في الصحراء لـ سيد قطب

في ليلة من ليالي الخريف المقمرة، الراكدة الهواء، المحتبسة الأنفاس،
وفي صحراء جبل المقطم الموحشة، وبين هذا الفقر الصامت الأبيد –
كانت تتراءى نخلات ساكنات في وجوم كئيب ومن بينها نخلتان :
إحداهما طويلة سامقة، والأخرى صغيرة قميئة
.
بين هاتين النخلتين دار حديث، وكانت بينهما همسات ومناجاة!
،
الصغيرة :
.
ما لنا في ذلك القفرُ هنا
ما برحنا منذ حين شاخصات؟
كل شيء صامت من حولنا
وأرانا نحن أيضًا صامتات!
،
تطلع الشمس علينا وتغيب
ويطل الليل كالشيخ الكئيب
والنجوم الزهر تغدو وتثوب
،
وهجيرٌ وأصيل وطلوعٌ وأفول ثم نبقى في ذهول ساهمات!
***
أفلا تدرين يا أختي الكبيرة
ما الذي أطْلَعنا بين اليباب؟
أيمّا إثم جنينا أو جريرة
سلكتنا في تجاويف العذاب؟
،
قد سئمتُ اللبث في هذا المكان
لبثة المصلوب في صلب الزماان
أفما آن لتبديلٍ أوان؟
،
حدثيني لمَ نشقى؟ حدثيني كم سنلقى؟ حدثيني كم سنبقى / واقفات؟
الكبيرة :
أنا يا أختاهُ : لا أدري الجواب
ودفينُ السر لم يُكشف لنا
منذ ما أطلعتُ في هذا الخراب
وأنا أسألُ : ما شأني هنا؟
،
فيجيب الصمت حولي بالسكون!
وأنا أخبط في وادي الظنون
لستُ أدري حكمة الدهر الضنين
،
غيرَ أنّا حائرات والليالي العابثات تتجنّى ساخرات / لا هيات!
***
ربما كنّا أسيرات القدر
تسخر الأيام منا والليالي!
تضرب الأمثال فينا والعبر
وإذا نشكو أذاها لا تبالي!
،
ربما كنا مساحير الزمن!
قد مسخنا هكذا بين القنن
في ارتقاب الساحر المحيي الفطن!
،
فإذا كان يعود فك هاتيك القيود فرجعنا للوجود / طافرات!
***
أو ترانا نسل أرباب قدامى
قد جفاها وتولى العابدون!
جفت الكأس لديها، والندامى
غادروا ندوتها تنعى القرون
،
أو ترانا مسخ شيطان رجيم
صاغنا في ذلك القفر الغشوم!
وتولى هاربا خوف الرجوم!
،
فبقينا في العراء يجتوينا كل راء وسنبقى في جفاء / شاردات!
***
لستُ أدري : كل شيء قد يكون
فتلقى كل شيء في سكون
وإذا ما غالنا غول المنون
فهنا يعمرنا فيض اليقين!
،
ثم ساد الصمت كالطيف الحزين
وتسمعت لأقدام السنين
وهو تخطو خطوة الشيخ الرزين
هامسات في الرمال منشدات في جلال كل شيء للزوال / والشتات!