برغم سنة خير العجم والعرب
أضحت مساجدها للهو واللعب
ما كان صلى عليه الله يأمرنا
بضرب دف ولا زمر ولا قصب
بل سد عن مزمر الراعي مسامعه
صونا لها ولنا عن هذه اللعب
قد ذم ربك قوما كان فعلهم
أخف من فعلكم من مشركي العرب
كانت لدى بيته قدِمًا صلاتهم
مكًا وتصدية في سالف الحقب
يعني صفيرًا وتصفيقًا ففعلكم
أشد من فعلهم قبحًا فلا تعب
فالضرب بالكف دون الدف موقعه
وما صفير فم كالصفر في القصب
ما ذم تصفيق أيديهم لأجلهم
إذ ليس مع كفرهم هذا بمحتسب
بل ذم فعلهم حتى يحذرنا
من أن نشاركهم في موجب الغضب
وأن نقارف شيئًا في مساجده
غير العبادة والقرآن والقرب
وأن يقيم عليكم في الكتاب لنا
أدلة منه تجزي كل مؤتسب
لعلمه ما تلاقيه شريعته
منكم فانكصكم عنها على العقب
فضحتمونا وصيرتم مساجدنا
وهي المصونة كالحانات للعب
شوشتم الدين غيرتم محاسنه
فعلتم فيه فعل النار في الحطب
من قال فيكم انا الله ابتنى شرفا
فيكم ومرتبة تسمو على الرتب
وان سألتم لماذا قال صاحبكم
هذا وهذا مقال المارق الذرب
قلتم زكا فنفى عن نفسه وبقي
مع ربه فهو هو في كل منقلب
وبعضكم قال إن الله قال له
سل من أقل العبيد ما تشايهب
أبصرته انا بالهندي أحرفه
مكتوبة معكم في شر مكتتب
أبصرته ورجال أخرون معي
فصفق الكل بالأيدي من اللعب
وراعهم ما رأوه من جراءته
ومن تعاطى عظيم الكفر والكذب
أتسترون على هذا مقالته
بلا حمية في الباري ولا غضب
كتمتموها باعداد الحروف لكي
يخفى على الناس ما تخفون من ريب
استغفر الله من ذكرى مقالتكم
فالحر يلفح من يدنى من اللهب
فما أسا أحد أصلا إساءتكم
إلى النبي مقالا ليس بالكذب
صيرتهم دينه هزوا ومضحكة
لكل ذي ملة من قوم كل نبي
هيهات والله ما في دينه عوج
ولا بملته نقد لمحتسب
ولا دعانا إلى شيء نعاب به
ولا إلى فعله تزرى بذي حسب
انظر أوامره انظر نواهية
انظر محاسنه في البدء والعقب
عجبت ممن يذم الاجتماع على
فعل الرغائب في شعبان أو رجب
وقال تحرم فعلا انها ابتدعت
فما لفاعلها أجر سوى النصب
وقد أباح اجتماعًا في مساجدنا
على الملاهي وضرب الدف والقصب
رضيتم فعل هذا في مساجدكم
وقلتم هو إرث عن أب فأب
فلا تطولوا علينا في مساجدنا
فإنها جعلت للصحب والكتب
وللصلاة وللتسبيح لا لعبا
يغري امرءا بالتصابي وهو غير صبي
تجانفوا عن بيوت الله وارتكبوا
ما شئتم وارقصوا واجثوا على الركب
بمن لكم قدوة لا بالنبي ولا
آل النبي ولا أصحابه النجب
قالوا رقصنا كما الأحباش قد رقصوا
بمسجد المصطفى قلنا بلا كذب
الحبش ما رقصوا لكنهم لعبوا
من آلة الحرب بالزانات واليلب
وذلك اللعب مندوب تعلمه
في الشرع للحرب تدريبا لكل غبي
لآلة الحرب فضل قد أباح لمن
بها يلاعب أخذ المال للغب
اتستدل بما قال الحبوش به
عند النبي فلم ينكر ولم يعب
على جواز الذي قد سد مسمعه
عنه وولى سريعا غير منقلب
وفعل ما ذم رب العالمين على
صنع واهون منه كل مرتكب
وقد أتى منه في تنزيه مسجده
من الأحاديث ما يغني ذوي الطلب
كقوله فيه في إنشاد ضائعة
لا ردها الله قول المنكر الحرب
وإن أقبح ما كن اعتقادكم
إن العبادة في شيء من الطرب
فالله ما ذم أهل الشرك إذ صفروا
وصفقوا عند بيت الله للعب
بل ذمهم حيث صار اللعب عندهم
مثل الصلوة وعدوه من القرب
واقرا إذا شئت ما كانت صلاتهم
تعلم زيادة قبح الفعل بالسبب
ما قال ربك صيحوا وارقصوا ابدًا
بل قال صلوا وصوموا واحذروا غضبي
وهب كما قلتم الأحباش قد رقصوا
فما بهم يقتدي في الدين ذو أدب
إذ هم عبيد وأتباع سواسية
لا يرجعون إلى عقل ولا أدب
ما الرقص يزرى بهم حتى يلومهم
نبينا فيه بل يزرى بذي الحسب
هل قام فيهم صحابي يراقصهم
من آل هاشم أو من سائر العرب
حاشا أولئك هم أزكى وأطهر من
أن يركبوا سبة من هذه السبب
وليس ذو الرقص عدلا في شهادته
إذ لا مروة للرقاص في العصب
إن المروة أصل الدين إن عدمت
عدمت دينك فاخفطه بها تصب
وقلت إن النسا بالدف قد لعبت
في يوم عيد ولم يزجرن عن لعب
بل قال خير الورى دعهن فهولنا
عيد فقلنا وما في ذا من العجب
فقد خرجن نساء يوم مقدمة
يضربن بالدف قبل الأمر بالحجب
والضرب بالدف للنسوان ليس به
قبح ولا سيما إن كان عن سبب
وللنساء قضايا يختصصن بها
دون الرجال كلبس الخز والذهب
تالله ما مذهب هذى أدلته
بين الأدلة إلا واهي السبب
لقد تشدقت في حق الرسول بما
عن مثله عرضه بالجانب الجنب
إذا أباح الغنا والدف في عرس
جعلته دينه المرقوم في الكتب
وقلت قد سمع الرسل الغناء لقد
ركبت أمرا عظيما غير مرتكب
جعلته في سكوت عند جارية
حديثة السن لم تبلغ ولم تعب
غنّى لديها بنيات أنسن بها
في يوم عيد بلا لهو ولا طرب
ممن يغني لديه بئس ما انطلقت
منك اللسان في حقه فخب
أخطأت والله ما وصَف النبي ولا
من دونه بالذي تحكى من الأدب
إذ الغناء شعار المبطلين لقد
أغريت بالشك أهل الشك والريب
كم تفرحون بأقوال يحط بها
من المساجد قدرًا أو ينال نبي
ترددون دخول الحبش مسجده
وذاك يوم بلا ثان من العقب
وربما كان هذا يوم نقضهم
للسقف واجتمعوا في الحمل للخشب
وقلتم بن عجيل كان يحضره
أجل منى وهذا غاية الأدب
فقلت يحظره معناه يمنعه
في عرف أهل الذكا والمنطق العربي
لم يعن يدخله تقواه تمنعه
عن رعي كل وخيم أو ورود وبي
أبدلتم الظاء ضادا من مقالتكم
ومن أساء استماعا ساء أن يجب
قُل يا بان هرون للمغري بمسجدكم
أهل المعارف واجبَههُ ولا تهب
سألتكم بالذي لا تكفرون به
والطائفين ببيت الله ذي الحجب
هل استدارت حوالي أحمد حلق
فيما مضى من ذوي الإسلام والصحب
وقام فيهم مغنيهم كمثلكم
للضرب بالدف والتزمير بالقصب
وهم قعود إلى أن ثار بعضهم
إلى القيام فثاروا ثورة الجلب
وبات يرقص هذا وهو مضطرب
وذا يخر صريعا غير مضطرب
وللدفوف وأصوات الغنا زجل
في وسط مسحده يا مَن من شدا أجب
فإن تقل لا فهل فزتم بما حرموا
وهل أصبتم وخير الرسل لم يصب
وهل سبقتم إلى خير بجعلكم
للناس أنفسكم كبشًا من العجب
لو كان خيرًا لكان السابقون هم
إليه دونكم فارجع على العقب
لكنهم جانبوا الملهين إذ زجروا
عن اجتناب الملاهي كل مجتنب
وقلت إن الغنا لهو أبيح لنا
فزدتنا يا أبا العباس في العجب
بيناكم أولياء الله إذ بكم
قد اعترفتم بفعل اللهو واللعب
ابقوا على هذه أو هذه ودعوا
هذا النزول إلى الحصبا من الشهب
فيا ابن هرون لا تأخذك لائمة
في الله واصدعهم بالحق واحتسب
وقل لمن يدعى أن الجنيد له
حزب تغابيت أو هذا مقال غبي
فبالجنيد وفتوى مثلة رويت
بيض الظبا من دم الحلاج والقضب
أولاك قوم على الشرع القويم مضوا
ما بينكم وأولاك القوم من نسب
غابوا عن الخلق واستغنوا بخالقهم
عما فتنتم به من عشقة الرتب
وكان زهدهم أضعاف حرصكم
على الفخار وحب الجاه والنسب
اقرا الرسالة وانظر ما زهادتهم
مما لديكم على الدنيا من الكلب
لا تذكروهم فلستم في طريقهم
هيهات أين الثريا من ثرى الترب
ما كل ماء طهور حين تسكبه
كلا ولا كل برق صادق السحب
وقلت كانوا متى يروون مشكلة
للقوم أصغى لها المصغي ولم يجب
أأنت تعنى مقالات الفصوص وما
فيها من المدح للأصنام والصلب
وقوله إنها من ربنا جزء
وإنَ عابدها في الحق لم يعب
وان فرعون في دعوى ربوبية
أتى بحق ولم يكذب ولم يرب
وقوله عاد لم تلعن وقد ظفرت
من ربنا بلذيذ الوصل والقرب
إن كان هذا الذي يعنى ويمنعنا
من أن نحذر منه الناس فارتقب
سخطا من الله إن لم تستقل وتتب
فالله يغفر ذنب العبد إن يتب
وقلتم هو محيى الدين ويحكم
لو كان محييه لم يخلط ولم يشب
ولم يدس ويلقى في الطريق لكم
أشياء لم تلقها حَمالة الحطب
وما الذي كان ألجاه إلى كلم
يجاذب الكفر منها كل مجتذب
قالوا تعجب آل الناشري على
تخلفي عن أخيهم غاية العجب
وقيل لِم لَم أَناضره غداة لقي
في القول بالحق ما لاقي من النصب
فقلت مهلا فأما أحمد ففتى
ذا غيرة كان في البارى وذا غضب
والعذر أني لم أعثر بمدته
على الفصوص وهذا الكفر والكذب
كان السماع لهم والشرع ممتنع
منهم وأهلوه لا يؤتون من غلب
فلم أجد موجبا والآن ثار له
من يطلب الثار منه أيما طلب
من قال إن الغنا والدف ما صلحا
وسط المساجد أمسى عرضة العطب
أفتى الحرازي بتحريم الغنا فنفي
عن البلاد كما ينفى أخو الجرب
ثم الفقيه ابن نور الدين أخرجه
وهو التقي وأعراه عن السبب
ولابن هرون أخبار بمسجده
تذرى الدموع بعيني كل منتحب
وصار رزق رجال العلم في يده
كالفخ يصطاد فيه من إليه جبى
فمن يلن منهم للهو جانبه
يشبع ومن يتورع مات بالسغب
وكم طيالسة أمست توافقه
على الفصوص وما في تلكم الكتب
لتافه من طعام قد توهمه
بل ربما لم ينل منه سوى التعب
فليت شعري إذا الدجال أدركهم
وأبصروا خلفه واد من الذهب
فمن يصد به عند استقامته
على الصراط ومن ينجو من الهرب
هذى الذي حركت عزمي بواعثه
فهل علي إذا ما قلت من عتب
قالوا أغاظك في أشياء همّ بها
وذا نتيجة هذا الغيظ والكأب
قلت المقاصد تخفى فانقدوا كلمي
هل ملن أو مال بي في باطل غضبي
العدل يغضب لكن ليس يخرجه
عن منج الحق غيظ أو أباه ابي
ورب غيظ معين للحيِّي على
أداء فرض أدّاه غير مكتسب
أبخس وأقبح بذي علم يزيغ به
هوى عن الحق أو يلقيه في تبب
أو ينصر الدين والجهال تهضمه
ويستحي أو يراعي حرمة الصحب
فيا ذوي العلم يقرا الكفر بينكم
وان سئلتم تقولوا القول لم يجب
ما خوفكم فوربي إن ملككم
أحنى على الدين من أم امرئ وأب
ما بال بعضكم قد مال من طمع
وبعضكم كف واستغنى من الرهب
وقمت وحدي أدعو بين أظهركم
فلم يجبني امرؤ منكم ولم يثب
إن كان ما قال حقا أيها العلما
فبينوا وأريحونا من التعب
وإن يكن قوله كفرًا وتابعه
في الكفر يمشي به في أضيق الشعب
فانهوا علومكم فيه إلى ملك
بالله معتصم لله منتدب
سكوتكم غره فيه وأوهمه
بأن في الأمر ترخيصا لمرتكب
ما خصم سنة خير الرسل غيركم
شوهتموها وأنتم درة الحلب
ما للشريعة ذلت بعد عزتها
وأصبح الرأس منها موضع الذنب
شوهاء قد ذهبت عنها محاسنها
عريانة الجسم عن أثوابها القشب
أسيرة في أعادٍ قال قائلهم
إن الدفوف لها فضل على الكتب
مهانة في أناس يرقصون بها
وسط القرى وعلى الأبواب والرحب
تذرى الدموع وتبكي كلما ذكرت
تلك الصيانة بين العلم والأدب
إن كنت عاقبتها يا رب من زلل
منا فهبه لنا من من أجلها وتب
واخلف نبيك وانجزه مواعده
في حفظ ملته من هذه الريب
يا رب لا تخزها وانفذ أوامرها
كمثل عاداتها في العجم والعرب
وإن تكن هذه الدنيا قد انصرمت
وهذه أول الآيات والنوب
وإنها فتن من بعدها فتن
والجهل في صعد والعلم في تبب
فباطن الأرض خير من ظواهرها
فما لدى أرب في العيش من أرب
0 تعليقات