عشاء أطفلت فيه ذكاء لـ نيقولاس الصائغ

عِشاءٌ أَطفَلَت فيهِ ذُكاءُ
عِشاءٌ أَطفَلَت فيهِ ذُكاءُ

تَضيَّفَ ضَيفَنُ النِيرانِ قلبًا
ذَكاهُ في النفُوسِ لهُ ذَكاءُ

وأَقرَى فاقتَراهُ القلبُ لكِن
أَلحَّ على الحَشَى منهُ اقتِراءُ

مُدَى رِزءٍ اصارتنا ذِكاءً
فواعَجَبًا وقد بَطَل الذَكاءُ

لقد قَصُرَ اللِسانُ فلا بيانٌ
وقد حَصِرَ البَيانُ فلا ذَكاءُ

سَرَى منا السُرورُ وبانَ عنا
وباتَ الحُزنُ فينا والنعاءُ

شَفَت شمسُ النَهارِ وشمسُ فصلٍ
معًا واغتالَ نُورَهُما الشَقاءُ

وحُجِّب في السَرارِ البدرُ ليلًا
فغابَ النُورُ واحتجبَ الضِياءُ

وما خِلنا أَيَا القَمَرَين يَخفَى
ويَغرُبُ من مَشارِقِنا الأَياءُ

فسِرنا في ظِلالِ ظَلامِ ليلٍ
نَجُوبُ بهِ وليسَ لَنا اهتِداءُ

وَلمَّا غابَ ذاك النَدبُ عنا
تَبدَّى النَدبُ وانتُدِبَ البُكَاءُ

وأُغمَضَتِ الجُفونُ على قَذاها
فسالَ الدمعُ تَمزُجُهُ الدِماءُ

كلن الدمع وهو يخد خدًا
دم الأخوين يتبعه الإخاء

فلِلأجفانِ تقريحٌ وسُهدٌ
كَأَن قد أُغمِدَت فيها الظِباءُ

وفي الأَحشاءِ تسعيرٌ ووَقدٌ
كأُثقِيَةٍ يُسعِّرُها الصِلاءُ

وَغُدرانُ الخُطوبِ جرت بِغَدرٍ
غَدَرن بنا فغادَرنا الصَغاءُ

عَدِمنا مَورِدًا عَذبًا شهيًّا
لِذلكَ لم يُفارِقنا الظَماءُ

فتىً حَيّا مُحَّياهُ الحَياءُ
وأَحيَا حيَّ سائِلِهِ الحَياءُ

سنيٌّ قد تسنَّى من سَناهُ
لنا أَسنَى السَنَى ثُمَّ السَناءُ

فلو أَن يَذبُلٌ فاجاهُ خَطبٌ
كهذا لاغتدَى وَبِهِ انحِناءُ

لقد عزَّ العَزاءُ على عزيزٍ
وعز الصبرُ إذ عزَّ العزاءُ

فلا يُعزَى لفضلٍ بل حَرِيٌّ
اليهِ يكونُ للفضل اعتِزاءُ

فقيدُ الشِبهِ من قَبلٍ وبَعدٍ
فما وَلَدَت ولا تَلَدُ النِساءُ

أَعبدُ اللَه زاخرَ بحرُ بِرٍّ
سيَبرِيهِ البَرَى وَهُوَ البَراءُ

أَعبدُ اللَه تُنشِبُ فيهِ ظُفرًا
مَناياهُ ويَنحَطُّ العَلاءُ

أَعبدُ اللَه تَرميهِ المنايا
بسهمٍ لم يَكُن فيهِ خَطاءُ

أَعبدُ اللَهِ عنهُ يُقالُ يومًا
لِخِلٍّ قد قَضَى ولَكَ البَقاءُ

أَعبدُ اللَه يَبلَى منهُ جِدٌّ
وجَدٌّ او يَجِدُّ بهِ البَلاءُ

أَعبدُ اللَه يُمسِي تحت ارضٍ
لُقىً فيها ويمتنعُ اللِقاءُ

ويُلوَى في اللَوَى أَعلَى لِواءٍ
ويَلوَى وَهوَ ليسَ بهِ التِواءُ

ويَثوِي في الثَرَى نَوءُ الثُرَيَّا
ويُمسِي للثَراءِ بهِ ثواءُ

قَضَى فيهِ القَضا فقَضَى بحُكمٍ
إِلهِيٍّ لهُ فيهِ اقتِضاءُ

وأَدرَكَت المنَّيةُ ما تَمشَّت
وقد بلغَ المُنى فيهِ المَناءُ

فقد تُعفِي المنَّيةُ كل عافٍ
فهل عافٍ لهُ منها اعتِفاءُ

وهل يُعفَى ابنُ أُنثى من عَفاءٍ
وأَوَّلُه وآخره عفاء

فأَينَ مَقَيلُ أَقيالٍ تناهَوا
بعِزَّتِهم وأَينَ الأَقوِياءُ

وأَينَ الرافعونَ لِواءَ نصرٍ
بصَولتِهِم وأَينَ الأَغنِياءُ

وأَينَ ذَوُو الصوارمِ والعَوالِي
وأَينَ أُولُو الحِجَى والأَتقِياءُ

وابن بَنُو الرَخاءِ بطيبِ عيشٍ
وكانَ مَهَبَّهم ذاكَ الرُخاءُ

فدَع هذا وقُل أَينَ الأَوالِي
من الدُنيا واينَ الأَولِياءُ

تَولَّوا عاثرًا في إِثرِ كابٍ
فما باؤُوا ولا للحيِّ فاؤُا

هو الدَينُ الذين كلٌّ يفيهِ
بلا بُدٍّ اذا حانَ الوَفاءُ

ويَغشَى الهدمُ ما يبنيهِ يومًا
يَحِلُّ فِناءَ ساحتهِ الفَناءُ

فما لِذَوِي الوَدَى أَبَدًا مُداوٍ
فَداءُ المَوتِ ليسَ لهُ دَواءُ

اذا حُمَّ الحِمامُ فلا حميمٌ
ولا آسَى الأُساةُ ولا أَساءُوا

تقلَّصَ ظِلُّ مجدٍ من مجيدٍ
وغالَ العِزَّ والمجدَ أمِّحاءُ

سَرَت قُلُصُ الرَدَى بسَرِيِّ قومٍ
فتىً من بعدهِ قَلَصَ الفَتاءُ

تقضَّى عُمُرهُ فقَضَى علينا
مآثِمَ ما لها عنا انقِضاءُ

فيومٌ ماتَ فيهِ الأَربِعاءُ
بَليَّتُهُ قُعُودٌ أُربُعاءُ

وأَغرَبَ في غُرُوبِ الشمسِ عنا
مُسِيئًا كانَ ذَيَّاكَ المَساءُ

وقد أَشفَى على عَدَمٍ وأَشفَى
لَئن بلغَ الشَفا فبِمَ الشِفاءُ

لئن حَزِنَت عليهِ الأرضُ طُرًّا
لَقد فَرِحَت بنُقلتِهِ السَماءُ

نفوس بالأسى منا استطارت
شعاعًا حينما شع البهاء

نَعَم عَمَّ الأَسَى بُعدًا وقُربًا
ولكِن خُصَّ فيهِ الأَقرِباءُ

فذوا القُربَى إليهِ أَشَدُّ سُؤًا
ولكِن ما ذَوُو القُربَى سَواءُ

فلو يُفدَى لكُنتُ لهُ فِداءً
ولكِن لا يُخالُ لهُ فِداءُ

فَبادَ ولا يَبِيدُ لهُ ثَناءٌ
ورَثَّ ولا يَرِثُّ لهُ رثاءُ

زَوَى عنِّي الخليطُ فخالَطَتني
شُجونٌ ما لَها عني انزِواءُ

وولَّى حينَ ولَّى القلبُ غمًّا
وبالأَولى بهِ هذا الوَلاءُ

لقيتُ الأَطورِينَ بأَطوَرَيها
بأَطوارٍ يطورُ بها العَناءُ

فمَوطؤ الأَسَى رَمَضٌ ومَمهُو
دُهُ قَضَضٌ ومَسلَكهُ شَقاءُ

ومَفؤُودوهُ ليسَ لهم نجاحٌ
ومَوؤُودوهُ ليسَ لهم نَجاءُ

لَعَمرُكَ إِنَّ فَجَّ الحُزنِ حَزنٌ
بهِ الخِرّيتُ يُنضِيهِ العَياءُ

تَواصَلَ في النفوس بلا انفصالٍ
كدائِرةٍ نِهايتُها ابتِداءُ

إرسال تعليق

0 تعليقات