شربت كأسي أمام نفسي لـ نسيب عريضة

شَرِبتُ كأسي أمام نفسي
وقلتُ يا نفسُ ما المَرام

حياةُ شَكٍّ وموتُ شكٍّ
فلنَغمُرِ الشَكَّ بالمُدام

آمالُنا شَعشَعت فغابت
كالآلِ أبقى لنا الأوام

لا بأس ليس الحياةُ إلّا
مَرحَلةٌ بَدوَّها خِتام

إِن هبَّت الريحُ من جَنوبٍ
يَهُبُّ حُزني من الشَّمال

وكلُّ ريحٍ لها سُكونٌ
إلّا الأسى هاجَه المَلال

يَئِنُّ قلبي على حبيبي
ولا حَبيبٌ إِلّا الخَيال

يا نفسُ صَبرًا على البَلايا
فكلُّ شيءٍ إلى زَوال

أخَذتُ نفسي إلى طَبيبي
وقلتُ يا طَبُّ ما العِلاج

فراحَ يأسو سَقامَ جِسمي
ويحسِبُ الداءَ في المِزاج

فقلتُ يا صاحِ جَفَّ زَيتي
فَباطلًا تجبُرُ السِّراج

اذا خَبا النُورُ في الدَرارِي
فما تُرى يَنفَعُ الزُجاج

وسِرتُ والقَلبَ في اصطحاب
نَقفو هَوىً مرَّ في العَجاج

أنا وعيني نَطيرُ شَوقًا
نَسيرُ رَكضًا بلا انزِعاج

والقلبُ حافٍ يَمشي الهُوَينا
على شَظايا من الزُجاج

طلبتُ قلبي فلم أجِدهُ
أماتَ أم ضلَّ في الفُجاج

وعُدتُ نحو الوَرى فَريدًا
يسوقُني العقلُ بالسِياط

فصحتُ يا ناسُ ماتَ قلبي
طفلًا وما زال في القِماط

هل تَقبَلوني بلا فؤادٍ
قالوا وهل مَسَّكَ اختِلاط

أُنظرُ على الأرضِ كم قلوبٍ
دِيسَت لدَينا على السِراط

ربّاهُ ما أكثر الضَّحايا
ماتوا زِحامًا على الدُروب

كلُّ الوَرى مَوكبٌ مَهيبٌ
يسيرُ في مَأتمِ القلوب

يمشونَ والرَّمسُ في حَشاهم
والدَمُ يَجري من النُدوب

ما ميتَهم يُعظِمون قَدرًا
بل ديةَ المَيتِ في الجُيوب

يا نفسُ رُحماكِ أين نَمضي
فما أمامي سِوى قُبور

قد سامَكِ العقلُ سَوم علجٍ
ما لا تُطِيقين من أُمور

فَلنتَرُكِ العقلَ حيثُ يَبغى
فليسَ للعَقلِ من شُعور

أَتترُكِينَ الأنامَ تَركًا
نُحرِقُ من بعدِهِ الجُسور

فصاحت النفسُ بي وقالت
ما لي وللناسِ والزِّحام

أصبتِ يا نفسُ فاتبعِيني
فليسَ كالغابِ من مَقام

يا غابُ جِئناكَ للتَعرِّي
أنا ونفسي ولا حَرام

فَليُذِعِ الغُصنُ ما يراه
منا اذا أحسنَ الكَلام

وقالت النفسُ لي أتدري
ما تَقصُدُ الدَوحُ بالحَفيف

ذا الغصنُ يَبكي على طُيورٍ
أطرَبَه شَدوُها اللَطيف

طارت وليست تَعودُ حتى
يَخضَرَّ من دَوحِهِ اللَفيف

لو أنَّ هذي الأشجارَ تَمشي
سارت إلى حيثُ لا خَرِيف

يا نفسُ إِنَّ الحَفيفَ لُغزٌ
تَفهَمُه الشمسُ والسَحاب

ما ذاك شَكوى بل ذاك نَجوى
من باطِنِ الأرضِ في التُراب

نَجوى أصولٍ تَحنُّ شَوقًا
إلى سوى الريّ والشَراب

تَهُزُّها كلَّما استَكنَّت
ذِكرى شُموسٍ بلا غِياب

كم دَوحةٍ لا يَبينُ منها
إلا قليلٌ من الكثير

فُروعُها والغصونُ جُزءٌ
بدا ولكنَّه حَقير

وتحتَ سطحِ الثَرى أُصولٌ
مَحجوبةٌ حَجمُها وَفِير

فيها حياةُ الغُصونِ لكن
لَدَى الوَرى شَأنُها صَغير

لو حدَّقَ المرءُ في البَرايا
لَشامَ ما لا تَرى العُيون

ما حولَنا عالَمٌ خَفيّ
تُدركُه الرُوحُ في السُكون

كَم مُبصِرٍ لا يَرى وأعمى
يَرى ويَدري الذي يَكون

يا وَيحَ من لا يَرَونَ شَيئًا
إِلّا اذا فتَّحوا الجُفون

إرسال تعليق

0 تعليقات