مسهد القلب في خديه أدمعه لـ ابن حزم الأندلسي

مسهد القلب في خديه أدمعه
قد طالما شرقت بالوجد أضلعه

داني الهموم بعيد الدار نازحها
رجع الأنين سكيب الدمع مفزعه

يأوي إلى زفرات لو يباشرها
قاسي الحديد فواقًا ذات أجمعه

إذا تخلل في أرجائها فرحا
ظللت قواصفها باليأس تقرعه

وإن ونت لوعة عن كنه صولتها
هبت له لوعة رقشاء تلسعه

تاهت به في بحار الحزن فكرته
حتى رمته سحيقًا ضل مرجعه

كم فكرة داهمته في مسارحها
تسقيه سمًا نقيعًا بات يجرعه

ذكرى أفيراخه في كل ناحية
توحي إلى القلب أسرارًا تقطعه

كم قد تحمل من أعباء نأيهم
نضوا نبا بلذيذ النوم مضجعه

قد عاند الحزن حتى عاد يرحمه
وساور الدمع حتى جف مدمعه

وصار يرحمه من كان يعذله
لما اصطفاه من الأعواز أشنعه

تجول حلته في ذاته فترى
آثار ما الدهر بالأحرار يصنعه

جسم تخونت الأيام جثته
فعاد كالشن مرآه ومسمعه

تناهبت نوب الدنيا محاسنه
فالضيم ملبسه والسجن موضعه

يشكو إلى القيد ما يلقاه من ألم
فبالأنين لدى شكواه يرجعه

يا هاجعا والرزايا لا تؤرقه
قل كيف نهجع من في الكبل مهجعه

أم كيف حاله حي ساكن حدثا
يرنو بعين أسير عز مطمعه

قد طال في هاويات السجن محبسه
وانشت من شغله ما كان يجمعه

فكم زنر بقد الصخر أيسره
وكم أنين بنار الوجد يشفعه

ما رجعت سجعها حينا مطوقة
إلا ومن فضل شحوي ما ترجعه

ولا تجزع كاس الوجد من أحد
إلا ومن فضل وجدي ما تجرعه

يا راحلا عند حي عنده رمقي
أقر السلام على من لم أودعه

وسله بالله عن عهدي الحفظه
فعهده بمكان لا اضيعه

وكيف عني وعن أنسي تصبره
أم كيف بعد بعادي عنه أربعه

تجهمت نوب الدنيا لعامرها
فلا يد عن يد الضرار تمنعه

واطول شوقاه ما جد البعاد بهم
اليهم مذ سعوا للبين أفظعه

لئن تباعد جثماني فلم أرهم
فعندها وأبيك القلب أجمعه

أقول والدهر قد غالت غوائله
وحظ مني مكانًا كان يرفعه

عسى لطائف من لا شيء يعجزه
تحنو على شملنا يومًا فتجمعه

بمبتني المجد مذ خلت تمائمه
بحيث لا نوب الدنيا تضعضعه

بحيث يشتجر الخطي في صفد
ويفطم السيف ذا باس ويرضعه

بالحاجب المرتجى السامي أرومنه
إلى هلال الذي بالمعد مطلعه

سما إلى غاية في المجد ساميه
قتال غاية ما قد كان يرميه

فأصبحت قلل السامين خاضعة
لعزه وسماء المجد موضعه

وارتاح للعرف والحاجات يسألها
فغص بالوفد والآمال مصنعه

نعم الشفيع لمن ضاقت مذاهبه
لدى الخليفة أسمى من يشفعه

وكل زارع خير عند مضطهد
فسوف يحصد ما قد كان يزرعه

فعش عزيزًا على الأيام محتكمًا
ما هز ذيل الصبا غصنًا يزعزعه

إرسال تعليق

0 تعليقات