أصغى إلى البين مغترا فلا جرما لـ أبي تمام

أَصغى إِلى البَينِ مُغتَرًّا فَلا جَرَما
أَنَّ النَوى أَسأَرَت في قَلبِهِ لَمَما

أَصَمَّني سِرُّهُم أَيّامَ فُرقَتِهِم
هَل كُنتَ تَعرِفُ سِرًّا يورِثُ الصَمَما

نَأَوا فَظَلَّت لِوَشكِ البَينِ مُقلَتُهُ
تَندى نَجيعًا وَيَندى جِسمُهُ سَقَما

أَظَلَّهُ البَينُ حَتّى إِنَّهُ رَجُلٌ
لَو ماتَ مِن شُغلِهِ بِالبَينِ ما عَلِما

أَما وَقَد كَتَمَتهُنَّ الخُدورُ ضُحىً
فَأَبعَدَ اللَهُ دَمعًا بَعدَها اكتَتَما

لَمّا استَحَرَّ الوَداعُ المَحضُ وَانصَرَمَت
أَواخِرُ الصَبرِ إِلّا كاظِمًا وَجِما

رَأَيتَ أَحسَنَ مَرئِيٍّ وَأَقبَحَهُ
مُستَجمِعينَ لِيَ التَوديعَ العَنَما

فَكادَ شَوقِيَ يَتلو الدَمعَ مُنسَجِمًا
لَو كانَ في الأَرضِ شَوقٌ فاضَ فَانسَجَما

صُبَّ الفِراقُ عَلَينا صُبَّ مِن كَثَبٍ
عَلَيهِ اسحاقُ يَومَ الرَوعِ مُنتَقِما

سَيفُ الإِمامِ الَّذي سَمَّتهُ هِمَّتُهُ
لَمّا تَخَرَّمَ أَهلَ الكُفرِ مُختَرِما

إِنَّ الخَليفَةَ لَمّا صالَ كُنتَ لَهُ
خَليفَةَ المَوتِ فيمَن جارَ أَو ظَلَما

قَرَّت بِقُرّانَ عَينُ الدينِ وَانشَتَرَت
بِالأَشتَرَينِ عُيونُ الشِركِ فَاصطُلِما

وَيَومَ خَيزَجَ وَالأَلبابُ طائِرَةٌ
لَو لَم تَكُن ناصِرَ الإِسلامِ ما سَلِما

أَضحَكتَ مِنهُم ضِباعَ القاعِ ضاحِيَةً
بَعدَ العُبوسِ وَأَبكَيتَ العُيونَ دَما

بِكُلِّ صَعبِ الذُرا مِن مُصعَبٍ يَقِظٍ
إِن حَلَّ مُتَّئِدًا أَو سارَ مُعتَزِما

بادي المُحَيّا لِأَطرافِ الرِماحِ فَما
يُرى بِغَيرِ الدَمِ المَعبوطِ مُلتَثِما

يُضحى عَلى المَجدِ مَأمونًا إِذا اشتَجَرَت
سُمرُ القَنا وَعَلى الأَرواحِ مُتَّهَما

قَد قَلَّصَت شَفَتاهُ مِن حَفيظَتِهِ
فَخيلَ مِن شِدَّةِ التَعبيسِ مُبتَسِما

لَم يَطغَ قَومٌ وَإِن كانوا ذَوي رَحِمٍ
إِلّا رَأى السَيفَ أَدنى مِنهُمُ رَحِما

مَشَت قُلوبُ أُناسٍ في صُدورِهِمُ
لَمّا تَراءَوكَ تَمشي نَحوَهُم قُدُما

أَمطَرتَهُم عَزَماتٍ لَو رَمَيتَ بِها
يَومَ الكَريهَةِ رُكنَ الدَهر لَانهَدَما

إِذا هُمُ نَكَصوا كانَت لَهُم عُقُلًا
وَإِن هُمُ جَمَحوا كانَت لَهُم لُجُما

حَتّى انتَهَكتَ بِحَدِّ السَيفِ أَنفُسَهُم
جَزاءَ ما انتَهَكوا مِن قَبلِكَ الحُرَما

زالَت جِبالُ شَرَورى مِن كَتائِبِهِم
خَوفًا وَما زُلتَ إِقدامًا وَلا قَدَما

لَمّا مَخَضتَ الأَمانِيَّ الَّتي احتَلَبوا
عادَت هُمومًا وَكانَت قَبلَهُ هِمَما

بَدَّلتَ أَرؤُسَهُم يَومَ الكَريهَةِ مِن
قَنا الظُهورِ قَنا الخَطِّيِّ مُدَّعَما

مِن كُلِّ ذي لِمَّةٍ غَطَّت ضَفائِرُها
صَدرَ القَناةِ فَقَد كادَت تُرى عَلَما

راحَ التَنَصُّلُ مَعقودًا بِأَلسُنِهِم
لَمّا غَدا السَيفُ في أَعناقِهِم حَكَما

كانوا عَلى عَهدِ كِسرى في الزَمانِ وَلَن
يَستَشرِيَ الخَطبُ إِلّا كُلَّما قَدُما

في كُلِّ جَوشَنِ دَهرٍ مِنهُم فِئَةٌ
تُرجى رَحى فِتنَةً قَد أَشجَتِ الأُمَما

حَتّى إِذا أَينَعَت أَثمارُ مُدَّتِهِم
أَرسَلَكَ اللَهُ لِلأَعمارِ مُصطَرِما

أَطَعتَ رَبَّكَ فيهِم وَالخَليفَةَ قَد
أَرضَيتَهُ وَشَفَيتَ العُربَ وَالعَجَما

تَرَكتَهُم سِيَرًا لَو أَنَّها كُتِبَت
لَم تُبقِ في الأَرضِ قِرطاسًا وَلا قَلَما

ثُمَّ انصَرَفتَ وَلَم تَلبَث وَقَد لَبِثَت
سَماءُ عَدلِكَ فيهِم تُمطِرُ النِعَما

لَو كانَ يَقدَمُ جَيشٌ قَبلَ مَبعَثِهِم
لَكانَ جَيشُكَ قَبلَ البَعثِ قَد قَدِما

وَلَّت شَياطينُهُم عَن حَدِّ مَلحَمَةٍ
كانَت نُجومُ القَنا فيها لَهُم رُجُما

تَرَكتَهُم جَزَرًا في يَومِ مَعرَكَةٍ
أَقمَرتَ فيها وَكانَت فيهِم ظُلَما

قَد بَيَّضَت رَخَمُ الهَيجا جَماجِمَهُم
حَتّى لَقَد تَرَكَتها تُشبِهُ الرَخَما

غادَرتَ بِالجَبَلِ الأَهواءَ واحِدَةً
وَالشَملَ مُجتَمِعًا وَالشَعبَ مُلتَئِما

جَدَدتَ غَرسَ المُنى مِنهُم بِذي لَجَبٍ
أَبقى بِهِم مِن أَنابيبِ القَنا أَجَما

لَو كانَ في ساحَةِ الإِسلامِ مِن حَرَمٍ
ثانٍ إِذًا كُنتَ قَد صَيَّرتَهُ حَرَما

تَغدو مَعَ الحَربِ لِلأَرواحِ مُغتَنِمًا
فَإِن سُئِلتَ نَوالا رُحتَ مُغتَنَما

فَالمَجدُ طَوعُكَ ما تَعدوكَ هِمَّتُهُ
أَكُنتَ مُهتَضِمًا أَو كُنتَ مُهتَضَما

كَم نَفحَةٍ لَكَ لَم يُحفَظ تَذَمُّمُها
لِصامِتِ المالِ لا إِلّا وَلا ذِمَما

مَواهِبٌ لَو تَوَلّى عَدَّها هَرِمٌ
لَم يُحصِها هَرِمٌ حَتّى يُرى هَرَما

فَخرًا بَني مُصعَبٍ فَالمَكرُماتُ بِكُم
عادَت رِعانًا وَكانَت قَبلَكُم أَكَما

نَقولُ إِن قُلتُمُ لا لا مُسَلَّمَةً
لِأَمرِكُم وَنَعَم إِن قُلتُم نَعَما

ما مِنكُمُ أَحَدٌ إِلّا وَقَد فُطِمَت
عَنهُ الأَعادي بِسيما المَجدِ مُذ فُطِما

أَبو الحُسَينِ ضِياءٌ لامِعٌ وَهُدىً
ما خامَ في مَشهَدٍ يَومًا وَلا سَئِما

إِذا أَتى بَلَدًا أَجلَت خَلائِقُهُ
عَن أَهلِهِ الأَنكَدَينِ الخَوفَ وَالعَدَما

مَن يَسأَلِ اللَهَ أَن يُبقي سَراتَكُمُ
فَإِنَّما سالَهُ أَن يُبقِيَ الكَرَما

قَد قُلتُ لِلناسِ إِذ قاموا بِشُكرِكُمُ
الآنَ أَحسَنتُمُ أَن تَحرُسوا النِعَما

إرسال تعليق

0 تعليقات