ذكر الصبى ومراتع الآرام لـ المتنبي

ذِكرُ الصِبى وَمَراتِعِ الآرامِ
جَلَبَت حِمامي قَبلَ وَقتِ حِمامي

دِمَنٌ تَكاثَرَتِ الهُمومُ عَلَيَّ في
عَرَصاتِها كَتَكاثُرِ اللُوّامِ

فَكَأَنَّ كُلَّ سَحابَةٍ وَكَفَت بِها
تَبكي بِعَينَي عُروَةَ اِبنِ حِزامِ

وَلَطالَما أَفنَيتُ ريقَ كَعابِها
فيها وَأَفنَت بِالعِتابِ كَلامي

قَد كُنتَ تَهزَءُ بِالفِراقِ مَجانَةً
وَتَجُرُّ ذَيلَي شِرَّةٍ وَعُرامِ

لَيسَ القِبابُ عَلى الرِكابِ وَإِنَّما
هُنَّ الحَياةُ تَرَحَّلَت بِسَلامِ

لَيتَ الَّذي خَلَقَ النَوى جَعَلَ الحَصى
لِخِفافِهِنَّ مَفاصِلي وَعِظامي

مُتَلاحِظَينِ نَسُحُّ ماءَ شُؤونِنا
حَذَرًا مِنَ الرُقَباءِ في الأَكمامِ

أَرواحُنا اِنهَمَلَت وَعِشنا بَعدَها
مِن بَعدِ ما قَطَرَت عَلى الأَقدامِ

لَو كُنَّ يَومَ جَرَينَ كُنَّ كَصَبرِنا
عِندَ الرَحيلِ لَكُنَّ غَيرَ سِجامِ

لَم يَترُكوا لي صاحِبًا إِلّا الأَسى
وَذَميلَ دِعبِلَةٍ كَفَحلِ نَعامِ

وَتَعَذُّرُ الأَحرارِ صَيَّرَ ظَهرَها
إِلّا إِلَيكَ عَلَيَّ فَرجَ حَرامِ

أَنتَ الغَريبَةُ في زَمانٍ أَهلُهُ
وُلِدَت مَكارِمُهُم لِغَيرِ تَمامِ

أَكثَرتَ مِن بَذلِ النَوالِ وَلَم تَزَل
عَلَمًا عَلى الإِفضالِ وَالإِنعامِ

صَغَّرتَ كُلَّ كَبيرَةٍ وَكَبُرتَ عَن
لَكَأَنَّهُ وَعَدَدتَ سِنَّ غُلامِ

وَرَفَلتَ في حُلَلِ الثَناءِ وَإِنَّما
عَدَمُ الثَناءِ نِهايَةُ الإِعدامِ

عَيبٌ عَلَيكَ تُرى بِسَيفٍ في الوَغى
ما يَصنَعُ الصَمصامُ بِالصَمصامِ

إِن كانَ مِثلُكَ كانَ أَو هُوَ كائِنٌ
فَبَرِئتُ حينَئذٍ مِنَ الإِسلامِ

مَلِكٌ زُهَت بِمَكانِهِ أَيّامُهُ
حَتّى اِفتَخَرنَ بِهِ عَلى الأَيّامِ

وَتَخالُهُ سَلَبَ الوَرى أَحلامَهُم
مِن حِلمِهِ فَهُمُ بِلا أَحلامِ

وَإِذا اِمتَحَنتَ تَكَشَّفَت عَزَماتُهُ
عَن أَوحَدِيِّ النَقضِ وَالإِبرامِ

وَإِذا سَأَلتَ بَنانَهُ عَن نَيلِهِ
لَم يَرضَ بِالدُنيا قَضاءَ ذِمامِ

مَهلًا أَلا لِلَّهِ ما صَنَعَ القَنا
في عَمروُ حابِ وَضَبَّةَ الأَغتامِ

لَمّا تُحَكَّمَتِ الأَسِنَّةُ فيهِم
جارَت وَهُنَّ يَجُرنَ في الأَحكامِ

فَتَرَكتَهُم خَلَلَ البُيوتِ كَأَنَّما
غَضِبَت رُؤوسُهُمُ عَلى الأَجسامِ

أَحجارُ ناسٍ فَوقَ أَرضٍ مِن دَمٍ
وَنُجومُ بَيضٍ في سَماءِ قَتامِ

وَذِراعُ كُلِّ أَبي فُلانٍ كُنيَةً
حالَت فَصاحِبُها أَبو الأَيتامِ

عَهدي بِمَعرَكَةِ الأَميرِ وَخَيلُهُ
في النَقعِ مُحجِمَةٌ عَنِ الإِحجامِ

يا سَيفَ دَولَةِ هاشِمٍ مَن رامَ أَن
يَلقى مَنالَكَ رامَ غَيرَ مَرامِ

صَلّى الإِلَهُ عَلَيكَ غَيرَ مُوَدَّعٍ
وَسَقى ثَرى أَبَوَيكَ صَوبَ غَمامِ

وَكَساكَ ثَوبَ مَهابَةٍ مِن عِندِهِ
وَأَراكَ وَجهَ شَقيقِكَ القَمقامِ

فَلَقَد رَمى بَلَدَ العَدُوِّ بِنَفسِهِ
في رَوقِ أَرعَنَ كَالغِطَمِّ لُهامِ

قَومٌ تَفَرَّسَتِ المَنايا فيكُمُ
فَرَأَت لَكُم في الحَربِ صَبرَ كِرامِ

تَاللَهِ ما عَلِمَ اِمرُؤٌ لَولاكُمُ
كَيفَ السَخاءُ وَكَيفَ ضَربَ الهامِ