مضناك حين أمض البين مضناك لـ خليل مردم بك

مضناكِ حين أمضَّ البينُ مضناكِ
بدمعِهِ وَشعاع النفسِ حيّاكِ

صانَ التحيةَ حتى ما يبوح بها
إلى نسيمِ الصبا ضنًّا بنجواك

بعثتِ أشجانَه لمّا بعثتِ له
بالطيف يغريه تضليلًا بلقياك

واهًا له لم يذرْ منه سوى شبحٍ
قد خَلَّفَ الروحَ مختارًا بمغناك

يدنو بكفيه من قلبٍ وَمن كبدٍ
أصمتهما بسهام الحب عيناك

إذا تناوَحتِ الأرواحُ ناح لها
بزفرةٍ ترجمتْ عن لوعةِ الشاكي

بكى الغمامُ لمبكاه فيه وَلن
يزال يعبدُ بعد اللهِ إياك

هذا هو البدرُ في شتى مطالعه
أَفي التمامِ أَم الإهلال حاكاك

كأَنه صورةٌ ما زال راسمها
يمحو وَيثبت كي تحكي محياك

والشمسُ في روعةِ الإِشراق ما طمعتْ
بروعةِ خصّها الباري بسيماك

عزَّ اللقاءُ فهاجتْ بي نوازعُه
فقمتُ من مرتقى (صِنِّين) أرعاك

كالنسْرِ حليءَ عن أَفحوصِ هيثمه
فصفَّ في الجوّ يرعى فرخه الماكي

كم نظرةٍ من ذرى (صنين) قد ومضتْ
عيني بها علَّها تحظى بمرآك

كالبرقِ مؤتلفًا في الليلِ إذ خرقتْ
جون السحائب تسري نحو مآواك

والشمسُ في الغرب دينارٌ يشعّ سنا
رمتْ به يتلظّى كفُّ سكّاك

حاكتْ عَلَى البحر لما أَزمعتْ غسلًا
غلالةً أَين منها كل حيّاك

لمّا هوتْ نحوه شبّتْ به شعلٌ
ما بين مسبحِ أَسماكٍ وَأفلاك

كأنَّما هو مرآةٌ دنوت لها
بجذوَةٍ فأشعّتْ نورها الذاكي

وَزهرةٍ تخجلُ الياقوتَ حمرتُها
حييتُها بفمي إِذْ أشبهتْ فاك

قبَّلتُها فتلظّى لونُها خفرًا
وَزدتُ فابتسمتْ عن ثغرِ ضحّاك

شاعتْ بنفسيَ منها نشوةٌ عجبٌ
لمّا شممتُ لها ريًا كريّاك

كأنَّها وَدموعي فوقها بددٌ
خدَّاكِ إِذْ بدموعي ابتلَّ خداكِ

وَربَّ عصفورةٍ في (الأرْزِ) ناعمةٍ
هاجتْ بترجيعها في القلبِ ذكراك

تكاد تختطف الأبصارَ زينتُها
لها تبرّجُ عرسٍ يوم إِملاك

حكتْ بمختلفِ الألوانِ بردتُها
شعاعَ شمسٍ بروضٍ مونقٍ زاكي

بدتْ وَفي جيدها طوقٌ به اتسقت
فرائدُ الدرِّ لم تنظمْ بأسلاك

مالتْ بمنقارِها القاني عَلَى عنقٍ
فخلتُ أَسوارَ ياقوتٍ بيمناك

قد استدارتْ عَلَى فرع براثنُها
كخاتمٍ من عقيقٍ زان صغراك

كأنما دمعُها إذْ جفَّ آض دمًا
بعينها فأجالتْ عينَ فتّاك

عصفورةَ (الأرزِ) لي والله يكلؤها
عصفورةٌ في ظلال (الحور) شرواك

لله ما هجتِ من أشجانِ مغتربٍ
لمّا هتفتِ به بالدمع لبّاك

إذا بكيتُ فناءٍ شاقه سكنٌ
فما الذي في غصونِ الأرز أبكاك

إلى كم النوح والترجيع فاستمعي
لبلبلٍ من رياضِ الشام غنّاك

في (الغوطتين) تلقّى لجنَه فلقدْ
واتاه ما لم يكنْ في النوح واتاك

فهل تجيدين تحنانَ الغريبِ إذا
بالنوحِ والبثِّ والشكوى تحدَّاك

خذي التفجعَ وأروي البثِّ عنه فما
غير الشجي من الألحانِ روّاك

ما نفرّته عن الروض الأريض سوى
حبائلٍ نصبتْ فيه وأشراك

وَربّما أزعجته عنك أَغربةٌ
إِنْ أدركتْ وَكنَه يومًا تحاماك

واسيتِهِ وجواري السعدِ مدبرة
فربما أقبلتْ يومًا فواساك

لولاك أسلمتُ نفسي وحشةً وَأسى
دعي بكورَك عن عشي وَمغداك

إذا سغبت رمى قلبي بحبته
وإن ظمئت فعين الدمع أرواك

إليك أُغرودةً أوحى الحنينُ بها
وَهاكِ ما فاضَ من نفسي أسىً هاك

وَبيْعةٍ أخبتتْ نفسي بهيكلها
كأنما أنا جاثٍ في مصلاّك

حفّتْ به كلُّ عذراءٍ فكدت أرى
حظيرةَ القدس قد حُفَّت بأملاك

مدَّ الصليبُ ذراعيه كوالدةٍ
همَّتْ بضم ابنِها مِنْ نطْع سفّاك

خشعتُ إِذْ قَرَعَ الناقوسُ في سحرٍ
من ليلةٍ ذات أسدافٍ وَأحلاك

يرنّ أرنانَ أوّاهٍ تملَّكه
حالٌ يباعدُ عن حسٍّ وَإدراك

له تواجدُ صوفيٍّ إذا ذكرت
(ليلى) بحلقةِ زُهّاد وَنُسّاك

حنتْ عليه حنوَّ الصدر قبّته
إذْ كان كالقلب خفْقًا حين يلقاك

نيطتْ به كوتينِ القلبِ سلسلةٌ
إذا الوتين تنزّى يوم بشراك

له هناة عَلى فكيّه دائرةٌ
لَما تدير سواكًا كفُّ مستاك

حكى المؤذنَ في تكبيرِ بارئه
وَإنْ تلجلج في تكبيره الحاكي

توافقا في انتحاء القصد واختلفا
في النهْجِ ما بين توحيد وَإشراك

ليت اللياليَ أعطتني هوادَتها
كأنما هي مغراةٌ بإهلاكي

كم شدةٍ أذهلتني عند سوْرتِها
عَنْ كلِّ ما علقته النفس الاّك

لولاك ما ارتعتُ في سربي وَعاقلتي
وَلست أمتن إمّا قلت لولاك

لا بلَّغتني وَفي ذكراك كل ضنىً
مطية العمر يومًا فيه أنساك

الله حسبي لقد أشبهت (حيدرة)
يُمنى بكل اضطهاد من تولاك

فلا تردّي له جهد المقلِّ إذا
بالروح والمال والأهلين فدّاك

إرسال تعليق

0 تعليقات