ألم يأن أن تروى الظماء الحوائم لـ أبي تمام

أَلَم يَأنِ أَن تَروى الظِماءُ الحَوائِمُ
وَأَن يَنظِمَ الشَملَ المُشَتَّتَ ناظِمُ

لَئِن أَرقَأَ الدَمعَ الغَيورُ وَقَد جَرى
لَقَد رَوِيَت مِنهُ خُدودٌ نَواعِمُ

لَقَد كانَ يَنسى عَهدَ ظَمياءَ بِاللِوى
وَلَكِن أَمَلَّتهُ عَلَيهِ الحَمائِمُ

بَعَثنَ الهَوى في قَلبِ مَن لَيسَ هائِمًا
فَقُل في فُؤادٍ رُعنَهُ وَهوَ هائِمُ

لَها نَغَمٌ لَيسَت دُموعًا فَإِن عَلَت
مَضَت حَيثُ لا تَمضي الدُموعُ السَواجِمُ

أَما وَأَبيها لَو رَأَتني لَأَيقَنَت
بِطولِ جَوىً يَنفَضُّ مِنهُ الحَيازِمُ

رَأَت قَسَماتٍ قَد تَقَسَّمَ نَضرَها
سُرى اللَيلِ وَالإِسآدُ فَهيَ سَواهِمُ

وَتَلويحَ أَجسامٍ تَصَدَّعُ تَحتَها
قُلوبٌ رِياحُ الشَوقِ فيها سَمائِمُ

يَنالُ الفَتى مِن عَيشِهِ وَهوَ جاهِلٌ
وَيُكوي الفَتى في دَهرِهِ وَهوَ عالِمُ

وَلَو كانَتِ الأَرزاقُ تَجري عَلى الحِجا
هَلَكنَ إِذَن مِن جَهلِهِنَّ البَهائِمُ

جَزى اللَهُ كَفًّا مِلؤُها مِن سَعادَةٍ
سَعَت في هَلاكِ المالِ وَالمالُ نائِمُ

فَلَم يَجتَمِع شَرقٌ وَغَربٌ لِقاصِدٍ
وَلا المَجدُ في كَفِّ امرِئٍ وَالدَراهِمُ

وَلَم أَرَ كَالمَعروفِ تُدعى حُقوقُهُ
مَغارِمَ في الأَقوامِ وَهيَ مَغانِمُ

وَلا كَالعُلى ما لَم يُرَ الشِعرُ بَينَها
فَكَالأَرضِ غُفلًا لَيسَ فيها مَعالِمُ

وَما هُوَ إِلّا القَولُ يَسري فَتَغتَدي
لَهُ غُرَرٌ في أَوجُهٍ وَمَواسِمُ

يُرى حِكمَةً ما فيهِ وَهوَ فُكاهَةٌ
وَيُقضي بِما يَقضي بِهِ وَهوَ ظالِمُ

إِلى أَحمَدَ المَحمودِ رامَت بِنا السُرى
نَواعِبُ في عَرضِ الفَلا وَرَواسِمُ

خَوانِفُ يَظلِمنَ الظَليمَ إِذا عَدا
وَسيجَ أَبيهِ وَهوَ لِلبَرقِ شائِمُ

نَجائِبُ قَد كانَت نَعائِمَ مَرَّةً
مِنَ المَرِّ أَو أُمَّهاتُهُنَّ نَعائِمُ

إِلى سالِمِ الأَخلاقِ مِن كُلِّ عائِبٍ
وَلَيسَ لَهُ مالٌ عَلى الجودِ سالِمُ

جَديرٌ بِأَن لا يُصبِحَ المالُ عِندَهُ
جَديرًا بِأَن يَبقى وَفي الأَرضِ غارِمُ

وَلَيسَ بِبانٍ لِلعُلى خُلُقُ امرِئٍ
وَإِن جَلَّ وَهوَ لِلمالِ هادِمُ

لَهُ مِن إِيادٍ قِمَّةُ المَجدِ حَيثُما
سَمَت وَلَها مِنهُ البِنا وَالدَعائِمُ

أُناسٌ إِذا راحوا إِلى الرَوعِ لَم تَرُح
مُسالِمَةً أَسيافُهُم وَالجَماجِمُ

بَنو كُلِّ مَشبوحِ الذِراعِ إِذا القَنا
ثَنَت أَذرُعَ الأَبطال وَهيَ مَعاصِمُ

إِذا سَيفُهُ أَضحى عَلى الهامِ حاكِمًا
غَدا العَفوُ مِنهُ وَهوَ في السَيفِ حاكِمُ

أَخَذتَ بِأَعضادِ العُرَيبِ وَقَد خَوَت
عُيونٌ كَليلاتٌ وَذَلَّت جَماجِمُ

فَأَضحوا لَوِ اسطاعوا لِفَرطِ مَحَبَّةٍ
لَقَد عُلِّقَت خَوفًا عَلَيكَ التَمائِمُ

وَلَو عَلِمَ الشَيخانِ أُدٌّ وَيَعرُبٌ
لَسُرَّت إِذَن تِلكَ العِظامُ الرَمائِمُ

تَلاقى بِكَ الحَيّانِ في كُلِّ مَحفَلٍ
جَليلٍ وَعاشَت في ذَراكَ العَماعِمُ

تَدارَكهُ إِنَّ المَكرُماتِ أَصابِعٌ
وَإِنَّ حُلى الأَشعارِ فيها خَواتِمُ

إِذا أَنتَ لَم تَحفَظهُ لَم يَكُ بِدعَةً
وَلا عَجَبًا أَن ضَيَّعَتهُ الأَعاجِمُ

فَقَد هَزَّ عِطفَيهِ القَريضُ تَوَقُّعًا
لِعَدلِكَ مُذ صارَت إِلَيكَ المَظالِمُ

وَلَولا خِلالٌ سَنَّها الشِعرُ ما دَرى
بُغاةُ النَدى مِن أَينَ تُؤتى المَكارِمُ

إرسال تعليق

0 تعليقات