يا موقدَ النار بالهنديّ والقار
كم أوقدت في الحشى ذكراك من نار
يا شدّ ما أضرمت قلبي مضرّمَةٌ
تلتاح بين قنا سمرٍ وسُمّار
شبّت لمثبوب نور الحسن موقدةً
زندَ الجمالِ على لبّاتهِ وار
وأنضحت قطرًا يسري له أرجٌ
على نوازحِ أرجاء وأقطار
زهراءُ تقتبسُ الأنوار من غرَرٍ
كالزهر أو من ثغور مثل أزهار
من كل واضحة الأنوار فاضحة
لما تلألأ من نور ونوّار
لو سامها البدر أن تحتل هالتَهُ
لم ترض دارتهُ الغرّاء من دار
خلعَت منها عذارى في مهفهفة
أصبحت في حبّها مقبول أعذار
لم أستطع حين أخفتها الحدوج ضحىً
إظهار صبر ولا إخفاء أسرار
ما أَنسَ لا أَنسَ العِيسَ إذ بكرَتْ
بِمثل عيْنِ المها عون وأَبكار
ليس الحدوج التي حفت بهنَّ سوى
كِمامِ زَهْرٍ وهَالاتٍ لأقمار
تبدو أَهلَّةَ حُسنٍ كلَّما انتقبتْ
وحينَ تُسْفِرُ تبدُو ذاتَ إبدار
أَترابُ غانيةٍ تُغْني بطلعتها
عن طلعةِ البدرِ عند المدلجِ السَّاري
بجنَّة الحُسْنِ من شرقيِّ أندلسٍ
قد خَيَّمَتْ بين أزهارٍ وأنهَار
تسمو إذا ما سما نجمُ المصيف إلى
زُرْقٍ صوافٍ عليها خضر أشجار
حتَّى إذا كوكبُ الأَسحارِ لاح لها
في شهرِ تشرينَ أضحتْ ذاتَ أَسحار
واستبدلتْ فوقَ شطِّ البحرِ منزلةً
من منزلٍ فوقَ نهرِ العسجد الجاري
حيث التقى الزَّاخر المخضرّ مشْبهَهُ
حتَّى أُقرَّتْ بها ألحاظ نُظار
بسيط برٍّ غدا البحر البسيط له
مدانيًا كدنوِّ الجار للجار
إذا الندى انقطعت أسلاكه سحرًا
فيه غدا زهره منحلَّ أزرار
فكمْ إلى نَهر العِقْبان قد صعدتْ
تعرو مساقط أزهارٍ وأَثمار
وكم تجاه جبالَ الفضَّة انحدرتْ
تقفو مساقط أنواءٍ وأمطار
حيثُ استفاضَ شعاعُ الحسن وابتسمتْ
أضواؤُهُ بين أنجادٍ وأغوار
وأَجْبُلُ القبلةِ الغرَّاء قابَلَها
طودُ المحاريب من أعلامِ مُذْقار
معاهد قد لبِسْنَ الأُنس متّصلًا
في غُرِّ أنديةٍ منها وأَسحار
فأَوْحَشَتْ بعدَ إيناسٍ وصارَ بها
صَرفُ الحوادثِ طلاّبًا بأَوتار
كانت نوائبَ أدنى ما جنته نوًى
أدنى جناياتها تهْييج أفكار
وعضُّ ظفْرٍ بأسنانٍ على زَمنٍ
قد عضَّ أَو قَرعُ أسنانٍ بأَظفار
أبقى المنازل أصفارًا وغادرها
من كانَ فيها شريدًا حِلف أَسفار
كانوا كطيرٍ بأوكارٍ فصيَّرهُمْ
زمانُهُمْ فوقَ طيرٍ ذات أَوكار
عرفتُ من بعد إنكارٍ معاهدَهمْ
فكدتُ أَنسى اصطباري بعد تذكاري
أبكي لمعرفة العهد القديم وما
أنكرتُ من خطب دهر طارق طار
شِيبَتْ مواردُ أُنسي بعد ما خلصت
جمامها الزُّرْق من شوبٍ وأكدار
كم أوجهٍ للمُنى غُرٍّ نعمتُ بها
في أزمنٍ مثلها غُرٍّ وأَعصار
ثم انتحت أزمنٌ بُهمٌ مبدّلةٌ
حالًا بحالٍ وأَطوارًا بأَطوار
ففرَّقتْ شَملَ أحبابٍ وشملَ مُنًى
وأَلَّفتْ شملَ أَعداءٍ وأَشرار
ومُذ تفرَّقتِ الآمال ما اجتمعتْ
لي في دجى اللَّيل أشفارٌ بأَشفار
ولو تيقَّظَ من إغفائِهِ أملي
ما واصلَ اليأْسُ إيقاظي وإسهاري
وليس يوقظ آمالي سوى يقظٍ
يُنمى لمجدِ أبي اليقظان عمَّار
محمد بن سعيد خير ما سعدت
به المنى بينَ إيرادٍ وإصدار
السّيّد المذحجيّ المكتسي حُللًا
من العُلا جددًا ليست بأَطمارِ
حاطتْ حجابته الدُّنيا بما ضَربتْ
دون الحوادث من حُجْبٍ وأَستار
ناهيك من جنَّةٍ للدين واقيةٍ
وصارمٍ في يدِ الإِسلام بتَّار
وهضبةٍ من هضابِ الحلم راجحةٍ
وروضةٍ من رياضِ العلم مِعطار
وغيث جودٍ على العافينَ منسكبٍ
وليثِ بأْسٍ على أعدائهِ ضار
تسري صَباه بليلًا للعفاة وما
أرواحُهُ في الأَعادي غير إعصار
لو لم يفِدْ وافِدٌ مغناهُ طالعَهُ
بوافداتٍ من الآلاء زُوَّار
لهُ سهامٌ من الآراء صائِبةٌ
يَرِيشهُنَّ ويبري في رضى الباري
سَمَتْ إلى أبعدِ الغاياتِ همَّتُهُ
فأدركتها وليستْ ذاتَ إقصار
فليس يرجو سوى أجرٍ ونيل علًا
وليس يَحْذرُ غيرَ الإِثمِ والعار
لا يستطيع بليغٌ أن يُجارِيَهُ
من البلاغةِ في شأْوٍ ومضمار
إذا يراعتُهُ في كفِّه خَطَرَتْ
أنساكَ كلَّ قويمِ المتنِ خطَّار
يُملي عليه الحجى ما شاءَ من كلمٍ
قليلةٍ ومعانٍ ذات إكثار
قد سلّم الصَّاحب الإِقليدَ منه إلى
سحاب ذيلٍ على سحبان جرَّار
إن ذَيَّلَ النظم بالنثر استفدت به
منثورَ سحبان في منظوم بشَّار
لفظٌ براعته تُعزى إلى ابن أبي
سلمى ورقَّته تُعزى لمهيار
بلْ قد تعالَتْ عن الأَفكار فكرتُهُ
وجلَّ مقدارُهُ عن كلِّ مقدار
وإنَّ كلّ بيان في معارفه
كنقطةٍ غرِقَتْ من لُجَّ زخَّار
بابن الحسينِ أبي عبد الإِله غدا
صُبح الهدى زائِدًا نورًا لأنوار
لجدِّه شهدَ الهادي بكلِّ هدًى
في جَنةٍ من خيار الصَّحبِ أبرار
كفَى دليلًا على الهدْي الذي لكمُ
شهادةٌ نُقِلتْ عن غير مختار
هدايةً لم تزل فيكم مُبيّنةً
لذي اختيارٍ ومن يُعْنى بأَخبار
مآثرٌ ليس يُبلي الدهرُ جِدّتها
ما دام منكمْ لها تجديدُ آثار
لا يبرح الدهرَ أخيارٌ تُجدِّدها
من آل بيتكُم من بعد أَخيار
من كلِّ منتسبٍ للبيضِ من يَمَنِ
وكلّ مُكتَسِبٍ بالبيضِ مغوار
سَخَوْا بكلِّ نفيسِ القدرِ في خطرٍ
كما سَخَوْا بنفوسٍ ذات أَخطار
بابن الحسين أبي عبد الإِله غدا
شُرْب المنى ليَ عَذْبًا بعدَ إمرار
أَحْضرتُ صدقَ رجائي إذ وثقتُ به
فغابَ يأْسي به من بعد إحضاري
كم ارتياحٍ له يغني بهزَّته
عن أن يُهزَّ بأَمداحٍ وأَشعار
وحسبُ مثليَ تنبيهًا وتذكرةً
لمثله ترك تنبيهي وإذكاري
أما وقلبيَ قد ناطَ الرجاء به
فليست القوس إلاّ في يدِ الباري
بكَ انتصاري أبا عبدِ الإِله على
دهرٍ عدمتُ به نَصْري وأَنصاري
كم بدأَةٍ في اصطناعي قد بدأْتَ وكم
رفعتَ في الناس قدري فوقَ أَقدار
ولم يؤخِّرْكَ عن تكميل ما بدأَتْ
علياك غير مشيئآتٍ وأَقدار
وقد تبدَّتْ نجومُ السَّعد وانبلجتْ
أوارها بين أَحداق وأَبصار
وساعدتك اللَّيالي فانتفعْ أبدًا
وانفعْ وخذْ من صروفِ الدهر بالثار
مَنْ ذا يؤمَّل لاستجلابِ منفعةٍ
سواك أو يُرْتَجى في دفعِ أَضرار
كم موطنٍ فيه لم أحضر غنيتَ به
عن محضري بخلالٍ منك حُضَّار
خَفَرتني من خطوبِ الدهر أَزْمِنَةً
وبعد خفريَ لا ترضى بإخفار
كم من أياديَ قد صيَّرتها فَقَضَتْ
بكلِّ حَمْدٍ لكُمْ في الأَرض سيَّار
وكم جناح نجاحٍ رِشْتَه فقضى
لكم بذكْرٍ على الآفاقِ طيَّار
أَوْعَدْتُ دهري بما عنكَ المُنى وَعَدَتْ
وما ضجرتُ له إذ رامَ إضجاري
وظللتُ آملهُ من حيثُ أحذَرُهُ
فالخيرُ والشرُّ ليسا على أَدوار
لا غروَ أَن تختفي أَنوارُ ذي كرمٍ
حينًا وتبدأُ حينًا ذات إسفار
فعادةٌ للحُمَيَّا أَن تصير إلى
صَدْرِ الزُّجاجة من مُحْلَوْلِك القار
والدرُّ ينقل في أصدافهِ فيُرى
في عقد غانيةٍ أَو تاج جَبَّار
أَضمرتُ في حبِّكم إضمارَ معتقدٍ
قد جلَّ عن كلِّ إخلاصٍ وإضمار
فلو على قدر حبِّ المرءِ تؤثره
ما كان إيثارُ خلقٍ فوقَ إيثاري
وما أُبالي إذا الدُّنيا حَلَتْ لكم
واعْذَوْذَبَتْ أنْ غدَتْ لي ذات إمرار
نعيمكمْ لي نعيمٌ فلْتَدُمْ لكُمُ
أسبابُ كلِّ نعيمٍ ذات تكرار
0 تعليقات