أدر الزجاجة فالنسيم مؤرج لـ حازم القرطاجني

أَدِر الزجاجة فالنسيمُ مؤرج
والروض مرقوم البرود مدبَّج

والأَرض لابسة برودَ محاسنٍ
فكأنَّما هي كاعب تتبرَّج

والنّهى لمَّا ارتاح معطفه إلى
لقيا الرياح عُبابُهُ متموِّج

يمسي الأَصيلُ بِعسجديِّ شعاعِه
أَبدًا يُوَشِّي صفحةً ويُدبِّج

وتروم أيدي الريح تسلب ما اكتسى
فتزيدُهُ حسنًا بِما هيَ تنسُج

فارْتَحْ لشربك كأس راحٍ نَوْرُها
بل بدرها في مائِها يتوهَّج

واسكرْ بنَشوةِ لَحْظِ من أَحبَبْته
أو كأس خمرٍ من لماه تُمْزَج

واسمعْ إلى نغمات عُودٍ تطَّبي
قلبَ الخليِّ إلى الهوى وتُهَيِّج

بمٌّ وزيرٌ يُسعدانِ مثانيًا
ومثالثًا طَبَقاتُها تتدرَّج

مَنْ لمْ يُهيِّج قلبَه هذا فما
للقلبِ منه محرّك ومهيّج

فأَجبْ فقد نادى بأَلْسن حاله
للأَمْنِ دهرٌ للهموم مفرِّج

طَرِبتْ جماداتٌ وأَفصحَ أَعْجمٌ
فرحًا وأَصبحَ منْ سرورٍ يَهْزج

أَفيفضُل الحيّ الجمادُ مسرَّةً
والحيُّ للسرَّاءِ منه أَحوج

ما العيشُ إلاّ ما نعِمتَ بها وما
عاطاك فيه الكأس ظبيٌ أدعج

ممَّنْ يروقُك منه رِدفٌ مُرْدَفٌ
عَبلٌ وخصرٌ ذو اختصارٍ مُدْمَج

فإذا نظرتَ لطُرَّةٍ ولغُرَّةٍ
ولصفحةٍ منه بدتْ تتأَجّج

أيقنتَ أن ثَلاثهُنَّ وما غُدا
من تحتها يَنْآدُ أو يتموَّج

ليلٌ على صبحٍ على بدرٍ على
غصنٍ تحمّله كثيبٌ رَجْرَج

كأس ومحبوب يظلّ بلحظه
فلب الخلِيِّ إلى الهوى يُسْتَدْرَج

يا صاحِ ما قلبي بصاحٍ عن هوى
شيئين بينهما المنى تُسْتَنْتَجُ

وبمهجتي الظبيُ الذي في أَضلعِي
قد ظلّ وهو يشُجُّها ويُؤَجِّجُ

ناديت حاديَ عيسه يوم النوى
والعيسُ تُحدى والمطايا تُحْدَج

قفْ أيُّها الحادي أُودِّعْ مهجةً
قَدْ حازها دونَ الجوانحِ هَوْدَجُ

لما تواقفنا وفي أحداجها
قمرٌ منيرٌ بالهلال متوَّج

ناديتهم قولوا لبدركُمُ الذي
بضيائه تسري الركاب وتُدْلج

يُحْيي العليلَ بلحظة أو لفظة
تُطفي غليلًا في الحشا يتأجَّج

قالوا نخاف يزيد قلبَك لاعجًا
فأجبتهم خلُّوا اللّواعجَ تَلْعَجُ

وبكيتُ واستبكيت حتَّى ظلَّ من
عبراتنا بحرٌ ببحرٍ يُمْرَجُ

وبقيتُ أفتحُ بعدهم بابَ المُنى
ما بيننا طورًا وطورًا أَرْتِجُ

وأَقول يا نفسي اصبري فعسى النوى
بصباحِ ليلٍ قربَها يتبَلَّجُ

فترَّقبِ السراءَ من دهرٍ دجا
فالدهرُ من ضدٍّ لضدّ يخرج

وترج فُرجة كلِّ همٍّ طارقٍ
فلكلِّ همٍّ في الزمان تفرُّجُ

إرسال تعليق

0 تعليقات