دِيارُ مَكّةَ هذا خالدٌ دَلَفا
فما احتيالُكِ في الطَّوْدِ الذي رَجَفَا
طَوْدٌ مِنَ الشِّركِ خَانَتْهُ جَوانِبُهُ
لَمّا مَشَى نحوهُ الطودُ الذي زَحَفا
إن الجبالَ التي في الأرضِ لو كفرتْ
لَدَكَّها جَبلُ الإسلامِ أو نَسَفَا
لَمّا دَعاهُ بسيفِ اللهِ سَيِّدُهُ
زَادَ السُّيوفَ بِهِ في عِزِّهَا شَرَفا
ديارَ مَكّةَ أمَّا من يُسالِمُهُ
فَلا أذىً يَتَّقِي منهُ ولا جَنَفَا
تلك الوصيَّةُ ما يَرْضَى بها بَدَلًا
ولا يرى دُونَها مَعْدىً ومُنْصَرَفَا
لا تجزعي إنّهُ العهدُ الذي انبعثت
أنوارُهُ تَصدَعُ العهدَ الذي سَلَفا
ليلُ الأباطيلِ ما التفَّتْ غياهِبُهُ
على الحقائِقِ إلا انجابَ وانْكَشَفَا
هُنَّ المنايا فيا للقومِ من بطلٍ
رُمُوا بِهِ حَيَّةً من حَيَّةٍ خَلَفَا
ضاقوا بِسعْدٍ فقالوا قائدٌ حَنِقٌ
لو جاوز الحدَّ بعد الحدِّ ما وَقَفا
واستصرخوا من رسولِ اللهِ ذا حَدَبٍ
إذا استغاثَ به مُستصرخٌ عَطَفَا
هَبَّتْ إلى الشَّرِّ من جُهّالِهِم فِئَةٌ
لم تَأْلُ من جَهلِها بَغيًا ولا صَلَفا
واستنفرت من قريشٍ كلَّ ذي نَزَقٍ
إذا يُشارُ إليهِ بالبنانِ هَفَا
فخاضها خالدٌ شعواءَ كالحةً
إذا جَرَى الهولُ في أرجائِها عَصَفَا
رَمَى بها مُهَجَ الكُفّارِ فاسْتَبَقَتْ
تَلْقَى البوارَ وتشكو الحَيْنَ والتَّلَفَا
وقال قائلُهُم أسرفتَ من بطلٍ
ما كان أحسنه لو جَانَبَ السَّرَفا
وهَاجَ همَّ أبي سُفيانَ ما وَجَدوا
فَرَاحَ يَشفعُ فيهم جَازعًا أَسِفا
فَلانَ قلبُ رسولِ اللهِ مرحمةً
وَرَقَّ من شِدَّةِ البطشِ الذي وَصَفَا
وقال سِرْ يا رسولي فَانْهَ صَاحِبَنَا
عَنِ القِتالِ فَحَسبي ما جَنَى وكَفَى
مَضَى الرسولُ يقولُ اقْتُلْ فَهَيَّجَها
مَشْبُوبَةً هَتَفَتْ بالوَيْلِ إذ هَتَفَا
وَعَادَ والدَّمُ في آثَارِهِ سَرِبٌ
والقومُ من خَلْفِهِ يدعون وَا لَهَفَا
قال النَّبيُّ ألم تَذْكُرْ مَقالتَنا
لِخَالِدٍ أعَصِيْتَ الأمرَ أم صَدَفا
فقال بُورِكْتَ إنّ الله حَرَّفَها
وما تَغَيَّرَ لي رأيٌ ولا انْحَرَفَا
سُبحانَهُ إنّ أمرَ النّاسِ في يدِهِ
لا يَعْرِفُ المرءُ من خَافيهِ ما عَرَفَا
لا يَجْزَعِ القوْمُ إنّ السَّيفَ مُرتَدِعٌ
عمّا قليلٍ وإنّ النّصرَ قد أزِفا
لم يرفعوا الصَّوتَ حتّى لاحَ بارِقُهُ
تحت العَجَاجَةِ يجلو ضَوْؤُهُ السُّدُفا
هذا الزُّبَيْرُ تَرَامَى في كتائِبِهِ
كالسَّيْلِ لا تُمسِكُ الأسدادُ ما جَرَفَا
يَلْقَى كدَاءَ بِهِ والخيلُ راكضَةٌ
ما قَالَ حَسّانُ من قبلِي وما ازْدَهَفا
اللهُ أكبرُ جاء الفتحُ وابتهجتْ
للمؤمنين نُفوسٌ سَرَّها وشَفَى
مَشَى النَّبيُّ يحفُّ النَّصرُ مَوكِبَهُ
مُشَيَّعًا بجلالِ اللهِ مُكتَنَفَا
أضحى أُسامةُ من بينِ الصّحابِ له
رِدْفًا فكان أعزَّ النَّاسِ مُرْتَدَفَا
لم يبقَ إذ سَطعتْ أنوارُ غُرَّتِهِ
مَغْنَىً بِمَكَّةَ إلا اهْتَزَّ أو وَجَفا
تحرَّكَ البيتُ حَتَّى لو تُطاوعُهُ
أركانُهُ حَفَّ يَلْقَى رَكبَهُ شَغَفَا
وَافَاهُ في صَحبِهِ من كلِّ مُزْدَلِفٍ
فلم يَدَعْ فيه للكُفَّارِ مُزْدَلَفا
العاكفون على الأصنامِ أضحكهم
أنّ الهوانَ على أصنامِهِمْ عَكَفا
كانوا يَظنُّونَ أنْ لا يُسْتَبَاحَ لها
حِمىً فلا شممًا أبدتْ ولا أنَفَا
نامت شَياطِينُها عنها مُذَمَّمةً
كأنّها لم تكن إذ أصبحَتْ كِسَفا
رِيعَتْ شيوخُ قريشٍ من قذائِفِها
وَرِيعَ منها الخُزاعِيُّ الذي قُذِفَا
رأته يَنحَطُّ من عَليائِهِ فزعًا
من بعد ما أفزعَ الأجيالَ مُشتَرِفَا
وما ذَرَى هُبَلٌ والطعْنُ يأخُذُهُ
هل غَوَّرَ الدمعُ في عَيْنَيْهِ أم ذَرَفا
لو كان للدمِ يجري حَولهُ دُفَعًا
طُولُ المَدى مَثْعَبٌ في جوفِهِ نَزَفا
رَمَى به اللهُ يحمِي البيتَ من عَبَثٍ
يَعافُ باطِلَهُ مَن عافَ أو عَزَفَا
لم يَبْقَ بالبيتِ أصنامٌ ولا صُوَرٌ
زَالَ العَمَى واسْتَحَالَ الأمرُ فَاخْتَلَفَا
للجاهِلِيَّةِ رَسمٌ كان يُعجبها
في دهرِها فَعَفَتْ أيامُها وَعَفَا
لا كُنتَ يا زمنَ الأوهامِ مِن زَمَنٍ
أرخَى على النّاسِ من ظَلْمَائِهِ سُجُفا
إنّ الشريدَ الذي قد كان يظلمه
ذَوُو قَرَابتِهِ قد عادَ فانْتَصَفا
ردَّ الظلامَةَ في رفقٍ وإن عَنَفوا
ولو يَشاءُ إذَنْ لاشْتَدَّ أو عَنَفَا
إنّ الرسولَ لَسَمْحٌ ذو مُيَاسَرَةٍ
إذا تملَّكَ أعناقَ الجُناةِ عَفَا
شكرًا مُحَمَّدُ إنّ اللَّهَ أسبغَهَا
عليكَ نُعْمَى تَرَامَى ظِلُّها وَضَفا
وَعْدٌ وَفَى لإمامِ المرسلينَ به
واللَّهُ إن وَعَدَ الرُّسْلَ الكِرامَ وَفَى
خُذِ المحصَّبَ إن وَافَيْتَهُ نُزُلًا
وَاذْكُرْ بِهِ ذلكَ الميثاقَ والحَلفا
قد عادَ يكلفُ بالإسلامِ مِن رَشَدٍ
مَن كان بالكفرِ من غَيِّ الهَوَى كَلِفا
ثم استقامَ على البيضَاءِ يَسْلكُها
مَن كان يضربُ في العمياءِ مُعْتَسِفا
مَشَى طَليقًا إلى غاياتِهِ مرحًا
وكان في القيد إن رام الخطى رسفا
يغشى موارد للأيمان صافِيةً
ما امتاحَ من مثلِها يومًا ولا اغْترَفا
عادوا طَهَارى فلم يَعْلَقْ بهم وَضَرٌ
ممّا جَنَى الكفرُ قبل الفتحِ واقترفا
تَتابعَ القومُ أفواجًا فآمَنَهم
دِينُ السَّلامِ وأمسَى الأمرُ مُؤْتَلِفَا
كذلك الحقُّ يعلو في مَصَاعِدِهِ
حتى يَنالَ الذَّرَى أو يَبلغَ الشَعفا
مَرْمَى العُقُولِ إذا ما غَرَّهَا هَدَفٌ
فلن تُريدَ سِواهُ إن رَمَتْ هَدَفَا
وما على الحقِّ من بأسٍ ولا حَرَجٍ
إن هَوَّمَ العقلُ عنه مَرَّةً فَغَفَا
إنّ الذي جَعَلَ الإسلامَ مَعقلَهُ
أعلى لأُمَّتِهِ الأركانَ والسُّقُفا
لم يَرْضَ ما نَالَ من مجدٍ فأَورثَهُ
مَجدًا طريفًا وَعِزًّا منه مُؤْتَنَفا
شَتّانَ ما بين صَرْحٍ ثابتٍ رُفِعَتْ
منه القِبابُ وصَرْحٍ واهنٍ خُسِفا
لِتُنصتِ الأرضُ وَلْتَسْمَعْ ممالُكُها
ماذا يقولُ لها الرَّعدُ الذي قَصَفَا
شرائعُ الخيرِ يُلقيها مُحبّبةً
شيخُ النَّبيِّينَ يَبغي البِرَّ واللَّطَفَا
الناسُ من آدَمٍ والبَغْيُ مَهْلَكَةٌ
فَلْيَّتَقِ اللهَ منهم مَن قَسَا وجَفَا
قَلْ للأُلَى خطبوا الأقوامَ أو كتبوا
دعوا المنابِرَ والأقلامَ والصُّحُفَا
0 تعليقات