متى أنت عن ذهلية الحي ذاهل لـ أبي تمام

مَتى أَنتَ عَن ذُهلِيَّةِ الحَيِّ ذاهِلُ
وَقَلبُكَ مِنها مُدَّةَ الدَهرِ آهِلُ

تُطِلُّ الطُلولُ الدَمعَ في كُلِّ مَوقِفٍ
وَتَمثُلُ بِالصَبرِ الدِيارُ المَواثِلُ

دَوارِسُ لَم يَجفُ الرَبيعُ رُبوعَها
وَلا مَرَّ في أَغفالِها وَهوَ غافِلُ

فَقَد سَحَبَت فيها السَحائِبُ ذَيلَها
وَقَد أُخمِلَت بِالنَورِ فيها الخَمائِلُ

تَعَفَّينَ مِن زادِ العُفاةِ إِذا انتَحى
عَلى الحَيِّ صَرفُ الأَزمَةِ المُتَماحِلُ

لَهُم سَلَفٌ سُمرُ العَوالي وَسامِرٌ
وَفيهِم جَمالٌ لا يَغيضُ وَجامِلُ

لَيالِيَ أَضلَلتَ العَزاءَ وَجَوَّلَت
بِعَقلِكَ آرامُ الخُدورِ العَقائِلُ

مِنَ الهيفِ لَو أَنَّ الخَلاخِلَ صُيِّرَت
لَها وُشُمًا جالَت عَلَيها الخَلاخِلُ

مَها الوَحشِ إِلّا أَنَّ هاتا أَوانِسٌ
قَنا الخَطَ إِلّا أَنَّ تِلكَ ذَوابِلُ

هَوىً كانَ خِلسًا إِنَّ مِن أَحسَنِ الهَوى
هَوىً جُلتَ في أَفنائِهِ وَهوَ خامِلُ

أَبا جَعفَرِ إِنَّ الجَهالَةَ أُمُّها
وَلودٌ وَأُمُّ العِلمِ جَدّاءُ حائِلُ

أَرى الحَشوَ وَالدَهماءَ أَضحَوا كَأَنَّهُم
شُعوبٌ تَلاقَت دونَنا وَقَبائِلُ

غَدَوا وَكَأَنَّ الجَهلَ يَجمَعُهُم بِهِ
أَبٌ وَذَوو الآدابِ فيهِم نَواقِلُ

فَكُن هَضبَةً نَأوي إِلَيها وَحَرَّةً
يُعَرِّدُ عَنها الأَعوَجِيُّ المَناقِلُ

فَإِنَّ الفَتى في كُلِّ ضَربٍ مُناسِبٌ
مَناسِبَ روحانِيَّةً مِن يُشاكِلُ

وَلَم تَنظِمِ العِقدَ الكَعابُ لِزينَةٍ
كَما تَنظِمُ الشَمعَ الشَتيتَ الشَمائِلُ

وَأَنتَ شِهابٌ في المُلِمّاتِ ثاقِبٌ
وَسَيفٌ إِذا ما هَزَّكَ الحَقُّ قاصِلُ

مِنَ البيضِ لَم تَنضُ الأَكُفُّ كَنَصلِهِ
وَلا حَمَلَت مِثلًا إِلَيهِ الحَمائِلُ

مُؤَرِّثُ نارٍ وَالإِمامُ يَشُبُّها
وَقائِلُ فَصلٍ وَالخَليفَةُ فاعِلُ

وَإِنَّكَ إِن صَدَّ الزَمانُ بِوَجهِهِ
لَطَلقٌ وَمِن دونِ الخَليفَةِ باسِلُ

لَئِن نَقِموا حوشِيَّةً فيكَ دونَها
لَقَد عَلِموا عَن أَيِّ عِلقٍ تُناضِلُ

هِيَ الشَيءُ مَولى المَرءِ قِرنٌ مُبايِنٌ
لَهُ وَابنُهُ فيها عَدُوٌّ مُقاتِلُ

إِذا فَضَلَت عَن رَأيِ غَيرِكَ أَصبَحَت
وَرَأيُكَ عَن جِهاتِها السِتِّ فاضِلُ

وَخَطبٍ جَليلٍ دونَها قَد شَغَلتَهُ
وَفي دونِهِ شُغلٌ لِغَيرِكَ شاغِلُ

رَدَدتَ السَنا في شَمسِهِ بَعدَ كُلفَةٍ
كَأَنَّ انتِصافَ اليَومِ فيها أَصائِلُ

تَرى كُلَّ نَقصٍ تارِكَ العِرضِ وَالتُقى
كَمالًا إِذا المُلكُ اعتَدى وَهوَ كامِلُ

جَمَعتَ عُرى أَعمالِها بَعدَ فُرقَةٍ
إِلَيكَ كَما ضَمَّ الأَنابيبَ عامِلُ

فَأَضحَت وَقَد ضُمَّت إِلَيكَ وَلَم تَزَل
تُضَمُّ إِلى الجَيشِ الكَثيفِ القَنابِلُ

وَما بَرِحَت صُوَرًا إِلَيكَ نَوازِعًا
أَعِنَّتُها مُذ راسَلَتكَ الرَسائِلُ

لَكَ القَلَمُ الأَعلى الَّذي بِشَباتِهِ
تُصابُ مِنَ الأَمرِ الكُلى وَالمَفاصِلُ

لَهُ الخَلَواتُ اللاءِ لَولا نَجِيُّها
لَما احتَفَلَت لِلمُلكِ تِلكَ المَحافِلُ

لُعابُ الأَفاعي القاتِلاتِ لُعابُهُ
وَأَريُ الجَنى اشتارَتهُ أَيدٍ عَواسِلُ

لَهُ ريقَةٌ طَلٌّ وَلَكِنَّ وَقعَها
بآِثارِهِ في الشَرقِ وَالغَربِ وابِلُ

فَصيحٌ إِذا استَنطَقتَهُ وَهوَ راكِبٌ
وَأَعجَمُ إِن خاطَبتَهُ وَهوَ راجِلُ

إِذا ما امتَطى الخَمسَ اللِطافَ وَأُفرِغَت
عَلَيهِ شِعابُ الفِكرِ وَهيَ حَوافِلُ

أَطاعَتهُ أَطرافَ القَنا وَتَقَوَّضَت
لِنَجواهُ تَقويضَ الخِيامِ الجَحافِلُ

إِذا استَعزَزَ الذِهنَ الذَكِيَّ وَأَقبَلَت
أَعاليهِ في القِرطاسِ وَهيَ أَسافِلُ

وَقَد رَفَدَتهُ الخَنصَرانِ وَشَدَّدَت
ثَلاثَ نَواحيهِ الثَلاثُ الأَنامِلُ

رَأَيتَ جَليلًا شَأنُهُ وَهوَ مُرهَفٌ
ضَنىً وَسَمينًا خَطبُهُ وَهوَ ناحِلُ

أَرى ابنَ أَبي مَروانَ أَمّا عَطاؤُهُ
فَطامٍ وَأَمّا حُكمُهُ فَهوَ عادِلُ

هُوَ المَرءُ لا الشورى استَبَدَّت بِرَأيِهِ
وَلا قَبَضَت مِن راحَتَيهِ العَواذِلُ

مُعَرَّسُ حَقٍّ مالُهُ وَلَرُبَّما
تَحَيَّفَ مِنهُ الخَطبُ وَالخَطبُ باطِلُ

لَقاحٌ فَلَم تَخدِجهُ بِالضَيمِ مِنَّةٌ
وَلا نالَ أَنفًا مِنهُ بِالذُلِّ نائِلُ

تَرى حَبلَهُ غَرثانَ مِن كُلِّ غَدرَةٍ
إِذا نُصِبَت تَحتَ الحِبالِ الحَبائِلُ

فَتىً لا يَرى أَنَّ الفَريضَةَ مَقتَلٌ
وَلَكِن يَرى أَنَّ العُيوبَ المَقاتِلُ

وَلا غُمُرٌ قَد رَقَّصَ الخَفضُ قَلبَهُ
وَلا طارِفٌ في نِعمَةِ اللَهِ جاهِلُ

أَبا جَعفَرٍ إِنَّ الخَليفَةَ إِن يَكُن
لِوُرّادِنا بَحرًا فَإِنَّكَ ساحِلُ

وَما راغِبٌ أَسرى إِلَيكَ بِراغِبٍ
وَلا سائِلٌ أَمَّ الخَليفَةَ سائِلُ

تَقَطَّعَتِ الأَسبابُ إِن لَم تُغرِ لَها
قُوىً وَيَصِلها مِن يَمينِكَ واصِلُ

سِوى مَطلَبٍ يُنضي الرَجاءَ بِطولِهِ
وَتُخلِقُ إِخلاقَ الجُفونِ الوَسائِلُ

وَقَد تَألَفُ العَينُ الدُجى وَهوَ قَيدُها
وَيُرجى شِفاءُ السَمِّ وَالسَمُّ قاتِلُ

وَلي هِمَّةٌ تَمضي العُصورُ وَإِنَّها
كَعَهدِكَ مِن أَيّامِ وَعدِكَ حامِلُ

سِنونَ قَطَعناهُنَّ حَتّى كَأَنَّما
قَطَعنا لِقُربِ العَهدِ مِنها مَراحِلُ

وَإِنَّ جَزيلاتِ الصَنائِعِ لِامرِىءٍ
إِذا ما اللَيالي ناكَرَتهُ مَعاقِلُ

وَإِنَّ المَعالي يَستَرِمُّ بَناؤُها
وَشيكًا كَما قَد تَستَرِمُّ المَنازِلُ

وَلَو حارَدَت شَولٌ عَذَرتُ لِقاحَها
وَلَكِن حُرِمتُ الدَرَّ وَالضَرعُ حافِلُ

مَنَحتُكَها تَشفي الجَوى وَهوَ لاعِجٌ
وَتَبعَثُ أَشجانَ الفَتى وَهوَ ذاهِلُ

تَرُدُّ قَوافيها إِذا هِيَ أُرسِلَت
هَوامِلَ مَجدِ القَومِ وَهيَ هَوامِلُ

فَكَيفَ إِذا حَلَّيتَها بِحُلِيِّها
تَكونُ وَهَذا حُسنُها وَهيَ عاطِلُ

أَكابِرَنا عَطفًا عَلَينا فَإِنَّنا
بِنا ظَمَأٌ مُردٍ وَأَنتُم مَناهِلُ

إرسال تعليق

0 تعليقات