أَبدَلتَ يا عيد عَيني حام من سام
فَفاضَ جَفني بِما أَفضى إِلى يامِ
قَد كُنت هَيمان مَهمومًا بِلا جَلدِ
فَزِدتُ ضِعفَينِ في هَمّي وَتهيامي
عَهدتُ لَيلَتَكَ البَيضاءَ نيّرَةً
فَما لَها كَحَّلت عَيني بِإِظلامِ
حَتّى تَناسَيتُ ما عوَّدتُ مِن فَرَحٍ
وَقُبحُ يَومٍ يُنَسّي حُسنَ أَيّامِ
وَلَو تَراني صَباحَ اليَومَ إِذ بَرَزوا
ثَكلان أَبكي وَتَبكي حَولي الآمِ
فَما لَبِستُ سِوى الأَحزان سابِغَةً
وَلا نَحَرتُ سِوى إِنساني الدامي
وَلا بَرَزتُ لِزُوّاري مَخافَة أَن
أساءَ مِنهُم بِطَلقِ الوَجهِ بَسّامِ
وَرافِلٍ في جَديدٍ كانَ يَرفلُ في
مِثالِهِ ابني غُداةَ العيدِ مُذ عامِ
حُبيب النَفسِ لَو أعطيتُ سُؤلَتها
أَصابَ نَحري وَأَخطا نَحرَكَ الرامي
كَأَنَّني لَم أُكَلِّم مِنكَ نابِغَةً
وَلا رَأَيتُكَ مِلءَ العَينَ قُدّامي
وَلا سَمِعتُكَ تَتلو الذِكرَ في سحرٍ
بِصَوتِ داوودِ في إِفصاحِ هَمّامِ
مَخايِلٌ فيكَ راقَتني مَحاسِنُها
سرَّت بِبَدءٍ وَلَم تسرر بِإِتمامِ
الحَمدُ لِلَّهِ عَدلٌ عَنكَ ما نَفَذَت
بِهِ المَقاديرُ مِن نَقضٍ وَإِبرامِ
أَنا أُجيبُ من استَفَتى بِنادِرَةٍ
وَخاطِري بَينَ إِنجادٍ وَإِتهامِ
مُفَكِّرًا في مَعانٍ كُنتُ أَسمَعُها
مِن فيكَ قَد حَيَّرَت لُبّي وَأَفهامي
لا أَنقُشُ اسمَكَ في الخيتامِ مِن شَغَفٍ
قَلبي أَحقُّ بِهِ مِن فصِّ خَيتامِ
كَأَنَّنا لا أَصاب البَينُ إِلفَتها
فأفرَدَت أَلفٌ لِلشَّوقِ مِن لامِ
كانَ اشتِفائيَ في دَمعي وَفي نَفسي
حَتّى افتَضَحتُ بِذا الجاري وَذا الطامي
لَيتَ المَدامِعَ تَجري وَالزَفير يرى
في خلوَتي قَطّ أَوفى كُلَّ حمامِ
كَم رَدَّ قَبرُكَ أَلحاني بِمَوعِظَةٍ
وَهاجَني طَيفُكَ الساري بِإِلمامِ
لَو ساءَني فيكَ غَيرُ اللَهِ رحتَ وَقَد
قَرَعتُ سِنّي أَو أَدمَيتُ إِبهامي
ثُمَّ اثَّأَرتُ وَحَولي جَحفَلٌ لَجبٌ
غَزا وَبَحرُ المَنايا حَولَهُ طامِ
بفَيصلٍ مِن سُيوفِ اللَهِ مُنصَلِتٍ
ماضي الغِرارِ وَإِن لَم يَمضِ في الهامِ
لكن مَضَت فَأَمَضَّت فيكَ ذا ثَكَلٍ
مَقادِرٌ كلَّ عَنها كُلُّ صَمصامِ
إذا تَأَمَّلتُ صَرعى المَوتِ لَم أرَني
مُفرِّقًا بَينَ ضبعانٍ وَضرغامِ
فانظُر غَدًا هَل عَلا البَرجيس مانِعُهُ
مِنَ الحَوادِثِ أَو عَلياءُ بَهرامِ
سيَهوِيانِ وَيُطفي اللَهُ نورَهُما
وَإِن تَراخى بَقاءُ النَيِّرِ السامي
ما أصدَقَ الناس لَو قالوا إِذا سُئِلوا
عَن كُلِّ عيشٍ مَضى أَضغاثُ أَحلامِ
المرءُ حَرفٌ وَمَحياهُ تَحَرُّكُهُ
وَعُمرُهُ مِثلُ رومٍ أَو كَإِشمامِ
عَبدُ الغَنِيّ أَبي وَابني فَقَدتُهُما
فَضامَني الدَهرُ حَتّى ارتَعت بِالظامِ
كانا هُما حَرَميَّ الآمِنَينِ فَيا
وَيلاهُ أَبدَلتُ إِحلالي بإِحرامي
فَلَيسَ لي ها هُنا حِجرٌ وَلا حجر
وَلا حَميمٌ يُواليني وَلا حامِ
فَكانَ ذا عِوضًا مِن ذاكَ فيهِ بَقي
وَفيكَ مَفخَرُ أَخوالي وَأَعمامي
نَمى فَأَشبَهَني مَجدًا وَأشبههُ
فَنابَ عَن أَبَويهِ المُشبِهُ النامي
لَم يجبر العَظمَ حَتّى هاضَ وا أسفًا
ما ابتَزَّ لي حَسَناتي غَيرُ إِجرامي
حَكَمتُ في ابني بِإِدراك المُنى فَأَبَت
أَحكامُ رَبّي إِلّا فَسخ أَحكامي
ضَلَّت عُقولُ بَني الدُنيا لَقَد عَلِقوا
فيها بِحَبلٍ مِنَ الآمالِ أَرمامِ
تَبكي عَلَيها وَمِنها وَهيَ ضاحِكَةٌ
فَتَرتَضي وَهيَ عَينُ السخطِ وَالذامِ
أُفٍّ لَها إِنَّها أُمٌّ مُبَرَّتُها
في مَنعِ مَرحَمَةٍ أَو قَطعِ أَرحامِ
إِنَّ الحَياة مَتاعٌ وَالألى خَسِروا
أَغرَتهُمُ فَاشتَروا جَهلًا بِأَحلامِ
فازَ المُخِفّونَ بِالحُسنى وَقَيّدَني
وَراءَهُم ثِقلُ أَوزارٍ وَآثامِ
ما لي بَكيتُ عَلى ابني وَالذُنوبُ غَدا
تهينُني وَهوَ في عِزٍّ وَإِكرامِ
هَلّا بَكيتُ عَلى نَفسي وَما جَرَمت
مِنَ الجَرائِمِ وَاستَبكَيتُ لوّامي
لا أَمنَ إِلّا بِإيمانٍ غَداةَ غَدٍ
وَلا سَلامَةَ لي إِلّا بِإِسلامي
هذا إِذا أَنعَمَ المَولى فَأَسعَدَني
في القَنيَتَينِ بِتَثبيتٍ وَإِلهامِ
لِكَي أَفوزُ مَع ابني حَيثُ بَوَّأَهُ
بِرَحمَةٍ مِنهُ أَرجوها وَإِنعامِ
وَعدًا عَلى المُصطَفى لا بُدَّ مِنهُ وَلَو
أَقسَمتُ فيهِ أَبَرَّ اللَه إِقسامي
قالوا غَض الدَمعُ هَل رَدَّ البُكا وَلَدا
لثاكلٍ أَو أَبًا برّ لِأَيتامِ
فُقُلتُ أَنهاهُ وَالأَحزانُ تَأمُرُهُ
فَكَيفَ يرقَأُ دَمعُ الهائِمِ الهامي
حَسِبتُ عَينيّ تَشفي بِالبُكا حرقي
وَإِنَّما وُكِّلَت فيها بِإِضرامِ
يا دُرَّةً مِن نَفيس الدُرِّ غالِيَةً
وسامَة مَحضَة مِن طَيِّبِ السامِ
حامَت لِداتُكَ حَومَ الطَيرِ ظامِئَةً
حَولي وَكُنتُ أَراهُم غَير حُوّامِ
تَفَقَّدوكَ فَقالوا أَينَ فَرقَدُنا
وَأَينَ أَفهَمُنا مِن غَيرِ إِفهامِ
فَقُم لِتحدقَ إنَّ الصِبيَةَ انتَظَروا
وَعدًا عَلَيكَ بِإِطلاقٍ وَإِطعامِ
أَينَ ابتِكاركَ لِلكُتّابِ مُجتَهِدًا
وَالناسُ ما بَينَ أَيقاظٍ وَنُوّامِ
وَأَينَ تَجريرُكَ الثَوب المَصون إِذا
راحوا لِتَجريرِ أَثوابٍ وَأَكمامِ
وَأَينَ آياتُكَ اللّاتي ملَأنَ دَمًا
عَيني وَآلَمنَ قَلبي أَيّ إيلامِ
وَأَينَ قَولُكَ لِلمَفجوعَةِ احتَفِظي
حَتّى أفيقَ بِألواحي وَأَقلامي
تَاللَهِ أَنسى محيّاكَ الجنيَّ وَلا
فاكَ الفَصيحَ إِذا فاهوا بِإِعجامِ
وَلا قراءَتكَ السوراتِ بَينَهُمُ
مُرَتَّلاتٍ بِإِظهارٍ وَإِدغامِ
يا رُبَّ مَعنىً قَد استَنبَطتهُ فَهمًا
فَقيلَ يَحفَظُ تَفسيرُ ابن سَلامِ
كَم مِن فُؤادٍ وَمِن جِسمٍ تَرَكتَهُما
قِسمَينِ ما بَينَ أَشواقٍ وَأَسقامِ
هَل نَحنُ فيكَ جسومٌ دونَ أَفئِدَةٍ
أَم نَحنُ أَفئِدَةٌ مِن دونِ أَجسامِ
سَبَقتَ والِدَكَ الواني وَضُمَّرُهُ
مُهَيَّئاتٌ لِإِسراجٍ وَإِلجامِ
كُنّا نُفَدّيكَ لَو أَنّا نَرى علمًا
يُفدى مِنَ القَدرِ الجاري بِأَعلامِ
هَيهات لا يُدَّرى عَن كُلِّ قَسوَرَة
ريبُ المَنونِ وَلا عَن كُلِّ قمقامِ
وَالناسُ سَعيُهُمُ شَتّى وَأَمرُهُمُ
مِن أَمرِ مُقتَدِرٍ بِالغَيبِ عَلّامُ
هذا صَريعٌ وَذا حَيٌّ إِلى أَجَلٍ
وَذا فَقيرٌ وَذا مُثرٍ بِأَقسامِ
وَخَيرُ ما يَكسَبُ الإِنسانُ عِندَ غِنىً
شُكرٌ عَلَيهِ وَصَبرٌ عِندَ إِعدامِ
صَبَرتُ لِلدَّهرِ إلّا عِندَ فَقدِ أَبٍ
وَابنٍ فِداؤُهُما نَفسي وَأَقوامي
مَن لي بِنُصرَةِ ماضي الحَدِّ بَعدَهُما
مَن لي بِدَعوَةِ صَوّامٍ وَقَوّامِ
عَلَيهِما صَلَواتُ اللَّهِ دائِبَة
وَأَدمُعي وَالغَوادي ذاتُ إثجامِ
0 تعليقات