أَيَسُرُّها أنّي أموتُ بدائي
من بعد ما علمتْ مكانَ دوائي
جاءوا بخذّاقِ الأُساةِ وَما دروْا
أنْ ليس في طوقِ الأُساة شفائي
يا مَنْ يجسُّ النابضين ضلالةً
انظرْ إذا ما اسطعتْ في أحشائي
تجد الضلوعَ وقد تداعى صفُّها
مثل الطلولِ بدتْ لعين الرائي
وَكأنَّ نارَ الحبِّ في أرجائها
نارُ الخليلِ تلفعتْ بأياءِ
ما كنتُ أعلم أنَّ من ذاق الهوى
مَيْتٌ يعدُّ بزمرةِ الأَحياءِ
الله في نفسٍ عليكِ تقسَّمتْ
ما بين يأْسٍ مقنطٍ وَرجاءِ
وَقفتْ بمضطربِ الشكوك وَلم تزلْ
من أمرِ نفسِك بعد في عمياءِ
أَرسلتُ عينيَ رائدًا فأعدتها
برسالةِ التسهاد والأنواءِ
لم أدر إذ ملئت بحسنِك أَنها
ملئتْ من العبراتِ والأقذاءِ
عجبًا لقلبك لا يرقُّ لحالتي
فكأنه من صخرةٍ صماءِ
ولقد صبرتُ وما صبرتُ لسلوةٍ
بل صبر صادٍ عن قراحِ الماءِ
ما كان لي ذنبٌ عليك علمته
فلأَي شيءٍ قد أسأْتِ جزائي
إن كان ذنبي أنني بك مغرمٌ
فعلامَ حسنك فتنةٌ للرائي
هل تذكرين بسفح (دمَّر) ساعةً
فيها افترشتِ يدي وفضل ردائي
إذْ كانَ من شَجَنِ الحديث وشجوه
تحنو غصون البانةِ الهيفاءِ
نجوى كما شاءَ الهيامُ أَذعتها
لما أَمنتُ مسامعَ الرقباءِ
وتعتُّبٍ ما قال (جحظة) مثله
وتفجعِ كتفجّعِ (الخنساءِ)
وشكايةٍ بعثتْ حنانَكِ بعدما
تركتْ خريرَ الماءِ صوتَ بكاءِ
رقمتْ دموعي فوق خدكِ أَسطرًا
خُتِمَتْ بخاتمِ قبلة (خرساءِ)
وَبرشفِ ثغرِك وَهو خيرُ علالة
كمْ قد أسغت حرافةَ الصهباءِ
فكأننا إذْ ذاك زوجٌ من قطا
يتطاعمانِ بروضةٍ غناءِ
قد كان في طوقي بلوغ مآربي
لولا زواجرُ عفَّة وَحياءِ
وَحمامةٍ تدعو أَليفًا دونه
شطنُ النوى وَفسيحةُ الأرجاءِ
أودى به المقدارُ فهي لفقدِه
نوَّاحةُ الإِصباحِ والإِمساءِ
فكأنها ثكلى أُصيبَ وَحيدُها
برزتْ تنوح بحلَّةٍ سوداءِ
وَكأنَّ مدمعَها استحال إلى دمٍ
فأراك ذات نواظرٍ حمراءِ
ألقتْ عَلى أَسماعِنا مرثيةً
أشجى وأَطرب من رثاءِ (الطائي)
حتى إذا انحدرتْ ذكاءُ لغربها
وَبدتْ طلائعُ موكبِ الظلماءِ
طارتْ بقلبي حيث لا أَدري فمنْ
لي أنْ يردَّ عليَّ ذاك النائي
0 تعليقات