وسواس حليك أم هم الرقباء لـ لسان الدين بن الخطيب

وَسْوَاسُ حَلْيِكِ أمْ هُمُ الرُّقَبَاءُ
لِلْقَلْبِ نَحْوَ حَدِيثِهمْ إِصْغَاءُ

وَوَمِيضُ ثَغْرِكِ أم تَأَلُّقُ بَارِقٍ
وَشِهَابُ شُنْفِكِ ذَا أَمِ الْجَوْزَاءُ

يَا بَانَةً وَرَقُ الشَّبَابِ ظِلاَلُهَا
وَكَأَنَّ قَلْبِي بَيْنَهَا وَرْقَاءُ

يَا بَدْرَ تِمَّ يَهْتَدِي بِضِيَائِهِ
سَاري الفَلاَةِ وَلَيْلَتِي لَيْلاَءُ

أَشْكُوكِ أَمْ أَشْكُو إِلَيْكِ صَبَابَتِي
أَنْتِ الدَّوَاءُ وَمِنْكِ كَانَ الدَّاءُ

مَا لَجَّ دَاءٌ أَوْ تَفَاقَمَ مُعْضِلٌ
إلاَّ وَفِي يُمْنَى يَدَيْهِ شِفَاءُ

إِنْ رَامَ بِالْتَدْبِيرِ حِيلَةَ بُرْئِهَا
أُبْدَتْ مَنَافِعَهَا لَهُ الأَعْضَاءُ

حَتَّى إَذَا سَئِمْتْ نُفُوسُهُمُ الرَّدَى
وَاعْتَاضَ مُصْطَبَرٌ وَعَزَّ عَزَاءُ

وَافَوْا وَقَدْ جَعَلُوا الدُّرُوعَ ضَرَاعَةً
إذا لم يكن غير الخضوع وفاء

وتبوأوا دار الخلافة ملجأً
فَلَهُمْ بِعَقْوَةِ بَابِها اسْتِجْدَاءُ

فَعُيُونُهُمْ صُورٌ وَوَقْعُ حَدِيْثِهِمْ
هَمْسٌ وَرَجْعُ كَلاَمِهِمْ إِيمَاءُ

رَهَبًا فَعَافٍ شَاقَهُ بَذْلُ النَّدَى
رَاجٍ وَطَاغٍ سَاقَهُ اسْتِعْفَاءُ

عَلِمُوا مَوَاقِع ذَنْبِهِمْ مِنْ عَفْوِهِ
فَاسْتَشْعَرُوا الإِحْسَانَ حِينَ أَسَاءُوا

لا يَحْسَبَنَّ الرُّومُ سِلْمَكَ رَهْبَةً
فَالزِّنْدُ لِلنِّيرَانِ فِيهِ ثَوَاءُ

لَمْ تُغْمَدِ الأَسْيَافُ مِنْ وَهَنٍ بِهَا
لِكِنْ نُفُوسٌ أُجِّلَتْ وَدِمَاءُ

نَامَتْ عَلَى شِبَعٍ وَقَدْ سَالَمْتَهُمْ
وَعِلاَجُ فَرْطِ البِطْنَةِ الإِغْفَاءُ

يَا نَيِّرًا لَوْلاَ تَوُقُّدُ نُورِهِ
هَفَتِ الحُلُومُ وَفَالَتِ الآرَاءُ

لَوْ أَنَّ بَأْسَكَ وَالْجُمُوعُ زَوَاحِفٌ
فِي مَجْمَعِ البَحْرَيْنِ غِيضَ الْمَاءُ

لَوْ أَنَّ مِنْ مُسْتَنِّ عَزْمِكَ هَبَّةً
فِي الرِّيْحِ مَا نُسِبَتْ لَهُنَّ رُخَاءُ

لِلَّهِ سَيْفُكَ وَالْقُلُوبُ بَوَالِغٌ
ثُغَرَ الحَنَاجِرِ والنُّفُوسُ ظِمَاءُ

تَتَزَاحَمُ الأَرْوَاحُ دُونَ وُرُودِهِ
فَكَأَنَّمَا هُوَ نُطْفَةٌ زَرْقَاءُ

لِلَّهِ قَوْمُكَ آلُ نَصْرٍ وَالْقَنَا
قِصَدٌ وَأَجْسَامُ العِدَى أَشْلاَءُ

الطَّاعِنُونَ الْخَيْلَ يَوْمَ المُلْتَقَى
وَالْمُطْعِمُونَ إِذَا عَدَتْ شَهْبَاءُ

سِيمَاهُمُ التَّقْوَى أَشِدَّاءٌ عَلى الْ
كُفَّرِ فِيمَا بَيْنَهمرُحَمَاءُ

نَصَرُوا الْجَزِيرَةَ أَوَّلًا وَنَصِيرُهَا
ضَاقَتْ عَلَيْهِ بِرَحْبِهَا الأَنْحَاءُ

وَأَتَوْا وَدِينُ اللهِ لَيْسَ بِأَهْلِهِ
إِلاَّ أَلِيلٌ خَافِتٌ وَذَمَاءُ

قَمَعُوا بِهَا الأَعْدَاءَ حَتَّى أَذْعَنُوا
وَالْبِيضُ مِنْ عَلَقِ النَّجيعِ رِوَاءُ

فَكَأَنَّمَا حُمْرُ البُنُوْدِ خَوَافِقًا
مِنْهَا قُلُوبٌ شَفَّهُنَّ عَنَاءُ

لَمْ يَأْمَنُوا مَكْرَ الإِلاَهِ وَإِنَّمَا
إِمْهَالُهُمْ عَنْ وِرْدِهِ إِمْلاَءُ

إِنْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَرَبُّكَ مُبْرَمٌ
أمْرًا وَإِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ

وَاللهُ جَلَّ اسْمًا لِمُلْكِكَ حزبه
وَاللهُ فِيهِ كِفَايَةٌ وَكِفَاءُ

فَمَنِ المُدَافِعُ والمَلاَئِكُ حِزْبُهُ
وَاللهُ رِدْءٌ وَالْجُنُودُ قَضَاءُ

وَإِذا هُمُ عَادُوا لِمَا عَنْهُ نُهُوا
فَغِرَارُ سَيْفِكَ لِلْعُصَاةِ جَزَاءُ

مَزِّقْ جُفُونَ الْبِيضِ عَنْ أَلْحَاظِهَا
لِتَسِيْلَ فَوقَ شِفَارِهَا الحَوْبَاءُ

وَاهْزُرْ غُصُونَ السُّمْرِ وَهْيَ ذَوَابِلٌ
تَسْقُطْ عَلَيْكَ الْعِزَّةُ القَعْسَاءُ

يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ الَّذِي مِنْ رَأْيِهِ
جُنْدٌ لَهُ النَّصْرُ العَزِيزُ لِوَاءُ

يَهْنِيْكَ أَسْعَدُ وَافِدٍ مَا تَنْقَضِي
أَيَّامُهُ وَسَعَادَةٌ وَبَقَاءُ

عِيدٌ أَعَدْتَ الدّهْرَ فِيهِ يَافِعًَا
طَلْقًَا تَلُوحُ بِوَجْهِهِ السَّرَّاءُ

لَمَّا بَرَزْتَ إلَى المُصَلَّى مَاشِيًا
وَدَّتْ خَدُودٌ أَنَّهَا حَصْبَاءُ

وَسَمَتْ إلَى لُقْيَاكَ أَبْصَارُ الوَرى
حَتَّى كَأَنَّ جَمِيعَهُمْ حِرْبَاءُ

حَتَّى إذَا اصْطَفُّوا وَأَنْتَ وَسِيلَةٌ
وَسَمَا إلَى مَرْقَى الْقَبُولِ دُعَاءُ

مُلِئَتْ صُدُورُ المُسْلِمِينَ سَكِينَةً
إذْ ذَاكَ وانْتَاشَ القُلُوبَ رَجَاءُ

وَتَيَقَّنُوا الغُفْرَانَ فِي زَلاَّتِهِمْ
مِمَّنْ لَدَيْهِ الْخَلْقُ وَالإنْشَاءُ

قَسَمًا بِرَبِّ البُزْلِ وَهْيَ طَلاَئِحٌ
نَحَتَتْ مَنَاسِمَ سُوقِهَا الْبَيْدَاءُ

مِنْ كُلِّ نِضْوِ الآلِ يَسْتَفُّ الفَلاَ
سَيْرًا تَقَلَّصُ دُونَهُ الأَرْجَاءُ

عُوجًا كَأَمْثَالِ القِسِيِّ ضَوَامِرًا
أَغْرَاضُهُنَّ الرُّكْنُ وَالْبَطْحَاءُ

يَحْمِلْنَ كُلَّ مَسَهَّدٍ أَضْلاَعُهُ
صًيْفٌ وَفِي الآمَاقِ مِنْهُ شِتَاءُ

لَرَفَعْتَ ظِلَّ الأَمْنِ خَفَّاقًا فَقَدْ
كَادَتْ تَسِيرُ مَعَ الذِّئَابِ الشَّاءُ

وَكَفَفَتْ كَفَّ الجَوْرِ فِي أَرْجَائِهَا
وَعَمرْتَ رَبْعَ العَدْلِ وَهْوَ خَلاَءُ

وَعَفَفْتَ حَتَّى عَنْ خَيَالٍ طَارِقٍ
وَوَهَبْتَ حَتَّى أَعْذَرَ اسْتِجْدَاءُ

قَسَمًا لأَنْتَ مَلاَذ كُلِّ رَعِيبَةٍ
وَمَأَمَّ مَنْ ضَاقَتْ بِهِ الغَبْراءُ

وَلأَنْتَ ظِلُّ اللهِ بَيْنَ عِبَادِهِ
وَبِلاَدِهِ إِنْ عُدِّدَ الأَفْيَاءُ

أَمُؤَمَّلَ الإسْلاَمِ إِنَّ وَسَائِلي
هُنَّ الشُّمُوسُ فَمَا بِهِنَّ خَفَاءُ

مَا لِي سِوَى حُبِّي لِمُلْكِكَ مَذْهَبٌ
وَلَرُبَّمَا تَتَحَالَفُ الأَهْوَاءُ