه الله ما لاحَ بارقٌ
كلمعِ اليدينِ في حَبيٍّ مكلل
نبيٌّ غزا الأَعداءَ بين تلائعٍ
وبين أكام بعدما متأمل
فكمْ ملكٍ وافاهُ في زي منجدٍ
بمنجردٍ قَيْدِ الأَوابدِ هيكل
وكم من يمانٍ واضحٍ جاءه اكتسى
بضافٍ فُوَيْقَ الأرضِ ليس بأَعزل
ومن أبطحيٍّ نيطَ عنه نجادُهُ
بجيدِ مُعِمٍّ في العشيرة مُخْوِل
أزالوا ببدرٍ عن سروجهمُ العدا
كما زلتِّ الصفواءُ بالمُتَنَزَّل
ونادوا ظُباهم لا يَفتْكِ فتىً ولا
كبير أناسٍ في بجادٍ مُزَمّل
وفضَّ جموعًا قد غدا جامعًا لهم
بنا بطنَ حِقْفٍ في قِفافٍ عَقَنْقَل
وأحمَوا وطيسًا في حُنيْنٍ كأَنَّه
إذا جاشَ فيه حَمْيُهُ غَلْيُ مِرْجَل
ونادَوا بناتِ النبع بالنصرِ أثمري
ولا تُبْعدينا من جَناكِ المعلل
وممَّنْ له سُدِّدتْ سهمين فاضربي
بسهميكِ في أعشار قلبٍ مقتل
فما أغنت الأَبدانَ درعٌ بها اكتستْ
ترائبُها مصقولةٌ كالسَّجنجل
وأضحتْ لواليها ومالكها العدا
يقولون لا تهْلِكْ أسىً وتجمل
وقد فرَّ منصاعٌ كما فرَّ خاضبٌ
لدى سمُرات الحيِّ ناقفُ حنظل
وكم قالَ يا ليلَ الوغى طُلْتَ فانْبَلجْ
يصبحٍ وما الإِصباحُ منك بأمثل
فليت جوادي لم يسرْ بي إلى الوغى
وبات بعيني قائمًا غيرَ مرسل
وكم مُرْتَقٍ أوطاسَ منهم بمُسْرَجٍ
متى ما تَرَقَّ العينُ فيه تسَهّل
وقرَّطَهُ خُرْصًا كمصباحِ مُسْرِج
أهانَ السَّليطَ في الذُّبال المفتّل
فيرنو لهادٍ فوق هاديه طَرْفُهُ
بناظرةٍ من وَحْشِ وجرة مُطْفِل
ويسمعُ من كافورتين بجانِبَيْ
أَثيثٍ كَقِنوِ النخلة المتعثكل
تَرفَّع أنْ يُعْزى له شَدُّ شادنٍ
وإرخاءُ سرحانٍ وتقريبُ تَتْفُل
ولكنَّه يمضي كما مرَّ مُزْبِدٌ
يكبُّ على الأَذقانِ دَوْحَ الكنَهْبل
ويغشى العدا كالسهمِ أو كالشهاب أو
كجلمودِ صخرٍ حطَّه السَّيلُ من عل
جيادٌ أعادتْ رسمَ رستم دارسًا
مهل عند رسمٍ دارسٍ منْ مُعَوَّل
وريعتْ بها خيلُ القياصرِ فاختفت
جواحِرُها في صرَّةٍ لم تَزَيَّل
سبت عُرُبًا من نسوةِ العُرْب تَسْتَبي
إذا ما اسبكَرَّتْ بين درع وَمِجْوَل
وكم من سبايا الفرس والصُّفْرِ أَسْهَرَتْ
نؤومَ الضحى لم تنتطقْ عن تفضل
وحزنَ بدورًا من ليالي شعورها
تضلُّ المدارِي في مُثَنَّى ومرسل
وأَبْقَتْ بأرض الشَّام هامًا كأَنَّها
بأرجائها القصوى أَنابِيشُ عُنْصُل
وما جفَّ من حَبِّ القلوبِ بغورها
وقيعانِها كأنَّه حبُّ فلفل
لخضراءَ ما دَبَّتْ ولا نبتتْ بها
أساريعُ ظبيٍ أو مساويكُ إسحِل
شدا طيرُها في مثمرٍ ذي أرومةٍ
وساقٍ كأنبوبِ السقيّ المذلل
فشُدَّتْ بروضٍ ليسَ يَذْبُلُ بعدها
بكلِّ مُغار الفتلِ شُدَّ بيذبل
وكم هَجَّرتْ في القيظِ تحكي دوارعًا
عذارى دوارٍ في المُلاءِ المُذَيَّا
وكم أدلجت والقطرُ يهفو هزيزُهُ
ويلوي بأثواب العنيفِ المثقّل
وخضنَ سيولًا فِضْنَ بالبيد بعدما
أثرنَ غبارًا بالكديدِ المركّل
وكم ركزوا رمحًا بدعصٍ كأَنَّه
من السَّيْلِ والغُثَاء فَلْكَةُ مِغْزل
فلم تبنِ حصنًا خوفَ حصنهُم العدا
ولا أُطُمًا إلاَّ مَشِيدًا بجندل
فَهُدَّتْ بعضبٍ شُدَّ بعد صقاله
بأمراسِ كتَّانٍ إلى صُمِّ جَنْدل
وجيشٍ بأقصى الأرض ألقى جِرانَهُ
وأردف أعجازًا وناءَ بكلكل
يدكُّ الصفا دكًّا ولو مرَّ بعضُهُ
وأيسرُهُ على السِّتار فيذبل
دعا النصرُ والتأييدُ راياتِهِ اسحبي
على أثرينا ذيلَ مِرطٍ مرحل
لواءٌ منيرُ النصل طاوٍ كأَنَّه
منارة مُمْسى راهبٍ متبتّل
كأَنَّ دما الأَعداءِ في عَذَباتهِ
عصارةُ حِنَّاءٍ بشيبٍ مُرجل
صحابٌ بَرَوا هامَ العداةِ وكم قَرَوا
صفيفَ شواءٍ أو قديرٍ معجل
وكم أكثروا ما طاب من لحم جَفْرةٍ
وشحمٍ كهُدَّاب الدِّمَقسِ المُفَتّل
وكم جُبْنَ من غبراءَ لم يُسْقَ نَبْتُها
دراكًا ولم يُنْضَحْ بماءٍ فيغسل
حكى طيبُ ذكراهم ومُرُّ كفاحهم
مَداكَ عروسٍ أو صلايةَ حنظل
لأمداحِ خيرِ الخلق قلبيَ قد صبا
وليس صِبايَ عن هواها بِمنسل
فدعْ من لأيام صلحن له صبا
ولا سيّما يومٍ بدارةِ جُلْجُل
وأصبح عن أُمّ الحويرثِ ما سلا
وجارتِها أُمِّ الرَّباب بمأْسل
وكنْ في مديحِ المصطفى كمدبّجٍ
يقلّب كفَّيْهِ بخيطٍ مُوَصَّل
وأمِّل به الأُخرى ودنياك دعْ فقد
تمتعتَ من لهوٍ بها غيرَ معجل
وكم لنبيثٍ للفؤادِ منابثٍ
نصيح على تَعْذاله غير مؤتل
ينادي إلهي إنَّ ذنبيَ قد عدا
عليَّ بأنواع الهمومِ ليبتلي
فمنْ لي مجيرًا من شياطينِ شهوةٍ
عليَّ حراصٍ لو يُسِرُّونَ مقتلي
ويُنْشِدُ دنياهُ إذا ما تَدَلَّلَتْ
أَفاطمَ مهلًا بعضَ هذا التدلّل
فإن تصلي حبلي بخيرٍ وصلتُهُ
وإن كنتِ قد أزمعتِ صَرْمي فأَجملي
وأَحْسِنْ بقطعِ الحبلِ منكِ وَبَتِّهِ
فسلّي ثيابي منْ ثيابكِ تَنْسَل
أيا سامعي مَدْحَ الرسولِ تَنَشَّقوا
نَسيم الصّبا جاءتْ بريَّا القرَنْفُل
وروضةَ حمدٍ للنبيِّ محمدٍ
غذاها نميرُ الماءِ غيرُ المحلّل
ويا من أبى الإِصغاءَ ما أَنْتَ مهتدٍ
وما إن أرى عنكَ العَماية تنجلي
فلو مُطْفِلًا أنشدتها لفظَها ارعوتْ
فأَلهيتها عن ذي تمائمَ مُحْول
ولو سمعتْهُ عُصْمُ طودٍ أمالها
فأَنزلَ منها العُصْمَ من كلِّ منزل
0 تعليقات