أصب بحميا كأسها مقتل العذل لـ أبي تمام

أَصِب بِحُمَيّا كَأسِها مَقتَلَ العَذلِ
تَكُن عِوَضًا إِن عَنَّفوكَ مِنَ التَبلِ

وَكَأسٍ كَمَعسولِ الأَماني شَرِبتُها
وَلَكِنَّها أَجلَت وَقَد شَرِبَت عَقلي

إِذا عوتِبَت بِالماءِ كانَ اعتِذارُها
لَهيبًا كَوَقعِ النارِ في الحَطَبِ الجَزلِ

إِذا هِيَ دَبَّت في الفَتى خالَ جِسمَهُ
لِما دَبَّ فيهِ قَريَةً مِن قُرى النَملِ

إِذا ذاقَها وَهيَ الحَياةُ رَأَيتَهُ
يُعَبِّسُ تَعبيسَ المُقَدَّمِ لِلقَتلِ

إِذا اليَدُ نالَتها بِوِترٍ تَوَقَّرَت
عَلى ضَعفِها ثُمَّ استَقادَت مِنَ الرِجلِ

وَيَصرَعُ ساقيها بِإِنصافِ شَربِها
وَصَرعُهُمُ بِالجَورِ في صورَةِ العَدلِ

سَقى الرائِحُ الغادي المُهَجِّرُ بَلدَةً
سَقَتنِيَ أَنفاسَ الصَبابَةِ وَالخَبلِ

سَحابًا إِذا أَلقَت عَلى خِلفِهِ الصَبا
يَدًا قالَتِ الدُنيا أَتى قاتِلُ المَحلِ

إِذا ما ارتَدى بِالبَرقِ لَم يَزَلِ النَدى
لَهُ تَبَعًا أَو يَرتَدي الرَوضُ بِالبَقلِ

إِذا انتَشَرَت أَعلامُهُ حَولَهُ انطَوَت
بُطونُ الثَرى مِنهُ وَشيكًا عَلى حَملِ

تَرى الأَرضَ تَهتَزُّ ارتِياحًا لِوَقعِهِ
كَما ارتاحَتِ البِكرُ الهَدِيُّ إِلى البَعلِ

فَجادَ دِمَشقًا كُلَّها جودَ أَهلِها
بِأَنفُسِهِم عِندَ الكَريهَةِ وَالبَذلِ

سَقاهُم كَما أَسقاهُمُ في لَظى الوَغى
بِبيضِ صَفيحِ الهِندِ وَالسُمُرِ الذُبلِ

فَلَم يُبقِ مِن أَرضِ البِقاعَينِ بُقعَةً
وَجادَ قُرى الجَولانِ بِالمُسبِلِ الوَبلِ

بِنَفسِيَ أَرضُ الشامِ لا أَيمَنُ الحِمى
وَلا أَيسَرُ الدَهنا وَلا وسَطُ الرَملِ

وَلَم أَرَ مِثلي مُستَهامًا بِمِثلِكُم
لَهُ مِثلُ قَلبي فيهِ ما فيهِ لا يَغلي

عَدَتنِيَ عَنكُم مُكرَهًا غُربَةُ النَوى
لَها طَربَةٌ في أَن تُمِرَّ وَلا تُحلي

إِذا لَحَظَت حَبلًا مِنَ الحَيِّ مُحصَدًا
رَمَتهُ فَلَم يَسلَم بِناقِضَةِ الفَتلِ

أَتَت بَعدَ هَجرٍ مِن حَبيبٍ فَحَرَّكَت
صُبابَةَ ما أَبقى الصُدودُ مِنَ الوَصلِ

أَخَمسَةُ أَحوالٍ مَضَت لِمَغيبِهِ
وَشَهرانِ بَل يَومانِ نِكلٌ مِنَ النِكلِ

تَوانى وَشيكُ النُجعِ عَنهُ وَوُكِّلَت
بِهِ عَزَماتٌ أَوقَفَتهُ عَلى رِجلِ

وَيَمنَعُهُ مِن أَن يَبيتَ زَماعُهُ
عَلى عَجَلٍ أَنَّ القَضاءَ عَلى رِسلِ

قَضى الدَهرُ مِنّي نَحبَهُ يَومَ قَتلِهِ
هَوايَ بِإِرقالِ الغَريرِيَّةِ الفُتلِ

لَقَد طَلَعَت في وَجهِ مِصرَ بِوَجهِهِ
بِلا طالِعٍ سَعدٍ وَلا طائِرٍ سَهلِ

وَساوِسُ آمالٍ وَمَذهَبُ هِمَّةٍ
تَخَيَّلُ لي بَينَ المَطِيَّةِ وَالرَحلِ

وَسورَةُ عِلمٍ لَم تُسَدَّد فَأَصبَحَت
وَما يُتَمارى أَنَّها سَورَةُ الجَهلِ

نَأَيتُ فَلا مالًا حَوَيتُ وَلَم أُقِم
فَأَمتَعَ إِذ فُجِّعتُ بِالمالِ وَالأَهلِ

بَخِلتُ عَلى عِرضي بِما فيهِ صَونُهُ
رَجاءَ اجتِناءِ الجودِ مِن شَجَرِ البُخلِ

عَصَيتُ شَبا عَزمي لِطاعَةِ حَيرَةٍ
دَعَتني إِلى أَن أَفتَحَ القُفلَ بِالقُفلِ

وَأَبسُطَ مِن وَجهي الَّذي لَو بَذَلتُهُ
إِلى الأَرضِ مِن نَعلي لَما نَقَبَت نَعلي

عِداتٌ كَرَيعانِ السَرابِ إِذا جَرى
تُنَشَّرُ عَن مَنعٍ وَتُطوى عَلى مَطلِ

لِئامٌ طَغامٌ أَو كِرامٌ بِزَعمِهِم
سَواسِيَةٌ ما أَشبَهَ الحولَ بِالقُبلِ

فَلَو شاءَ مَن لَو شاءَ لَم يَثنِ أَمرَهُ
لَصَيَّرَ فَضلَ المالِ عِندَ ذَوي الفَضلِ

وَلَو أَنَّني أَعطَيتُ يَأسي نَصيبَهُ
إِذَن لَأَخَذتُ الحَزمَ مِن مَأخَذٍ سَهلِ

وَكانَ وَرائي مِن صَريمَةِ طَيِّئٍ
وَمَعنٍ وَوَهبٍ عَن أَمامِيَ ما يُسلي

فَلَم يَكُ ما جَرَّعتُ نَفسي مِنَ الأَسى
وَلَم يَكُ ما جَرَّعتُ قَومي مِنَ الثُكلِ

إرسال تعليق

0 تعليقات