هو الدهر كرَّت في المعالي كتائبه
وعضت بأنياب حداد نوائبه
فإن كان هذا الدهر ما لا صروفه
على دكها الطور المنيع جوانبه
فما جدعت إلاّ عرانين أنفه
ولا جب إلا ظهره وغواربه
لقد كورت في ذلك اليوم شمسه
وأمست تهاوى في الدياجي كواكبه
فوا أسفا للمجد طاف به الردى
وقامت على رغم المعالي نوادبه
وأمسى أبو العباس من بعد ملكه
معفرة تحت التراب ترائبه
وحيدا ببطن الأرض من فوقه الثرى
تمر به أحبابه وحبائبه
وقد ملات عرض الفيافي جنوده
وطبقت الدنيا خيولا مواكبه
فلو كان يغني في الردى دفع دافع
لردت وجوه الحطب عنه كتائبه
ولكنها الأقدار تنفذ في الورى
بأمر غله أمره لا نغالبه
فيا لهف نفسي كيف اطفىء نوره
وكيف خبا بعد الإِضاءة ثاقبه
وكيف أصابته المنايا بسهمها
ولم يغن عنه جيشه ومقانبه
فيا أيها الباكون حول ضريحه
على مثله فليسكب الدمع ساكبه
فجعتم بملك كالاب البر مشفق
بوادره مأمونة وعواقبه
فقدتم به ما تعلمون من الوفا
ومن كرم ما خاب في الناس طالبه
إذا أوعد الجاني تغشاه عفوه
وإن وعد العافي غشته مواهبه
وما عذر عين لم تفض فيه ماؤها
وما عذر صبر لم تصدع جوانبه
عليكم له حق فوفه حقه
وكيف يوفي بالمدامع واجبه
فوالله لو تبكي الدماء عيوننا
لما قاربت من حقه ما يقاربه
لقد كان منا يحسن الموت بعده
لوان امرءا قدمات إذمات صاحبه
ولولا الذي نرجو ونعلم أنه
ممهدة أعلى الجنان مراتبه
وإن له في حضرة القدس منزلا
يشاهد منه ربه ويخاطبه
لما انفكَّ دمع العين حزنا وحسرة
عليه من الباكين تجرى شعائبه
ولا يخدعن الدهر من بعده امرءا
فما الدهر إلا ضيغم أنت راكبه
يصافي الفتى حتى يرى فيه فرصة
فينشب فيه نابه ومخالبة
أبا أحمد أسلمت أمة أحمد
إلى أحمد فاستسلم الحق صاحبه
وقام بأمر الله من بعد ما عفت
معالمه فينا وغارت كواكبه
وشمر عن سائق امرىء همه العلا
يجاذب من أطرافها وتجاذبه
وأمّن من خوف وقرب من نوى
وساس البرايا وهو ماطر شاربه
ودانت له الدنيا وأذعن أهلها
وراضت صعاب الحادثات تجاربه
كريما أصان المال بذلا ومن يهن
لسائله أمواله عم جانبه
أنارت به الافاق والشمس أشرقت
بطلعته والليل تجلى غياهبه
فيا ناصر الإِسلام صبرا فانه
متى طاب طعم الصبر سرت عواقبه
لقد كنت نعم الجبر للكسر بعده
فيالك صدعًا لم يلقه شاعبه
سقى قبره الفياض بالجود والندى
سحاب ملث ليس يقلع راتبه
0 تعليقات