كان لي قلب لـ أحمد عبد المعطي حجازي

على المرآةِ بعضُ غبار
وفوق المخدع البالي، روائح نوم
ومصباحٌ .. صغيرُ النار
وكلُّ ملامح الغرفه
كما كانت، مساء القبلةِ الأولى
وحتى الثوب، حتى الثوب
وكنتِ بحافةِ المخدع
تردّين انبثاقةَ نهدكِ المترَع
وراءَ الثوب
وكنت ترينَ في عيني حديثًا.. كان مجهولًا
وتبتسمين في طيبه
وكان وداع
جمعتُ الليل في سمتي
ولفّقتُ الوجوم الرحبَ في صمتي
وفي صوتي
وقلت.. وداع!
وأقسم، لم أكن صادق
وكان خداع!
ولكني قرأتُ روايةً عن شاعرٍ عاشق
أذلَّته عشيقتُه، فقال.. وداع!
ولكن أنت صدَّقتِ!

***
وجاء مساء
وكنتُ على الطريقِ الملتوي أمشي
وقريتُنا.. بحضن المغربِ الشفقِي
رُؤَى أفقِ
مخادعُ ثرّةُ التلوينِ والنقشِ
تنام على مشارِفها ظلالُ نخيل
ومئذنةٌ.. تَلوَّى ظلُّها في صفحة
التّرعَه
رُؤيً مسحورةٌ تمشي
وكنت أرى عناقَ الزهرِ للزهرِ
وأسمع غمغماتِ الطيرِ للطيرِ
وأصواتَ البهائم تختفي في مدخل
القريه
وفي أنفي روائحُ خصب
عبير عناق
ورغبةُ كائنينِ اثنينِ أن يلدا
ونازعني إليك حنين
وناداني إلى عُشِّك
إلى عشّي
طريقٌ ضم أقدامي ثلاثَ سنين
ومصباحٌ ينوّر بابَكِ المغلق
وصفصافه
على شُبّاككِ الحرّان هفهافه
ولكنّي ذَكرتُ حكايةَ الأمسِ
سمعتُ الريحَ تُجهش في ذُرى الصفصاف
يقولُ.. وداع

***
ملاكي! طيريَ الغائب!
حزمتُ متاعيَ الخاوي إلى اللُّقمه
وفُتُّ سنيني العشرين في دربك
وحنّ عليّ ملاّحٌ، وقال.. اركب!
فألقيتُ المتاعَ، ونمتُ في المركب
وسبعةُ أبحرٍ بيني وبين الدار
أواجه ليليَ القاسي بلا حبٍّ
وأحسد من لهم أحباب
وأمضي.. في فراغ، باردٍ، مهجور
غريبٌ في بلادٍ تأكل الغرباء
وذات مساء
وعمرُ وداعِنا عامان
طرقتُ نواديّ الأصحاب، لم أعثر
على صاحب!
وعدتُ.. تَدعُنّي الأبوابُ
والبوّابُ، والحاجب!
يدحرجني امتدادُ طريق
طريقٍ مقفرٍ شاحب
لآخرَ مقفرٍ شاحب
تقومُ على يديه قصور
وكان الحائطُ العملاق يسحقني
ويخنقني
وفي عيني.. سؤالٌ طاف يستجدي
خيالَ صديق
ترابَ صديق
ويصرخ.. إنني وحدي
ويا مصباحُ! مثلك ساهرٌ وحدي
وبعت صديقتي.. بوداع!

***
ملاكي! طيريَ الغائب!
تعالي.. قد نجوعُ هنا
ولكنّا هنا اثنانِ!
ونعري في الشتاء هنا
ولكنّا هنا اثنانِ
تعَالي يا طعامَ العمر!
ودفء العمر!
تعالي لي

إرسال تعليق

0 تعليقات