الصُّبح عندك ليلٌ والدُّجى نورُ
إنَّ الأَوانس عنْ ضدِّ الصّبا نُور
آنستَ نورًا على ليلِ الشَّباب فلم
يُؤْنِسك أُنسُ دجاه ذلك النور
فليتَ فَوْدِيَ لم تُشْرِقْ به شُهُبٌ
ولا انجلتْ عنه هاتيكَ الدَّياجير
نأتْ فناب شبابي عندها نُوَبٌ
جَفْنِي بها ساهرٌ والقلب مصبور
ذعرتُ سربي بتَوديع الأَوانس لي
كما يُفاجيكَ سِربٌ وهو مذعور
يا دُرَّة الصَّدَف الطَّافي على لُجَجٍ
للآل يغرق فيها النَّور والنُّور
أجرى النسيبَ نسيمًا والدُّموع حيًا
غصن يروح مَرُوحٌ منكِ ممطور
تاهت على الشهبِ شهبٌ منك طالعةٌ
حيث القلائدُ تزهى والتقاصير
وعقدُ درٍّ كأنَّ النحرَ منك به
صُبْحٌ بكوكبهِ الدُّريِّ منحور
ماذا من الحسن في حلٍّ ومُرْتَحَلٍ
حَوَتْهُ تلك الحوايا والمقاصير
كأنّما الآل تبدو فيه أرديةٌ
زُرْقٌ صِوارُ المها فيها تصاوير
كفى أَسىً أنَّ الأُنس بعدهمُ
بِرَبْرَبِ الوَحشِ معد الأُنس معمور
ربْعٌ تُجِدُّ لعيني كل مُعْصِرةٍ
من رسمه ما تُعَفِّيهِ الأَعاصير
مِنْ كلِّ غرَّاءَ مبيّضٍ جوانِبُها
بالوَدْقِ مشرقةٌ منها الأَسارير
إذا استدار سناها خِلْتَهُ ذهبًا
دارتْ على مِعْصَمٍ منه أساوير
كأنّما قعقعتْ في جَوْزِهِ وَجَلتْ
حُلى مَعَاصِمها البيضُ المَقاصِير
دارُ التَّي لم تزلْ تَدْنُو بها سِنَةٌ
ذنبُ اللَّيالي بها في البعد مغفور
فَاعجبْ لحلْمٍ به باتَ يُؤْنِسُ مَنْ
مَثواهُ تُونسَ مَنْ مَثواهُ تُدْمير
فجمَّعَتْنا كما كانتْ تُجمِّعنا
تِلك المنازلُ والأَوطان والدُّور
غُصْنٌ من البان لمَّا تَهْتَصِرْهُ يدٌ
لكنَّه بضَمير النفسِ مَهْصور
فلَسْتُ كافِرَ نعمى منه حينَ غدَا
مِسْكُ الدُّجى وهو بالكافور مكفور
وقد شدا في فروعِ الصّبح حين بدا
في دُهْمَةِ اللَّيل كالعصفورِ عصفور
يا لَيْتَ أنَّ بَياضَ الصبحِ ما سطعت
في أُخْرَياتِ الدُّجى منه تباشير
فَفي مُحيَّا أبي يَحْيَى الأَمير لنا
إنْ لم ينوِّر بياضُ الصبحِ تنوير
وَجْهٌ كشمسِ الضُّحى نور الصَّباح بما
قد فاضَ من نُوره في الأَرض مبهور
وبَحْرُ جودٍ إذا فاضتْ مواهبُهُ
فالبرُّ منْ فَيضِها والبَحرُ مغمور
مَلكٌ لهُ الهِممُ العليا إليه عَطتْ
وكلُّ مُستَعْظمٍ فيهنَّ مَحْقُور
مُفَرق جامع شملَيْ لُهًا ونهىً
نَمَا به ونماه الخَيْر والخِير
فشِيمة الكفِّ منه سطوةٌ وندًى
وشيمةُ النفس تقديسٌ وتطهير
ففي الغمائم خِيمٌ من مكارمه
وفي النَّواسمِ من ريَّاه تعطير
إقبالهُ غادَرَ الأَعداءَ مقبلةً
أَيَّان أحكمَ منه الرأيَ تدبير
قد أَمّن الدِّينَ والدُّنيا مُقلِّدُهُ
عهدَ الهُدى فالتقى سيدٌ ويَعفور
عهدٌ تلقاه من هادٍ وليِّ هدىً
على سجايا التُّقى والبرِّ مفطور
فراقَ نظمُ الأَماني والأَمان معًا
وظلّ نظْمُ الأَعادي وهو منثور
ففي يمين العُلى منه شهابُ هدىً
ومُرْهفٌ من سيوف الله مطرور
ملْكٌ له كلّما جرَّت كتائبها
أَذْيالَها عن صريح الجدِّ تشمير
فللصوارم إرواءٌ بِرَاحتهِ
في حيث للبأْس إِيراءٌ وتسعير
لله آلُ أبي حفصٍ فكلهمُ
غدا بلألائه في الدَّهر مشهور
بحارُ علمٍ ومَذْكى نارِ كلِّ وغىً
بالمرهفاتِ وحرُّ الحربِ مسجور
فالعلمُ يؤثرُ من ناديهمُ أَبدًا
حيثُ الحديثُ عن المأثورِ مأثور
أحيا العُفاةَ وقد أَردى العداة معًا
جودٌ مرَجّى وبأسٌ منك محذور
سيْبٌ وسيفٌ فذا طَوْقُ المُطيع وذا
طوقٌ على جِيدِ من يعصِيك مزرور
فلا مماتَ ولا مَحْيا بغيرِهما
يومًا لعاصيك أو عافيك مقدور
وليَّ عهدِ الهدَى إن الفتوح لكم
مُعجّلٌ قادمٌ منها ومنظور
وفتح سبتةَ قد وافاك يقدمها
كما اقتفتْ أثرَ الحادي بها العير
فاهنأْ بغرِّ فتوحٍ طالَعَتْكَ كما
تَفَتَّحتْ في ذرَى الرَّوضِ الأَزاهير
أيْمِنْ بها بيْعَةً حزبُ الضلال شَجٍ
بها وحزبُ الهدى جَذْلان مسرور
كم للجزيرة من بُشرى وتهنئةٍ
عنها عيونُ الأَماني نحوها صور
فجدّدوا مِنْ رسومٍ للهدى درست
هناك يستنُّ فيها الرومُ والمور
بكلِّ جَوْنٍ زَحوفٍ بالحصى زجلٍ
سامٍ تخاشعُ فيه الأكمُ والقُور
وشزَّبٍ أبقت الغاياتُ أعْينَها
عُورًا وقد أضمرت منها المضامير
يرمي العدا بهواديها إمامُ هدىً
لله مستَنْصر باللهِ منصور
وفرعُ مجدٍ زكا طيبًا ولا عَجبٌ
من طيبِ فرعٍ زكتْ منه العناصير
جاءتك تَقْصُر عمَّا فيك من كرمٍ
بِكرٌ عليها جميع الحسن مقصور
سَوادُها في بياض الطرس إنْ سُطِرَتْ
في مُهْرَقٍ بسواد الطَّرف ممهور
هجرتُ نوميَ إذ هاجرت نحوَكم
حَيث المقِيل بَديلٌ منهُ تَهْجِيرُ
بكلِّ بيداءَ أنفاسُ الرِّياحِ بها
خوافتٌ وعزيفُ الجِنِّ مجهور
يظلُّ حرباؤُها للشمسِ مرتقبًا
كأنّه في احتدام الحرِّ مقرور
ويلتقي الضبّ أنفاس الرياح بها
كما تلقّى نسيم الفجر مخمور
فكم بلادٍ طويناها وكم أملٍ
قد ظلَّ منذ طواها وهو منشور
لا زلتَ في كلِّ ما تَنْهى وتأْمرُهُ
وصرّفاتُ بما تهوى المقاديرُ
0 تعليقات