ردوا بني قينقاع الأمر إذ نزلا (غزوة بني قينقاع) لـ أحمد محرم

رُدُّوا بَني قَيْنُقاعَ الأمرَ إذ نزلا
هيهاتَ هيهاتَ أمسى خَطبُكم جَللا

نقضتُمُ العهدَ معقودًا على دَخَلٍ
لعاقدٍ ما نَوى غشًا ولا دخلا

مازال شيطانُكم بالغيظِ يَقدحه
بين الجوانِح حتّى شبَّ واشتعلا

هاجت وقائعُ بدرٍ من حَفيظتِكم
ونَبّهتْ منكمُ الداءَ الذي غفلا

أتنكرون على الإسلامِ بهجتَهُ
والله أطلعه من نوره مثلا؟

دِينُ الهدى يا بني التوراةِ يَشرعُه
للناسِ مَن شرَع الأديانَ والمِلَلا

لا تدّعوا أنكم منها بِمُعتصَمٍ
واقٍ ولا تطمعوا أن تُتركوا هَمَلا

جاء النبيّين بالفرقانِ وراثُهم
سُبحان من نقل الميراثَ فانتقلا

رأى النفوسَ بلا هادٍ فأرسله
يَهدِي الشعوبَ ويشفي مِنهمُ العِلَلا

هلا سألتم أخاكم حين يَبعثُها
هوجاءَ يعصفُ فيها الشرُّ ما فعلا؟

إنّ التي رامها في عزّها سَفهًا
لَتُؤثِرُ الموتَ ممّا سامها بدلا

لا يَبلغُ العِرضَ منها حين تمنعُه
من خيفةِ العارِ حتى تبلغَ الأجلا

وقد يكونُ لها من ربّها رَصَدٌ
إذا رماهُ بِعَيْنَيْ غَاضبٍ جَفلا

ما زال بالدّمِ حتّى ظلّ سافحهُ
يجري على دمه مُسترسِلًا عَجِلا

ما غرّكم بقضاءِ اللهِ يُرسله
على يَدَيْ بطلٍ أعظم به بطلا؟

لقد دعاكم إلى الحسنى فمال بكم
من طائفِ الجهلِ داعٍ يُورثُ الخَبَلا

قلتم رُويدًا فإنّا لا يُصابُ لنا
كُفؤٌ إذا ما التقى الجمعانِ فاقتتلا

لسنا كقومك إذ يلقون مَهلكَهم
على يديك وإذ يُعطونكَ النَّفلا

يا ويلكم حين ترتجّ الحصونُ بكم
ترجو الأمانَ وتُبدي الخوفَ والوَجلا

كم موئلٍ شامخِ العرنين يُعجبكم
يَودُّ يومئذٍ لو أنّه وَأَلا

أمسى عُبادةُ منكم نافضًا يدَهُ
فانبتَّ من عهدِهِ ما كان مُتّصلا

نِعمَ الحليفُ غدرتم فانطوى حَنقًا
يرجو الإله ويأبَى الزيغَ والزللا

ما كان كابن أُبيٍّ في جَهالته
إذ راح شيطانُهُ يُرخِي له الطولا

مَضَى على الحلف يرعَى معشرًا غُدُرًا
أهوِنْ بكم معشرًا لو أنّه عقلا

لا تذكروا الدمَ إنّ السيفَ مُنصلِتٌ
في كفِّ أبيضَ يُدمِي البِيضَ والأسلا

وجانِبوا الحربَ إن الله خاذلُكم
ولن تروا ناصرًا يُرجَى لمن خَذلا

مشى الرسولُ وجندُ اللهِ يتبعُه
من كلّ مِقدامةٍ يغشى الوغَى جَذِلا

يهفو إلى الموتِ مُشتاقًا ويطلبُه
بين الخميسَيْنِ لا نِكْسًا ولا وَكَلا

لو غَيّبتْهُ المواضِي في سرائرِها
ألقى بمهجته يرتادُ مُدَّخلا

يُخال في غَمراتِ الرَوْعِ من مَرَحٍ
لولا الرحيقُ المصفَّى شاربًا ثَمِلا

أهاب حمزةُ بالأبطالِ فانطلقوا
وانسابَ مُنطلقًا يَهديهمُ السُّبلا

عَجِبتُ للقومِ طاروا عن مواقعهم
ما ذاقَ هاربهُم سيفًا ولا رَجُلا

مَضَوْا سِراعًا إلى الآطامِ واجفةً
يُخالُ أمنعُها من ضعفِه طَللا

طال الحصارُ وظلّ الحتفُ يرقبُهُم
حَرّانَ يشجيه ألا ينقعَ الغُللا

أفنوْا من الزادِ والماعونِ ما ادّخروا
واحتال أشياخُهم فاستنفدوا الحيلا

مِن كل ذي سَغَبٍ لو قال واجدُه
كُلْنِي ليعلمَ ما في نفسهِ أُكلا

لا يملكون لأهليهم وأنفسهم
إلا العذاب وإلا الظنَّ والأملا

ظلّت وساوسُهم حيرى تجولُ بهم
في مجهلٍ يتردَّى فيه من جَهِلا

حتّى إذا بلغ المكروهُ غايتَه
وهال كلَّ غويِّ الرأي ما حملا

تضرّعوا يسألون العفوَ مُقتدرًِا
يجودُ بالعفو إن ذو قُدرةٍ بخلا

أعطى النفوسَ حياةً من سماحته
فكان أكرم من أعطى ومن بذلا

لو شاء طاح بهم قتلًا فما ملكوا
من بعد مَهلكهم قولًا ولا عملا

ما الظنُّ بابن أُبيٍّ حين يسأله
من الأناةِ وفضلِ الحِلمِ ما سألا؟

أما رأوه جريحًا لو يُصادِفُه
حِمامُه لم يجد من دونه حِوَلا؟

زالوا عن الدورِ والأموالِ وانكشفوا
عن السلاح وراحوا خُضّعًا ذُلُلا

هو الجلاءُ لقومٍ لا حُلومَ لهم
ساؤوا مُقامًا وساؤوا بعدُ مُرتَحلا

ساروا إلى أذرعاتٍ ينزلون بها
نُكْدًا مشائيمَ لا طابت لهم نُزُلا

بادوا بها وتساقَوْا في مصارعِهم
سُوءَ العذابِ ومكروهَ الأذى نَهَلا

يَلومُ بعضٌ على ما كان من سَفَهٍ
بعضًا فمن يَقترِبْ يسمعْ لهم جَدلا

أهلُ المعاقلِ هدّتهم مُدمّرةٌ
تَمضِي فلا معقلًا تُبقي ولا جبلا

رمى بها من رسولِ الله مُتّئِدٌ
لا يأخذُ الناسَ حتى ينبذوا الرسلا

هل دولةُ الحقّ إلا قُوةٌ غَلبْت
فافتحْ بها الأرضَ أو فامسَحْ بها الدُّولا

إرسال تعليق

0 تعليقات