أبى رقَّ الحياةِ فماتَ حرّا
وَأبلغَ نفسَه في ذاك عذرا
أَبيٌّ ساغ كأسَ الموتِ صِرْفًا
دهاقًا حين طعم العيشِ مرّا
وَتامَتْ قَلْبَه بكرُ المعالي
فقدَّم نفسَه في الحبِّ مهرا
وَأقسمَ لا يكون حماه نهبًا
مباحًا أو يموت طوىً فبرّا
قضى جوعًا وَربّ ممضِ جوعٍ
يكون عَلى حياةِ القوم أمرا
وما يدريك أنَّ طواه يومًا
يكون لقومِه بعثًا وَنشرا
بميتته رأى إحياء شعبٍ
فأيقن أنَّ بعد العسرِ يسرا
فلو في كلِّ شعبٍ مثل (ماكٍ)
لما كانتْ خطوبُ القومِ تترى
عجبتُ له جليدًا ذا اختيارٍ
يعاني نزْعَهُ شهرًا فشهرا
إذا كَلَحَتْ به زرقُ المنايا
تهلّلَ وَجهُه وازداد بشرا
كأنَّ له عَلى الأنفاس وِتْرًا
فأدرك من إِفاظتهنَّ وترا
كأْنَّ حياتَه أصرٌ عليه
فخفَّفَ عنه عند الموت أصرا
فيالك سكرة غشيْتهُ لكنْ
لقد كشفتْ عن الأقوام ضرّا
ويا لك ميتًا أحيا شعوبًا
وَشادَ لها عَلى الأيامِ ذكرا
فديتك هل نذرتَ النفسَ يومًا
على منعِ الحمى فوفيتَ نذرا
بنفسي أنت من هادٍ إمام
أنارَ لمدْلجِ الأقوامِ فجرا
عظامُك وهي جوفٌ بالياتٌ
رفعتَ بها بناءً مشمخرا
ونفسُك وهي ذاهبةٌ شعاعًا
أظلَّته رواقًا مسيطرا
إلى الأخرى عهدتَ الصومَ ذخرًا
وصومُك كان في الدارين ذخرا
ليهنك أنَّ أهلَ الأرضِ إلبٌ
عَلى أن يدركوا لذويك ثأرا
كأنك من ذوي قربايَ لَمَّا
رثيتُك باكيًا نظمًا ونثرا
ولم تك ذا ولاءٍ في مَعَدٍ
ولم تبلغْ بك الأجدادُ (فِهرا)
ولكني بكلِّ فتى كريمٍ
أخي ثقةٍ غزيزِ النفس مغرى
فنبئني أعَيْشُ المرءِ خيرٌ
بذلٍ أم رداه فأنت أدرى
إذا كانت حياةُ المرء أسرًا
فإنَّ الموتَ بالأحرار أحرى
فأفٍ للجبان وكل نذلٍ
يُقاد إلى حياضِ الذلِّ قسرا
وأُفٍ للأولى ظلموا وجاروا
وآلوا أن يسودوا الناسَ قهرا
فلولا الظلمُ والأطماعُ كنا
لآخرِ دهرنا ماءً وخمرا
0 تعليقات