لهان علينا أن نقول وتفعلا لـ أبي تمام

لَهانَ عَلَينا أَن نَقولَ وَتَفعَلا
وَنَذكُرَ بَعضَ الفَضلِ عَنكَ وَتُفضِلا

أَبا جَعفَرٍ أَجرَيتَ في كُلِّ تَلعَةٍ
لَنا جَعفَرًا مِن فَيضِ كَفَّيكَ سَلسَلا

فَكَم قَد أَثَرنا مِن نَوالِكَ مَعدِنًا
وَكَم قَد بَنَينا في ظِلالِكَ مَعقِلا

رَجَعتَ المُنى خُضرًا تَثَنّى غُصونُها
عَلَينا وَأَطلَقتَ الرَجاءَ المُكَبَّلا

وَما يَلحَظُ العافي جَداكَ مُؤَمِّلًا
سِوى لَحظَةٍ حَتّى يَؤوبَ مُؤَمِّلا

لَقَد زِدتَ أَوضاحي امتِدادًا وَلَم أَكُن
بَهيمًا وَلا أَرضى مِنَ الأَرضِ مَجهَلا

وَلَكِن أَيادٍ صادَفَتني جِسامُها
أَغَرَّ فَأَوفَت بي أَغَرَّ مُحَجَّلا

إِذا أَحسَنَ الأَقوامُ أَن يَتَطاوَلوا
بِلا نِعمَةٍ أَحسَنتَ أَن تَتَطَوَّلا

تَعَظَّمتَ عَن ذاكَ التَعَظُّمِ مِنهُمُ
وَأَوصاكَ نُبلُ القَدرِ أَلّا تَنَبَّلا

تَبيتُ بَعيدًا أَن تُوَجِّهَ حيلَةً
عَلى نَشَبِ السُلطانِ أَو تَتَأَوَّلا

إِذا ما أَصابوا غِرَّةً فَتَمَوَّلوا
بِها راحَ بَيتُ المالِ مِنكَ مُمَوَّلا

هَزَزتَ أَميرَ المُؤمِنينَ مُحَمَّدًا
فَكانَ رُدَينِيًّا وَأَبيَضَ مُنصُلا

فَما إِن تُبالي أَن تُجَهِّزَ رَأيَهُ
إِلى ناكِثٍ أَلّا تُجَهِّزَ جَحفَلا

تَرى شَخصَهُ وَسطَ الخِلافَةِ هَضبَةً
وَخُطبَتَهُ دونَ الخِلافَةِ فَيصَلا

وَأَنَّكَ إِذ أَلبَستَهُ العِزَّ مُنعِمًا
وَسَربَلتَهُ تِلكَ الجَلالَةَ مُفضِلا

لِتَقضي بِهِ حَقَّ الرَعِيَّةِ آخِرًا
وَتَقضي بِهِ حَقَّ الخِلافَةِ أَوَّلا

فَما هَضبَتا رَضوى وَلا رُكنُ مُعنِقٍ
وَلا الطَودُ مِن قُدسٍ وَلا أَنفُ يَذبُلا

بِأَثقَلَ مِنهُ وَطأَةً حينَ يَغتَدي
فَيُلقي وَراءَ المُلكِ نَحرًا وَكَلكَلا

مَنيعُ نَواحي السِرِّ فيهِ حَصينُها
إِذا صارَتِ النَجوى المُذالَةَ مَحفِلا

تَرى الحادِثَ المُستَعجِمَ الخَطبِ مُعجَمًا
لَدَيهِ وَمَشكولًا إِذا كانَ مُشكَلا

وَجَدناكَ أَندى مِن رِجالٍ أَنامِلًا
وَأَحسَنَ في الحاجاتِ وَجهًا وَأَجمَلا

تُضيءُ إِذا اسوَدَّ الزَمانُ وَبَعضُهُم
يَرى المَوتَ أَن يَنهَلَّ أَو يَتَهَلَّلا

وَوَاللَهِ ما آتيكَ إِلّا فَريضَةً
وَآتي جَميعَ الناسِ إِلّا تَنَفُّلا

وَلَيسَ امرُؤٌ في الناسِ كُنتَ سِلاحَهُ
عَشِيَّةَ يَلقى الحادِثاتِ بِأَعزَلا

يَرى دِرعَهُ حَصداءَ وَالسَيفَ قاضِيًا
وَزُجَّيهِ مَسمومَينِ وَالسَوطَ مِغوَلا

سَأَقطَعُ أَمطاءَ المَطايا بِرِحلَةٍ
إِلى البَلَدِ الغَربِيِّ هَجرًا وَموصِلا

إِلى الرَحِمِ الدُنيا الَّتي قَد أَجَفَّها
عُقوقي عَسى اَسبابُها أَن تَبَلَّلا

قَبيلٌ وَأَهلٌ لَم أُلاقِ مَشوقَهُم
لِوَشكِ النَوى إِلّا فُواقًا كَلا وَلا

كَأَنَّهُم كانوا لِخِفَّةِ وَقفَتي
مَعارِفَ لي أَو مَنزِلًا كانَ مَنزِلا

وَلَو شيتُ لَمّا التاثَ بِرّي عَلَيهِم
وَلَم يَكُ إِجمالًا لَكانَ تَجَمُّلا

فَلَم أَجِدِ الأَخلاقَ إِلّا تَخَلُّقًا
وَلَم أَجِدِ الأَفضالَ إِلّا تَفَضُّلا

وَأَصرِفُ وَجهي عَن بِلادٍ غَدا بِها
لِسانِيَ مَشكولا وَقَلبِيَ مُقفَلا

وَجَدَّ بِها قَومٌ سِوايَ فَصادَفوا
بِها الصُنعَ أَعشى وَالزَمانَ مُغَفَّلا

كِلابٌ أَغارَت في فَريسَةِ ضَيغَمٍ
طُروقًا وَهامٌ أُطعِمَت صَيدَ أَجدَلا

وَإِنَّ صَريحَ الرَأيِ وَالحَزمِ لَامرُؤٌ
إِذا بَلَغَتهُ الشَمسُ أَن يَتَحَوَّلا

وَإِلّا تَكُن تِلكَ الأَمانِيُّ غَضَّةً
تَرِفُّ فَحَسبي أَن تُصادِفَ ذُبَّلا

فَلَيسَ الَّذي قاسى المَطالِبَ غُدوَةً
هَبيدًا كَمَن قاسى المَطالِبَ حَنظَلا

لَئِن هِمَمي أَوجَدنَني في تَقَلُّبي
مَآلا لَقَد أَفقَدنَني مِنكَ مَوئِلا

وَإِن رُمتُ أَمرًا مُدبِرَ الوَجهِ إِنَّني
سَأَترُكُ حَظًّا في فِنائِكَ مُقبِلا

وَإِن كُنتُ أَخطو ساحَةَ المَحلِ إِنَّني
لَأَترُكُ رَوضًا مِن جَداكَ وَجَدوَلا

كَذَلِكَ لا يُلقي المُسافِرُ رَحلَهُ
إِلى مَنقَلٍ حَتّى يُخَلَّفَ مَنقَلا

وَلا صاحِبُ التَطوافِ يَعمُرُ مَنهَلًا
وَرَبعًا إِذا لَم يُخلِ رَبعًا وَمَنهَلا

وَمَن ذا يُداني أَو يُنائي وَهَل فَتىً
يَحُلُّ عُرى التَرحالِ أَو يَتَرَحَّلا

فَمُرني بِأَمرٍ أَحوَذِيٍّ فَإِنَّني
رَأَيتُ العِدا أَثرَوا وَأَصبَحتُ مُرمِلا

فَسِيّانِ عِندي صادَفوا لي مَطعَمًا
أُعابُ بِهِ أَو صادَفوا لي مَقتَلا

وَوَاللَهِ لا أَنفَكُّ أُهدي شَوارِدًا
إِلَيكَ يُحَمَّلنَ الثَناءَ المُنَخَّلا

تَخالُ بِهِ بُردًا عَلَيكَ مُحَبَّرًا
وَتَحسَبُهُ عِقدًا عَلَيكَ مُفَصَّلا

أَلَذَّ مِنَ السَلوى وَأَطيَبَ نَفحَةً
مِنَ المِسكِ مَفتوقًا وَأَيسَرَ مَحمَلا

أَخَفَّ عَلى قَلبٍ وَأَثقَلَ قيمَةً
وَأَقصَرَ في سَمعِ الجَليسِ وَأَطوَلا

وَيُزهى لَهُ قَومٌ وَلَم يُمدَحوا بِهِ
إِذا مَثَلَ الراوي بِهِ أَو تَمَثَّلا

عَلى أَنَّ إِفراطَ الحَياءِ استَمالَني
إِلَيكَ وَلَم أَعدِل بِعِرضِيَ مَعدِلا

فَثَقَّلتُ بِالتَخفيفِ عَنكَ وَبَعضُهُم
يُخَفِّفُ في الحاجاتِ حَتّى يُثَقِّلا

إرسال تعليق

0 تعليقات