إن بان من تهوى وأنت مثبط لـ جمال الدين الصرصري

إن بان من تهوى وأنت مثبط
وصبرت لا تبكي فأنت مفرّط

فاحلل عقود الدمع في دار الهوى
فلها البكاء عليك حقًا يُشرط

طلّ الدموع على ثرى الأطلال في
شرع الغرام فريضةٌ لا تسقط

دار عكفت بها وفودك فاحمٌ
افتنتني عنها ورأسك اشمط

وإذا تمكنت الصبابة من فتىً
لم يلو عطفيه مزارٌ يشحط

كيف التسلي عن هوى قمر له
في القلب مني منزل متوسط

أرضي بما يختاره طوعًا
ولو أضحى بما أرضى به يتسخّط

لم أنسه يوم التقينا بأسما
والصدر بالأشجان مني ينحط

ففهمت من ذُلي لديه وعزّه
أن الجمال على القلوب مسلّط

والحسن جند لا يفكّ أسيره
وقتيله بدم الجوى متشحط

ومبكّر جدّت به عزماته
نحو العلى فاغذ لا يتثبط

ورفيقه الأدنى الموازر صعدةٌ
يرمه أو صارم يتأبط

يطوى به شعب السباسب جلعد
أجُدُ القرى عبل السنام عملّط

مرح يمور ويرتمى في سيره
مور السحاب مرعد متخمّط

يطفو به آل الضحى فكأنه
فلك على متن الخضمّ مجلفط

وإذ بدا عند الصباح لعينه
قصرٌ بذات النخل أبيض أعيط

ورأى القباب البيض دام سناؤها
وانحلّ عنه سيره المخروط

أرسى بطيبة للإقامة كلكلًا
فلنعم مرساه ونعم المربط

حلّت مطيته بأشرف منزل
منه المكارم والتقى يستنبط

فضل البقاع وشادها بمحمد
فضلًا كبيرًا ساميًا لا يضبط

هو أفضل الرسل الكرام وأنه
لخطيبهم وهو الإمام المقسط

هو خير مأمول وأكرم شافع
يوم القيامة جاره لا يهمط

نصبت عيون الشرك والطغيا به
وغدا به بحر الهدى يتغطمط

وافى وشيطان الغواية فاتح
باب الضلال لحزبه متخبط

يلقي زخارفه على أشياعه
ويلفق القول الهراء ويلغط

فكأنه ولفيفه في غيّهم
عشواء في غسق الدجنة تخبط

فمحا بنور الرشد ظلمة مكره ال
واهي فأدبر خاسيئًا يتلبط

وعلا بقهر النصر شامخ كيده
فهوى وذلّ فرينه المتحمط

كم قدّ بالبتار من قدوكم
شحطت بسهم نحو طاغ شوحط

فسما به الإيمان بعد خموله
حتى تسم ذروة لا تهبط

وحباه مرسله بأزكى أمة
اختارها النمط الأغر الأوسط

ما فيهم الأولى عارف
أو زاهد أو عالم مستنبط

وغدًا يكون بحوضه فرطًا لهم
وشفيع عاص يعتدي ويفرط

وهم الشهود على عيوب سواهم
يوم المعاد وعرضهم لا يهبط

وهم غدًا ثلثا صفوف الجنة ال
فيحاء في سند صحيح يُضبط

أزكى الورى نسبًا وأكرم عنصرًا
وأمد كفًا بالنوال وأبسط

وأنمّ حلمًا لا يجازي من أتى
بالسوء عدل منصف لا يفرط

ولقد تعمّق في أذاه وكاده
بالسحر خبٌ من يهود عشنط

فأعيذ من كيد النوافث فأنثني
فكأنما هو من عقال ينشط

هذا ولم يعبس له وجهًا ولم
يُسمع له يومًا كلام يسخط

وأبثّ بعض المعجرات فنظمها
درٌّ ثمين بالمسامع يلقط

شرح الملائك صدره في أربع
يا حبذا ما ضم منه المخيط

وكذلك في عشر وفي معراجه
نقل الثلاثة حافظ لا يغلط

وانشق إكرامًا له قمر الدجى
وجموع مكة بالبطاح تعطعط

بقعيقعان النصف منه ونصفه
بأبي قبيس لا محالة يسقط

ولقد شكا يوم الحديبية الصدى
جيش فتاه صريخهم لا يوهط

فسقاهم حتى رووا وتطهّروا
بالماء من بين الأصابع ينبط

وأتاه وفد فزارةٍ وبلادهم
بالجدب أضحت تقشعر وتقحط

فنفى قنوطهم بدعوته ومن
كان الرسول سفيره لا يقنط

ودعا فسحت ديمة حتى دعا
بالصحو فانجابت كثوب تكشط

وله الشفاعة في المعاد وحوضه ال
عذب الروا وله اللواء الأحوط

وله المقام الأكبر المحمود والز
لفى به يوم القيامة تغبط

هذا لعمر آلهك الفضل الذي لا
ريب فيه والثناء الأقسط

يا صفوة الرحمن من كل الورى
يا من به في الخطب جاشى يُربط

إني إلى رب العلى متوجه
بك عند كل ملمة تتمغط

بك أستجير ومن يلوذ من الورى
بعظيم جاهك قدره لا يُغمط

فسأل لأمتك الضعيفة نصرة
ورخاء عيش ثم أمنًا يبسط

إرسال تعليق

0 تعليقات