ما مرأَةُ السَوءِ إِلَّا وَهدةُ العَطَبِ
فاحذَر بِلاها وإن نادت فلا تُجِبِ
ذَرها تَشُقُّ قميصًا انتَ لابسُهُ
واهرُب كيُوسُفَ يومًا فازَ بالهَرَبِ
قبيحةُ الحُسنِ كم ساءَت مَحاسنُها
كأَنَّها السُمُّ في كأسٍ مِنَ الذَهَبِ
جميلةُ الوجهِ لكِن لا جميلَ لها
تأبى الجميلَ ولا تُولِي سِوَى الكُرَبِ
ذي ضربةُ القلبِ فاضرِب عن مَضارِبها
ولا تَلج لُجَّة الأحزان واللَجَبِ
ما فَوَّقَت قَطُّ سهمًا من لواحِظِها
إِلَّا وأَصمَت بذاكَ السهمِ كُلَّ غبي
مَناصلُ الخَتلِ منها أُرهِفَت فَغَدَت
تغزو الرِجالَ بلا بَيضٍ ولا يَلَبِ
كم غادَرَت قلبَ عانٍ لا حَراكَ بهِ
وقلَّما فَوَّقَت سهمًا فلم يُصِبِ
وكم نفوسٍ مَشَى فيها الرَدَى خَبَبًا
لمَّا مَشَت في الهوى نَهدًا على خَبَبِ
تبدو لعاشقها في مَنظَر بَهِجٍ
وتستسرُّ دَهًا في مَخبرَ كَرِبِ
نَضَت نِقابَ الحَيا عنها وقد بَرَزَت
لَنا بوَجهٍ من الفَحشاءِ مُنتَقِبِ
تُولِي عُهودًا ولكن لا بَاتَ لها
كأَنَّها طُبِعَت طبعًا على الكَذِبِ
مُحِبَّةُ الذاتِ واللَّذَّاتِ عن سَغَبٍ
رغيبةُ القلبِ لم تَسأَم من الطَلَبِ
فَقرَ المَعِيشةِ نزعَ الشانِ ما فَتِئَت
هدمَ الحيوةِ لِواءَ العارِ والرِيَبِ
بابَ الجحيمِ ظَلامَ العقلِ مكُدِرة ال
حَواسِ فَخَّ البَلايا حَلبةَ الصَخَبِ
يَمَّ الوقيعةِ وادي المُنكَراتِ فقُل
في حُجرِها الشَرُّ مَعها قد نَشَا ورَبي
تَاللَهِ إِنَّ هواها فاعلٌ أَبَدًا
بِذي الجَهالةِ فعلَ النارَ بالحَطَبِ
ولم تَزَل لِقُلوبٍ مُنذُ هِمنَ بها
داءً من الجهلِ أو ضَربًا من النُقَبِ
لا صبَّحَتها الأَماني إِنَّ صُحبَتَها
نارُ فلا تَكُ إِيَّاها بمُصطَحِبِ
مَن يَلمِسِ القارَ يَلصَق في يَدَيهِ ومَن
يَقُرب مِنَ النارِ هل يَنجُو مِنَ اللَهَبِ
إِنَّ الذينَ قَضَوا منها مَآرِبَهم
لهم جِوارُ ظَلامٍ في الجحيمِ خُبِي
فلو سَبَرتَ أُهَيلَ النارِ كُلَّهُمُ
وجدتَ أَكثَرَهم من بالجَمالِ سبِي
ومذ غدا فعلها للفحش منتسبًا
ناديت فانتسبي يا فاجر انتسبي
قالت تبصَّر فِعالي فَهيَ تَغسُبُني
والِفعلُ يا صاح قد يُغنِي عن النَسَبِ
أَلَستَ تَعلَمُ أَنّي أصلُ كلِّ بِلىً
فالمَكرُ أُمّي وغدرُ الغادرينَ أَبِي
تَاللَهِ إِن شِئتَ تدري قُبحَ مُنتَسَبي
أَصِخ لَمِا جاءَ في الأَسفارِ والكُتُبِ
أنا التي لم تُطِع أمرَ الإلهِ وقد
أسلَمتُ كُلَّ الوَرَى للحُزنِ والوَصَبِ
أخرجتُ آدَمَ من دارِ السَلام ومن
ذاك السَلامِ لدارِ الحَرب والحَرَبِ
يا حيَّة الخُبث لا حُيِيّتِ من بَشَرٍ
عِفتِ الحَيا واستَعَضتِ قِلَّةَ الأَدَبِ
أَيَا فَجارِ إلى كم تَعبَثينَ بنا
أَيَا وَقاحَ المحيَّا قَدكِ فاتَّئِبي
لا كنتِ يا مَنبَعَ العِصيانِ من قِدَمٍ
إذ أَنتِ أصلُ البلى والهَيجِ والشَغَبِ
لولاكِ ما طُرِدَ الإِنسانُ منخذلًا
لدارِ نارِ الأَسَى والضنكِ واللَغَبِ
كَلَّا ولا نُزِعت منهُ بَرارتهُ
بأكلةٍ من فواجي قلبكِ الرغِبِ
واعتاضَ بالذُلّ بعدَ العِزّ حيثُ غدا
ممَّا بِهِ هَدَف الأَعراض والنُوَبِ
تَبًّا لها أُكلةً أَفضَت بآكِلِها
إلى الرَدَى بجزيل الضُرّ والسَغَبِ
لولاكِ ما أَهلكَ اللَهُ البريَّةَ بال
طُوفانِ عدلًا وأَلقاها إلى الغَضَبِ
لولاكِ ما أَسِفَ اللَهُ الرحيمُ على
إبداعِ عالَمِهِ من سالف الحُقَبِ
لولاكِ لم يَمُتِ ابنُ اللَه مُرتفعًا
على الصليبِ رقيقَ الحكُم والشَجبِ
يا راحةً حيثُما راحت جَنَت تَعَبًا
لا خيرَ في راحةٍ تُفضِي إلى التَعَبِ
ويا عَذابًا رآهُ جاهلٌ عَذِبا
ولم يَكُن لِذَوي الأَلبابِ بالعَذِبِ
مهما تشاءِي فقولي إِنَّني رجلٌ
لسُوءِ صُنعِكِ أَضحَى ذمُك أَربي
لما تخذت المرا والمفترى دأبًا
تخذت هجوك ما بين الورى دأبي
كم قد سلبت فتى حرًا وبزته
أغراك ذا السلب في المسلوب لا السلب
وكم تناهبتِ ألبابَ الرجالِ وكم
افنيتِ ثَروةَ ذي إِرثٍ وذي نَشَبِ
وكم عزيزٍ حسيبٍ في هواكِ غدا
ذُلًا مُهانًا بلا عِزٍّ ولا حَسَبِ
وكم ذَوَى منكِ يا ريحَ السَمُوم فتىً
غَضُّ الشبيبةِ يزهو بالصِبا الرَطِبِ
وكم لعبت بهامٍ في الخداع وكم
اتهمت حرًا بريئًا مات بالرعب
كم ياتَ مرفوع قدرٍ منكِ منخفضًا
لمّا نصبتِ شراكَ اللحظِ للنَصَبِ
كلَّفتِ أَسراكِ عِبئًا لو تَحمَّلَهُ
صُمُّ الشوامخِ لاندَكَّت إلى التُرَبِ
تَاللَهِ إِنَّ أُصُولَ الإِثم أربعةٌ
تَبًّا لَمِن كانَ عنها غير مُحتَجِبِ
وَهيَ النسا والغِنَى والسُكرُ يَشفَعه
قُبحُ البَطالةِ ذاتِ اللَهو واللَعبِ
كيفَ التَخَلُّصُ من هذي الفِخاخ إذا
لم تَلتفت مريمٌ نحوي وتَلطُفَ بي
بتولةٌ لم أَضِق ذَرعًا فعُذتُ بها
إلَّا وفَرَّجَتِ الضِيقاتِ بالرُحُبِ
ما أَسفَرَت لحليفِ الغَمّ طلعتُها
إلَّا وبَدَّلَتِ الأَحزانَ بالطَرَبِ
بِكرٌ ووالدةٌ فاعظِم بها لَقَبًا
إِشارةً بِهِما عن أَشرَفِ اللَقَبِ
رَقَت بمجدٍ إلى السَبعِ الطِباقِ وقد
أَزرَت بأَفلاكها والسبعةِ الشُهُبِ
سُلطانةُ الأرضِ طُرًّا والسماءِ لقد
عَلَت بدُونِ حِجابٍ عاليَ الحُجُبِ
لذا الملائكُ دانت نحو خِدمَتِها ال
فُضلَى وكلُّ رسولٍ فاضلٍ ونَبِي
والآبُ فَخَّمَها والإِبنُ كَرَّمَها
والرُوحُ عَظَّمَها في أَمجَدِ الرُتَبِ
يا أُمَّ افضلِ مولودٍ بمَولِدِهِ
رَجاءُ آدَمَ مِمَّا رامَ لم يَخِبِ
لقد حَصَلتِ لإِنقاذِ الوَرَى سَبَبًا
إِنَّ المُسبَّبَ منسوبٌ إلى السَبَبِ
وقد تملَّكتِ كُلِّي يا بتولُ لذا
سِواكِ لو شبتُ مع حُبِّيكِ لم أَشُبِ
كأَنَّ فضلَكِ مرأَى ناظري بَصَري
فحيثُما مِلتُ عن عَينَيَّ لم يَغِبِ
وعائبٍ قد لحاني في مَحبَّتها
إِلَيكَ عنِّي فلو أَنصفتَ لم تَعِبِ
لو ذُقتَيا لائمي مَجنَى مَحامِدِها
لم تُوجِبِ الآنَ ما بالحُبِّ لم يَجِبِ
هذي التي أَدرَكَتنا بالنجاةِ وقد
كُنَّا وريحَ مَساوِي العُمر كالقَصَبِ
هذي التي عَمَّنا إِفضالُ نائِلِها
ماذا البُحورُ وماذا فائضُ السُحُبِ
اني اميل بذكرى مدحها طربًا
كأنني ثمل من خمرة العنب
كرِّر نِداها وقُل يا خيرَ بِنتِ أَبٍ
يا خيرَ بنتِ ابٍ يا خيرَ بِنتِ أَبِ
طوباكِ يا مريمُ البكرُ التي نَشَرَت
راياتِ آياتِها في العُجمِ والعَرَبِ
مالي سِوَى ظِلِّكِ المأمون إِنَّ بهِ ال
أَمانَ يُنقِذُ نفسي من يدِ الرَهَبِ
لكِ السلامُ أَيَا سؤلي ومُعتَمَدي
ما غنَّت الوُرقُ أَسحارًا على القُضُبِ
لكِ السلامُ مَدَى الأَيام ما رَفَعَ ال
حادي عقيرتَهُ في السِيرِ بالنُجُبِ
لكِ السلامُ من الرَحمان ما سَمَحَ ال
فِكرُ الضنينُ بمدحٍ فيك بالنُخَبِ
لقد تَزيَّنَ شِعري في مديحكِ مِثلَما
تَزيَّنَ ثَغرُ الكأسِ بالحَبَبِ
فدُونكِ النظمَ دُرًّا فيكِ منتظمًا
بمِدحةٍ نُظِمَت للحُسن بالسُحُبِ
تُشجِيهِ غِريّدةٌ في روضةٍ رَوِيَت
من نَوءِ بحرٍ بسيطِ المدحِ مقتَضَبِ
حُسنَ التَخَلُّصِ يا ختمَ المواهبِ في
حُسنِ الختامِ لراجيكِ الأَثيمِ هِبي
0 تعليقات