نخب الهزيمة لـ عبدالمهدي المجالي

في الشّمال منَ الجنوبِ
ليلاً تصير حدوديَ الأنْوارُ في الأفُقِ البعيد
وكأنّهُ الأمسُ ذات النّورِ ذات الليلِ والشّعورِ
والأخضرُ الدَّاكِنْ
كلّ مدّخَرٍ بات للنِّسيانِ
"تكرارٌ مُهينْ"

في الشّمالِ منَ الجنوبِ
ليلاً تصير قصيدتي الهذيانُ
أنادِمُ رحلتي الكبرى وأسخرُ منْ رداءتها : لوْ لمْ نكنْ كنّا سننجو أنا وأنْتِ
كنّا سنرقبُ منْ علٍ أهْلَ المكانِ و نضحكُ منْ بساطتِهمْ
"رذاذٌ في سديمْ"

في الشّمالِ من الجنوبِ
ليلاً تصير الصّنوبرةُ مشنقةً ترَاوِدني وتغريني :
"ما أقرب السّماءَ
وأنتَ بدرٌ كاملٌ و الأرضُ تطْردُكَ انتفضْ"
"لمْ يحِنْ وقْتُ البنفْسجْ"

في الشَّمالِ من الجنوبِ
ليلاً تصير ثرثرةُ المكانِ مخيِفةٌ
النّاسُ فوقَ النّاسِ
أكْوامٌ من الشّكوى
يتوارثون ما اسْتطاعوا من الخيالِ
فالخيالُ هنا عزيزٌ
يسكبون العمر مرًّا في كؤوسٍ من نشيجٍ
يأْكلون الثّلج أكلًا
كي تنام النّار فيهمْ.. أو يناموا
"زوْرقٌ فوق الرِّمال"

في الشّمالِ من الجنوبِ
ليلاً تصير حكايتي مرْهونةً بالوعيّ
ترنو آخِر الوَعيّ على اسْتحياءٍ
أقبّلُ برفقٍ كفّها و أُجْلسها
تُبعْثِر شعرها
ثمّ تلُمّهُ حولي ولا تنطقُ
وعند أوّل هبّةٍ للرِّيح تحضنني
تنامُ نوْمةَ الطّفلِ المرْتاع فوقي ولا تنطقُ
فلا أنطقُ:
"ميدوسا البريْئةْ"

في الشّمالِ من الجنوبِ
ليلاً تصير حصيرةٌ عرشي
وتاجي صداع الرّأسِ والحشراتُ جمْهوري
وألْقي الخُطبةَ العصماءَ عنْ وطنٍ هوَ للجميعِ
لأنّ سليْمانَ مات ولمْ يكُنْ شيُوعيًّا
وأنا أَجُوعُ، وأشْربُ التَّبغ الرّديء
"فصْل الرّغيف"


في الشّمالِ من الجنوبِ
ليلاً يصير الوقتُ ارْتجالاً
بعد دمعتين أنهضُ
بعد أغنيَتين أرحلُ
تاركًا خلفي الرَّمادَ ونخب انْتصارات الهَزيمةِ
فاعْذُريني يا أمّاهُ لوْ نسيتُكِ
ونمتُ في حضن الطّريق
غدًا أفيقُ
غدًا أفيقْ..

إرسال تعليق

0 تعليقات