ما اليوم أول توديع ولا الثاني لـ أبي تمام

ما اليَومُ أَوَّلُ تَوديعٍ وَلا الثاني
البَينُ أَكثَرُ مِن شَوقي وَأَحزاني

دَعِ الفِراقَ فَإِنَّ الدَهرَ ساعَدَهُ
فَصارَ أَملَكَ مِن روحي بِجُثماني

خَليفَةُ الخِضرِ مَن يَربَع عَلى وَطَنٍ
في بَلدَةٍ فَظُهورُ العيسِ أَوطاني

بِالشامِ أَهلي وَبَغدادُ الهَوى
وَأَنا بِالرَقَّتَينِ وَبِالفُسطاطِ إِخواني

وَما أَظُنُّ النَوى تَرضى بِما صَنَعَت
حَتّى تُطَوِّحَ بي أَقصى خُراسانِ

خَلَّفتُ بِالأُفُقِ الغَربِيِّ لي سَكَنًا
قَد كانَ عَيشي بِهِ حُلوًا بِحُلوانِ

غُصنٌ مِنَ البانِ مُهتَزٌّ عَلى قَمَرٍ
يَهتَزُّ مِثلَ اهتِزازِ الغُصنِ في البانِ

أَفنَيتُ مِن بَعدِهِ فَيضَ الدُموعِ كَما
أَفنَيتُ في هَجرِهِ صَبري وَسُلواني

وَلَيسَ يَعرِفُ كُنهَ الوَصلِ صاحِبُهُ
حَتّى يُغادى بِنَأيٍ أَو بِهِجرانِ

إِساءَةَ الحادِثاتِ استَبطِني نَفَقًا
فَقَد أَظَلَّكَ إِحسانُ ابنِ حَسّانِ

أَمسَكتُ مِنهُ بِوُدٍّ شَدَّ لي عُقَدًا
كَأَنَّما الدَهرُ في كَفّي بِها عانِ

إِذا نَوى الدَهرُ أَن يودي بِتالِدِهِ
لَم يَستَعِن غَيرَ كَفَّيهِ بِأَعوانِ

لَو أَنَّ إِجماعَنا في فَضلِ سُؤدُدِهِ
في الدينِ لَم يَختَلِف في الأُمَّةِ اثنانِ

إرسال تعليق

0 تعليقات