خذي عبرات عينك عن زماعي لـ أبي تمام

خُذي عَبَراتِ عَينِكِ عَن زَماعي
وَصوني ما أَزَلتِ مِنَ القِناعِ

أَقِلّي قَد أَضاقَ بُكاكِ ذَرعي
وَما ضاقَت بِنازِلَةٍ ذِراعي

أَآلِفَةَ النَحيبِ كَمِ افتِراقٍ
أَظَلَّ فَكانَ داعِيَةَ اجتِماعِ

وَلَيسَت فَرحَةُ الأَوباتِ إِلّا
لِمَوقوفٍ عَلى تَرَحِ الوَداعِ

تَوَجَّعُ أَن رَأَت جِسمي نَحيفًا
كَأَنَّ المَجدَ يُدرَكُ بِالصِراعِ

فَتى النَكَباتِ مَن يَأوي إِذا ما
قَطَفنَ بِهِ إِلى خُلُقٍ وَساعِ

يُثيرُ عَجاجَةً في كُلِّ ثَغرٍ
يَهيمُ بِهِ عَدِيُّ بنُ الرِقاعِ

أَبَنَّ مَعَ السِباعِ القَفرَ حَتّى
لَخالَتهُ السِباعُ مِنَ السِباعِ

فَلَبِّ الحَزمَ إِن حاوَلتَ يَومًا
بِأَن تَسطيعَ غَيرَ المُستَطاعِ

فَلَم تَرحَل كَناجِيَةِ المَهاري
وَلَم تُركَب هُمومَكَ كَالزَماعِ

بِمَهدِيِّ بنِ أَصرَمَ عادَ عودي
إِلى ايراقِهِ وَامتَدَّ باعي

أَطالَ يَدي عَلى الأَيّامِ حَتّى
جَزَيتُ صُروفَها صاعًا بِصاعِ

إِذا أَكدَت سَوامُ الشِعرِ أَضحَت
عَطاياهُ وَهُنَّ لَها مَراعي

رِياضٌ لا يَشِذُّ العُرفُ عَنها
وَلا تَخلو مِنَ الهِمَمِ الرِتاعِ

سَعى فَاستَنزَلَ الشَرَفَ اقِتِدارًا
وَلَولا السَعيُ لَم تَكُن المَساعي

أَمَهدِيًّا لَحَيتَ عَلى نَوالٍ
لَقَد حُكتِ المَلامَ لِغَيرِ واعِ

أَرَدتِ بِحَيثُ لا تُعصى المَعالي
بِأَن يُعصى النَدى وَبِأَن تُطاعي

عَميدُ الغَوثِ إِن نُوَبُ اللَيالي
سَطَت وَقَريعُها عِندَ القِراعِ

كَثيرًا ما تُشَوِّقُهُ العَوالي
وَهِمَّتُهُ إِلى العَلَقِ المُتاعِ

كَأَنَّ بِهِ غَداةَ الرَوعِ وِردًا
وَقَد وُصِفَت لَهُ نَفسُ الشُجاعِ

لَحُسنُ المَوتِ في كَرَمٍ وَتَقوى
أَحَبُّ إِلَيهِ مِن حُسنِ الدِفاعِ

وَنَغمَةُ مُعتَفٍ يَرجوهُ أَحلى
عَلى أُذنَيهِ مِن نَغَمِ السَماعِ

جَعَلتَ الجودَ لَألاءَ المَساعي
وَهَل شَمسٌ تَكونُ بِلا شُعاعِ

وَما في الأَرضِ أَعصى لِامتِناعٍ
يَسوقُ الذَمَّ مِن جودٍ مُطاعِ

وَلَم يَحفَظ مُضاعَ المَجدِ شَيءٌ
مِنَ الأَشياءِ كَالمالِ المُضاعِ

رَعاكَ اللَهُ لِلمَعروفِ إِنّي
أَراكَ لِسَرحِ مالِكِ غَيرَ راعي

فَما في الأَرضِ مِن شَرَفٍ يَفاعٍ
سُبِقتَ بِهِ وَلا خُلُقٍ يَفاعِ

لَعَزمُكَ مِثلُ عَزمِ السَيلِ شُدَّت
قُواهُ بِالمَذانِبِ وَالتِلاعِ

وَرَأيُكَ مِثلُ رَأيِ السَيفِ صَحَّت
مَشورَةُ حَدِّهِ عِندَ المِصاعِ

فَلَو صَوَّرتَ نَفسَكَ لَم تَزِدها
عَلى ما فيكَ مِن كَرَمِ الطِباعِ

إرسال تعليق

0 تعليقات