تلاقوا بعد ما افترقوا طويلا لـ خليل مردم بك

تَلاقوْا بعد ما افترقوا طويلًا
فما ملكوا المدامعَ أن تَسيلا

بقيةُ فتيةٍ لم تُبْقِ منهمْ
صروفُ زمانِهم إلاّ قليلا

فيالك موقفًا أورى وَأروى
وَشبَّ لواعجًا وَشفى غليلا

بكيتُ لمن نجا فرحًا وَحزنًا
عَلَى من قد هوى حرًّا نبيلا

وَلقياك الخليلَ وَإنْ أخفَتْ
وسرّتْ عنك تذكرك الجليلا

تراءَتْ دمشقُ فقمت أرنو
فردّ رواؤها بصري كليلا

وَشاعتْ نشوةٌ بي من شذاها
كأني شاربٌ صرْفًا شمولا

وَواتاني القريضُ وَكان حينًا
إذا استلهمتُه كزًا بخيلا

كأني حينما استوحيتُ شعري
عزمتُ عَلَى دموعيَ أن تقولا

ذهلتُ وقد تجلّى الشعرُ ربًّا
فلا تنكرْ عَلَى حالي الذهولا

أُوَقِّعُهُ عَلَى خَفَقَانِ قلبي
وَأُرسله هتافًا أو هديلا

لحنتُ لكم به لحنًا خفيفا
لأمرٍ ما وَأَرجأْتُ الثقيلا

أَلم يك نغمةً في الأذن تشجي
وَعذبًا بالمذاقةِ سلسبيلا

دمشقُ ولست بالباغي بديلا
وَعن عهدِ الأحبةِ لن أحولا

ذكرتُك واللهيبُ له وَميضٌ
يُنشّرُ من شقائِقه ذيولا

له وَهجٌ إذا وازاه طيرٌ
رماه وَلو علا في الجوّ ميلا

وَأمطرتِ الرصاصُ فكان وَبلًا
شديدَ الوكْفِ منهمرًا وَبيلا

وَهاج عليَّ بحرٌ من سعيرٍ
طغتْ أمواجُه فغدتْ سيولا

إذا ما مس قصرًا مشمخرًّا
هوى فأحاله رسمًا محيلا

فقمتُ عَلَى الرسومِ كجاهليٍّ
بكى الدِمَنَ البواليَ والطلولا

فيا خدرَ الأُباةِ بلا هوان
صبرتِ على الأذى صبرًا جميلا

أليس اللهُ يعلم أنَّ نفسي
تعاني الهمَّ والداءَ الدخيلا

وَجدتُ أحبتي إلاّ يسيرًا
أسيرًا أو شريدًا أو قتيلا

هُمُ أبلوا مهادنة وَعنفًا
فكانوا فيها أَهدى سبيلا

وَخطوا بالدمِ المهراقِ سِفْرًا
سيروى بعدهم جيلًا فجيلا

لئنْ غُلبوا عَلَى حقٍ مبينٍ
فليس لمن تغلّب أن يطولا

فكم من غالبٍ خسر المعالي
وَمغلوبٍ بنى مجدًا أثيلا

رمَتْ بي عن دمشق نوى شطون
غداةَ أُشارفُ الحدثَ المهولا

تمطّى الواغلون بها وَضاقتْ
عليَّ فلم أجدْ فيها مقيلا

وَكنتُ إذا حُملتُ عَلَى خنوعٍ
وَلم أصلتْ له عَضْبًا صقيلا

"نأْيتُ بجانبي وَأجبت ""كلاّ"""
بملءِ فمي وأزمعتُ الرحيلا

أقول ولست أدري ما نصيبي
عذيرًا سوف ألقى أم عذولا

نقمتُ من الأُلى احتلوا حمانا
مدافعة الحقيقة والنكولا

وَأخرى أنهم وَلّوا علينا
غبيًا أو دعيًّا أو ختولا

أساءَ إلى العروبةِ في بنيها
وَشاقَقَ ربَّة وَعصى الرسولا

ألحّ عليَّ حبُّ الشامِ حتى
رجعتُ إلى الحمى نضوًا هزيلا

فربَّ كريمةٍ ريعتْ لشيبي
وَأنكرتِ انحنائيَ والنحولا

رأَتْ سِمَةَ الشبابِ لما علاها
من الأشجان توشك أنْ تزولا

وفجر الشيب يطوي من شبابي
ومن أفيائه ظلًا ظليلا

أسيتُ عَلَى الشبيبةِ وهي ضيفٌ
أسأتُ جوارَه فنوى القفولا

وَجاوزتُ الثلاثين اللواتي
حفلنَ بكلِّ مرهقة حفولا

أرى في الغربِ أقوامًا تباروا
بما بَهَرَ النواظرَ والعقولا

لقد فرغوا من الدنيا فهمّوا
إلى الأفلاك يبغون الوصولا

هُمُ ملكوا الرياحَ فسخّروها
لأمرهمُ دَبُورًا أو قَبُولا

إلى كبدِ السماء سموا صعودًا
وَقعيانِ البحارِ هوَوْا نزولا

وما تحتَ الثرى نفذوا إليه
وَساروا فوقه عرضًا وَطولا

وما قنعوا بعلمِ الغيبِ وَحيًا
فأُوتوا علمه نظرًا وَقيلا

يرونك من بأقصى الأرض جهرًا
وَتسمعه مجيبًا أو سؤولا

هُمُ هابوا القويَّ وَقدَّروه
وما اعتبروا الضعيفَ والكسولا

فإنْ جادلتَ في دعواك فاجعلْ
بعزمِكَ لا بمنطقِك الدليلا

ولا ترجِعْ إلى لينٍ إذا ما
رأيتَ اللينَ لا يغني قتيلا

إذا غامرتَ في أمر جَليلٍ
ركبت لأجله الخطر الجليلا

وإنْ هاوَدت في حقٍ صريحٍ
لتعطاه طلبتَ المستحيلا

فهذا الوحشُ حرٌّ في الفيافي
ففيم نلامُ إنْ عفنا الكبولا

إرسال تعليق

0 تعليقات