أقشيب ربعهم أراك دريسا لـ أبي تمام

أَقَشيبَ رَبعِهِم أَراكَ دَريسا
وَقِرى ضُيوفِكَ لَوعَةً وَرَسيسا

وَلَئِن حُبِستَ عَلى البِلى لَقَد اغتَدى
دَمعي عَلَيكَ إِلى المَماتِ حَبيسا

فَكَأَنَّ طَسمًا قَبلُ كانوا جيرَةً
بِكَ وَالعَماليقَ الأُلى وَجَديسا

وَأَرى رُبوعَكَ موحِشاتٍ بَعدَها
قَد كُنتَ مَألوفَ المَحَلِّ أَنيسا

أَتُرى الفِراقَ يَظُنُّ أَنّي غافِلٌ
عَنهُ وَقَد لَمَسَت يَداهُ لَميسا

رودٌ أَصابَتها النَوى في خُرَّدٍ
كانَت بُدورَ دُجُنَّةٍ وَشُموسا

بيضٌ تَدورُ عُيونُهُنَّ إِلى الصِبا
بِكَأَنَّهُنَّ بِها يُدِرنَ كُوُوسا

وَكَأَنَّما أَهدى شَقائِقَهُ إِلى
وَجَناتِهِنَّ بِها أَبو قابوسا

قَد أوتِيَت مِن كُلِّ شَيءٍ بَهجَةً
وَدَدًا وَحُسنًا في الصِبا مَغموسا

لَولا حَداثَتُها وَأَنِّيَ لا أَرى
عَرشًا لَها لَظَنَنتُها بِلقيسا

أَيهًا دِمشقُ فَقَد حَوَيتِ مَكارِمًا
بِأَبي المُغيثِ وَسُؤدُدًا قُدموسا

وَأَرى الزَمانَ غَدا عَلَيكِ بِوَجهِهِ
جَذلانَ بَسّامًا وَكانَ عَبوسا

قَد بورِكَت تِلكَ البُطونُ وَقُدِّسَت
تِلكَ الظُهورُ بِقُربِهِ تَقديسا

فَصَنيعَةٌ تُسدى وَخَطبٌ يُعتَلى
وَعَظيمَةٌ تُكفى وَجُرحٌ يوسى

الآنَ أَمسَت لِلنِفاقِ وَأَصبَحَت
عورًا عُيونٌ كُنَّ قَبلَكَ شوسا

وَتَركتَ تِلكَ الأَرضَ ظِلًّا سَجسَجًا
مِن بَعدِ ما كادَت تَكونُ وَطيسا

لَم يَشعُروا حَتّى طَلَعتَ عَلَيهِم
بَدرًا يَشُقُّ الظُلمَةَ الحِنديسا

ما في النُجومِ سِوى تَعِلَّةِ باطِلٍ
قَدُمَت وَأُسِّسَ إِفكُها تَأسيسا

إِنَّ المُلوكَ هُمُ كَواكِبُنا الَّتي
تَخفى وَتَطلُعُ أَسعُدًا وَنُحوسا

فِتَنٌ جَلَوتَ ظَلامَها مِن بَعدِ ما
مَدّوا عُيونًا نَحوَها وَرُؤوسا

حَربٌ يَكونُ الجَيشُ فَضلَ صَبوحِها
وَيَكونُ فَضلُ غَبوقِها الكُردوسا

غُرمُ امرِئٍ مِن روحِهِ فيها إِذا
ذو السِلمِ أُغرِمَ مَطعَمًا وَلَبوسا

كَم بَينَ قَومٍ إِنَّما نَفَقاتُهُم
مالٌ وَقَومٍ يُنفِقونَ نُفوسا

سارَ ابنُ إِبراهيمَ موسى سيرَةً
سَكَنَ الزَمانُ لَها وَكانَ شَموسا

فَأَقَرَّ واسِطَةَ الشَآمِ وَأَنشَرَت
كَفّاهُ جَورًا لَم يَزَل مَرموسا

كانَت مَدينَةُ عَسقَلانَ عَروسَها
فَغَدَت بِسيرَتِهِ دِمَشقُ عَروسا

مِن بَعدِما صارَت هُنَيدَةُ صِرمَةً
وَالبَدرَةُ النَجلاءُ صارَت كيسا

فَكَأَنَّهُم بِالعِجلِ ضَلّوا حِقبَةً
وَكَأَنَّ موسى إِذ أَتاهُم موسى

وَسَتُشكَرُ النُعمى الَّتي صُنِعَت وَلا
نِعَمٌ كَنُعمى أَنقَذَت مِن بوسى

أَلوى يُذِلُّ الصَعبَ إِن هُوَ ساسَهُ
وَيُلينُ جانِبَهُ إِذا ما سيسا

وَلِذاكَ كانوا لا يُرأَّسُ مِنهُمُ
مَن لَم يُجَرَّب حَزمُهُ مُرؤوسا

مَن لَم يَقُد فَيَطيرَ في خَيشومِهِ
رَهَجُ الخَميسِ فَلَن يَقودَ خَميسا

أَعطِ الرِياسَةَ مِن يَدَيكَ فَلَم تَزَل
مِن قَبلِ أَن تُدعى الرَئيسَ رَئيسا

ماذا عَسَيتَ وَمِن أَمامِكَ حَيَّةٌ
تَقِصُ الأُسودَ وَمِن وَرائِكَ عيسى

أَسَدانِ شَدّا مِن دِمَشقَ وَذَلَّلا
مِن حِمصَ أَمنَعَ بَلدَةٍ عِرّيسا

تَخِذَ القَنا خيسًا فَإِن طاغٍ طَغى
نَقَلا إِلى مَغناهُ ذاكَ الخيسا

أَسقِ الرَعِيَّةَ مِن بَشاشَتِكَ الَّتي
لَو أَنَّها ماءٌ لَكانَ مَسوسا

إِنَّ الطَلاقَةَ وَالنَدى خَيرٌ لَهُم
مِن عِفَّةٍ جَمَسَت عَلَيكَ جُموسا

لَو أَنَّ أَسبابَ العَفافِ بِلا تُقىً
نَفَعَت لَقَد نَفَعَت إِذًا إِبليسا

هَذي القَوافي قَد أَتَينَكَ نُزَّعًا
تَتَجَسَّمُ التَهجيرَ وَالتَغليسا

مِن كُلِّ شارِدَةٍ تُغادِرُ بَعدَها
حَظَّ الرِجالِ مِنَ القَصيدِ خَسيسا

وَجَديدَةَ المَعنى إِذا مَعنى الَّتي
تَشقى بِها الأَسماعُ كانَ لَبيسا

تَلهو بِعاجِلِ حُسنِها وَتَعُدُّها
عِلقًا لِأَعجازِ الزَمانِ نَفيسا

مِن دَوحَةِ الكَلِمِ الَّتي لَم تَنفَكِك
يُمسي عَلَيكَ رَصينُها مَحبوسا

كَالنَجمِ إِن سافَرتَ كانَ مُواكِبًا
وَإِذا حَطَطَت الرَحلَ كانَ جَليسا

إِنّا بَعَثنا الشِعرَ نَحوَكَ مُفرَدًا
وَإِذا أَذِنتَ لَنا بَعَثنا العيسا

تَبغي ذُراكَ إِذا أَسِنَّةُ قَعضَبٍ
أَردَينَ عِرّيفَ الوَغى المِرّيسا

إرسال تعليق

0 تعليقات