أخلاي أين المعولات النوائح لـ نيقولاس الصائغ

أَخلَّايَ أَينَ المُعوِلاتُ النوائِحُ
وأَينَ النُعَى والمُثكَلاتُ الصوائحُ

وأَينَ الذي يبكي بعينٍ سخينةٍ
دِماءً تُلظِّيها الحَشَى والجوارحُ

رُبوعٌ غدت في وَحشةٍ بعدَ أُنسِها
لذا سَفَحَت في سَفحِهِنَّ السوافحُ

تَضرَّمَتِ الأَحشاءُ حتَّى شُواظُها
لسائِر مَحوَى ظاهر الجِسمُ لافحُ

ولم يَبرَحِ التبريحُ يُضرِمُ في الحَشَى
لهيبَ أَسىً أَذكَت صِلاةُ البوارحُ

فهل يُمكِنُ الإِضمارُ والشأنُ ظاهرٌ
وهل تُكتَمُ الأَسرارُ والشأن بائِحُ

فبي كَمَدٌ وأراهُ ذَيلُ تَجَلُّدي
ولكنه أورته في القوادح

وأَجهَدتُ نفسي في استِتارِ مَصابها
مَخافةَ أَن تَسطُو عليَّ المفاضحُ

وناهيكَ دهرٌ شَوطُ كلِّ مُلِمَّةٍ
وكلٌّ بهذا الشَوطِ سارٍ وسارحُ

تَهدَّمَ رُكنٌ وانهَوَى شامخُ الذُرَى
وقُوِّضَ صَرحٌ ما لعُلياهُ ماسحُ

وغُيِّضَ بحرٌ زاخرٌ لا مُزاخِرٌ
لذاخرهِ إذ أَفرَدَته الصوالحُ

عَجِبتُ لرَمسٍ ضَمَّ بحرًا عَرَمرَمًا
وكوكبِ أُفقٍ غَيَّبَتهُ الأَباطحُ

حَنانَيكَ عبدَ اللَهِ غادرتَ صُحبةً
لضِيقتها الجُلَّى تَضِيقُ الصحاصحُ

أُحاشيكَ أَن أَدعُوكَ بحرًا لأَنَّهُ
وَرُودُكَ عَذبٌ والبُحورُ موالحُ

فما الشرقُ إِلَّا شارقٌ ببُكائهِ
عليكَ وغَربُ الغَربِ بِالدمعِ سافحُ

فيا لَكَ خَطبًا عَمَّ شرقًا ومَغرِبًا
فخُصَّ بهِ كلٌّ قريبٌ ونازحُ

اخير يوم العام عند غوؤبه
قد انطفأ منه وعنا المصابح

فأَغَرَبَتِ الشمسانِ واختَفَتا معًا
فظَلنا ووَجهُ الكَونِ أَسفَعُ كالحُ

ووُشِحَ بالأَكفانِ وجهٌ مكرَّمٌ
عليهِ من الفضل السنيِّ وشائحُ

لقد وجبت شمس الضحى قبل حينها
وأوجب نجمٌ بالملامح لامحُ

وغَلَّ الثُرَيَّا غائلُ الدهرِ في الثَرَى
وغالت فُؤادَ الفَرقَدَينِ الفَوادحُ

فهل سافت العَيُوقَ سيَّافةُ الرَدَى
وهل رَمَحَ الجَبَّارَ بالموتِ رامحُ

نَحا عن دِيارٍ وانتَحَى لِدِيارةٍ
وما زالَ فيها وَهوَ للمجدِ طارحُ

إلى أَن قَضَى ما بينَ رُهبانِها وهم
لَدَيهِ وكلٌّ ناحبُ القلبِ نائِحُ

كهالةِ بدرٍ جُثَّمًا بِصَلاتِهِم
بأَلسِنةٍ سُجٌ وأَيدٍ مسابحُ

وسَلَّمَ طَوعًا في يَدِ اللَهِ رُوحَهُ
بكلِّ أمانٍ وهو جَذلانُ فارحُ

فهذا خِتامُ التاركِ العالَمَ الذي
بِوادي بَوادِيهِ تَجُوحُ الجوائِحُ

وعاشَ مع الأَبرارِ في الديرِ ناسكًا
تُقدَّمُ بالإِمساكِ منهُ ذبائِحُ

لقد كانَ لي سعدَ السُعودِ فمُذ قَضَى
تَقاضانيَ السعدُ الذي ليَ ذابحُ

وأَودَعَني إذ لم يَكُن لي مُودِّعًا
وديعةَ نارٍ أُودِعَتها الجوانحُ

تَنازعَ عقلي الحالتانِ فنادبٌ
عَوارفَهُ طَورًا وطَورًا فمادحُ

فلم أَدرِ هل تَنعَى عليهِ المنايِح
مَدَى الدهرِ أم تُثنِى عليهِ المدائحُ

أَما إِنَّهُ بحرُ المَجَرَّةِ بالحِجَى
فضائِلُهُ فيهِ الدراري السوابحُ

ونُقطةُ بيكار بدائِرَةِ العُلَى
خُطوطُ التُقَى كلٌّ بهِ لا يُبَارِحُ

حديدُ النُهَى والعَزمِ والحَزمِ والقُوَى
وسَهلُ اللِقا سَمحُ الأَكُفِّ مُسامحُ

يُقطّبُ لكن لا غَضُوبٌ ونافرٌ
ويَبسُمُ لكن لا لَعُوبٌ ومازحُ

تُقادُ إليه كلُّ نفسٍ أبيةٍ
كأن بُرَةٌ منهُ عليها النصائح

فما زالَ مأهولَ المغاني لأنهُ
مُشيرٌ عجيبٌ صائِبُ الرأي ناصحُ

يُبادِرُهُ إن فاهَ عقلٌ ومِسمَعٌ
وإِن صَمَّمَ الآراءَ صَمَّ المُطارِحُ

فكم من نُفُوسٍ قد دَهاها عُتُوُّها
غَدَت ولَها عن غَيِها منهُ كابحُ

بتأنيِبِه آضَمت نُفوسٌ شواردٌ
وتهذيبِهِ ارتاضَت رُؤسٌ جوامحُ

بتِرياقِهِ الشافي المجرَّبِ كم شَفَى
لديغَ هوامِ الإِفكِ والحقُّ واضحُ

وفَنَّدَ بالتفنيدِ كلَّ عضيهةٍ
وأَرتَقةٍ فَهوَ الكَمِيُّ المُكافحُ

وبَرهَنَ بالبُرهانُ كلَّ يقينةٍ
فدانَ لها هامُ العنيدِ المُناطِحُ

وكم رَدَّ بالرَدِّ الخطيرِ نُهىً لها
جَماحٌ إلى مَهوَى الرَدَى ومَطامِحُ

معاني جِدالٍ جَدلُهُنَّ قد انفَرَت
بهِ جُدُلٌ ما صافَحَتها الصفائِحُ

وكَم ضاقَ صَدرٌ من معانٍ ضُئيلةٍ
أَبانَ خوافيا بما هُوَ شارحُ

ورَدَّ على عَجزِ الأَضاليل صَدرَها
ففاءَت بعجزٍ ذَيَّلتهُ الفواصحُ

أزالَ رِتاج المُشكِلاتِ كأَنَّهُ
لأَقفالِ أَغلاقِ المعاني مفاتحُ

وأَلقَحَ عقماءَ الفُهُوم بناتجٍ
من العِلمِ فانصاعت بهِ وهي لائحُ

حَوَى مَنطِقًا عِلمًا ولفظًا تَجانَسَا
فان فاهَ قلتَ الطيبُ والمسكُ فائِح

ونحوًا وصرفًا صارفًا فيهِ نحوَهُ
إلى اللَه لم يَجنَح لهُ عنهُ جانحُ

ونظمًا وإِنشاءً ونثرَ رسائِلٍ
تُراسِلُ رَيَّاها العُطورُ النوافحُ

وحازَ بمَيدانِ اليَراعِ بَراعةً
أَبَت أَن تُجاريهِ الفُحولُ القوارحُ

وإِعرابَ أَسفارِ تَمنَّعَ خِدرُها
جَلاها بَيانٌ منهُ للمنعِ فاتحُ

ووعظًا نَهِيٌّ الأمرِ والنَهيِ في النُهَى
تَناهت بهِ فالجهلُ عنهنَّ زائِحُ

واصح صنعًا في اصطناع ضائع
وتلك اختصاصات لها اللَه مانح

ولم يلف بطالًا ولو عمر ساعةٍ
ولكنه الجسم والروح كادح

تًصدَّر بالتقديمِ كُلًا كمثلِ ما
تُصدِّرُ أبوابَ الكِتابِ الفواتحُ

فأَثن ولا تنثنِ فيهِ مَبَرَّةً
فما صالحٌ يأبى الثنا عنهُ صالحُ

ذكا حاسدٌ من نشرِ معروفهِ وقد
طَوَى كَشحَهُ منهُ على النارِ كاشحُ

فأَتَّى تَوارَى نشرُ طِيبِ صنيعِهِ
وهل تختفي الأَطيابُ والعَرفُ نافحُ

وهل يُنكَرَنَّ البدرُ والضوءُ شاهدٌ
وهل تُجحَدَنَّ الشمسُ والنُورُ لائِحُ

فتىً لم يَخَل إلَّا الصنيعةَ مَربَحًا
فلم يَألُ عنها فَهيَ نِعمَ المرابحُ

غديقُ الحِبا لكِنَّهُ لا مُرحِّبٌ
غديقُ الأَيادي للمكارمِ مائحُ

خِلالٌ كالإِغريضِ حُسنًا ونَضرةً
بغيرِ ابتِذالٍ وَهيَ طَلعٌ وبالحُ

وطبعٌ كماءِ المُزنِ صَفوًا ورِقَّةً
مَدَى العُمرِ بالإِحسانِ وافٍ وسانحُ

ومستأثرٌ طبعًا بكلِّ فضيلةٍ
لهُ سَعَةٌ فُضلَى بها ومَنادِحُ

أَضاقَ نِطاقَ النُسكِ حِفظًا لِعفَّةٍ
جوارحُهُ منها هِزالٌ طِلائحُ

طويلُ أَيادٍ وافرُ الجُودِ كاملٌ
وفي كل وزنٍ مستقيمٌ وراجحُ

أمينٌ على حِفظِ السرائِرِ لم يكن
بفيهِ لسانٌ بالسرائِرِ بائحُ

كأَنَّ وراءَ القلبِ منهُ لِسانَهُ
فلا كاشفٌ سِترًا ولا هُوَ قادح

ولا ناكثٌ عهدًا ولا ناهكٌ حِمَى
وِدادٍ ولو أَن طَوَّحَتهُ الطوائِحُ

ومنتبهُ الطَرفَينِ قلبًا وناظرًا
على الخيرِ مِقدامٌ عن الشرِّ جانحُ

نجا بنجيح الرأيِ من مقَتِصَ العِدَى
وأُنجِحَ سعيًا فَهوَ ناجٍ وناجحُ

وصَرَّدَ سهمَ اليأس رَغفُ رَجائهِ
وكَسَّرَ فَخًّا هَيَّأَتهُ الكواشحُ

وراعَ الأَعادي والحواسدَ جَمَّةً
كما رَوَّعَت قلبَ البُغاثِ الجوارحُ

فَتىً لم يهله نزغٌ حاسدِ نعمةٍ
كما لم تَهُل ليثَ العرينِ النوائِحُ

فيرثيهِ بالأَشعار بادٍ وحاضرٌ
ويبكيهِ في الأَسفارِ غادٍ ورائحُ

وتَنعاهُ أَعماقُ المعاني على المدى
وراموزُها ما عامَ فيهِنَّ سابحُ

ولو أَن تَوارَى الذِهنُ من جَزَع الأَسَى
لأَورَى بهِ زَندٌ من الوجدِ قادحُ

قَدِ اقتَرَحَت مدحًا علينا نِكاتُهُ
فغِرنا لهُ لكن غَرَتنا القرائحُ

لَئن دامتِ الآثارُ تَندُبُ فَقدَهُ
فلا غرو أن دامت عليهِ المنايِحُ

فوُرقُ الحِمَى كُلٌّ عليهِ بأَيكِها
نَعاءً ونعتًا نائحاتٌ صوادحُ

تَغمَّدهُ الرَحمنُ في ظلِّ رحمةٍ
وبلَّ ثَراهُ وابلُ الغيثِ ناضحُ

وجازَت لهُ فينا وحازَت شَفاعةٌ
من اللَه حُسنَ الصفحِ فاللَهُ صافحُ

إرسال تعليق

0 تعليقات