داعٍ دَعا بِلِسانِ هادٍ مُرشِدِ
فَأَجابَ عَزمٌ هاجِدٌ في مَرقَدِ
نادى وَقَد نَشَرَ الظَلامُ سُدولَهُ
وَالنَومُ يَحكُمُ في عُيونِ الرُقَّدِ
يا ذائِدَ الهيمِ الخَوامِسِ وَفِّها
عِشرًا وَوافِ بِها حِياضَ مُحَمَّدِ
يَمدُدنَ لِلشَرَفِ المُنيفِ صَوادِيًا
أَعناقَهُنَّ إِلى حِياضِ السُؤدُدِ
وَتَنَبَّهَت فِكَرٌ فَبِتنَ هَواجِسًا
في قَلبِ ذي سَمَرٍ بِها مُتَهَجِّدِ
لَمّا رَأَيتُكَ يا مُحَمَّدُ تَصطَفي
صَفوَ المَحامِدِ مِن ثَناءِ المُجتَدي
سَيَّرتُ فيكَ مَدائِحي فَتَرَكتُها
غُرَرًا تَروحُ بِها الرُواةُ وَتَغتَدي
مالي إِذا ما رُضتُ فيكَ غَريبَةً
جاءَت مَجيءَ نَجيبَةٍ في مَقوَدِ
وَإِذا أَرَدتُ بِها سِواكَ فَرُضتُها
وَاقتَدتُها بِثَنائِهِ لَم تَنقَدِ
ما ذاكَ إِلّا أَنَّ زَندَكَ لَم يَكُن
في كَفِّ قادِحِهِ بِزَندٍ مُصلِدِ
صَدَّقتَ مَدحي فيكَ حينَ رَعَيتَني
لِتَحَرُّمي بِالسَيِّدِ المُتَشَهِّدِ
وَلَجَأتُ مِنكَ إِلى ابنِ مَلكٍ أَنبَأَت
عَنهُ خَلائِقُهُ بِطيبِ المُحتَدِ
مَلِكٌ يَجودُ وَلا يُؤامِرُ آمِرًا
فيهِ وَيَحكُمُ في جَداهُ المُجتَدي
وَيَقولُ وَالشَرَفُ المُنيفُ يَحُفُّهُ
لا خَيرَ في شَرَفٍ إِذا لَم أُحمَدِ
وَأَكونُ عِندَ ظُنونِ طُلّابِ النَدى
وَأَذُبُّ عَن شَرَفي بِما مَلَكَت يَدي
يَأبى لِعِرضي أَن يَكونَ مُشَعَّثًا
جودٌ وَقاهُ بِطارِفٍ وَبِمُتلَدِ
وَلِراحَتَيهِ ديمَتانِ قَديمَةٌ
لي بِالوِدادِ وَديمَةٌ بِالعَسجَدِ
كَم مِن ضَريكٍ قَد بَسَطتَ يَمينَهُ
بَعدَ التَحَيُّنِ في ثَراءٍ سَرمَدِ
وَلَرُبَّ حربٍ حائِلٍ لَقَّحتَها
وَنَتَجتَها مِن قَبلِ حينِ المَولِدِ
فَإِذا بَعَثتَ لِناكِثينَ عَزيمَةً
عَصَفَت رُؤوسٌ مِن سُيوفٍ رُكَّدِ
إِنَّ الخِلافَةَ لَو جَزَتكَ بِمَوقِفٍ
جَعَلَت مِثالَكَ قِبلَةً لِلمَسجِدِ
وَسَعَت إِلَيكَ جُنودُها حَتّى إِذا
وافَتكَ خَرَّ لَدَيكَ كُلُّ مُقَلَّدِ
وَاللَهُ يَشكُرُ وَالخَليفَةُ مَوقِفًا
لَكَ شائِعًا بِالبَذِّ صَعبَ المَشهَدِ
في مَأزِقٍ ضَنكِ المَكَرِّ مُغَصَّصٍ
أَزَزِ المَجالِ مِنَ القَنا المُتَقَصِّدِ
نازَلتَ فيهِ مُفَنَّدًا في دينِهِ
لا بَأسِهِ فَرَآكَ غَيرَ مُفَنَّدِ
فَعَلَوتَ هامَتَهُ فَطارَ فَراشُها
بِشِهابِ مَوتٍ في اليَدَينِ مُجَرَّدِ
يا فارِسَ الإِسلامِ أَنتَ حَمَيتَهُ
وَكَفَيتَهُ كَلَبَ العَدُوِّ المُعتَدي
وَنَصَرتَهُ بِكَتائِبٍ صَيَّرتَها
نَصبًا لِعَوراتِ العَدُوِّ بِمَرصَدِ
أَصبَحتَ مِفتاحَ الثُغورِ وَقُفلَها
وَسِدادَ ثُلمَتِها الَّتي لَم تُسدَدِ
أَدرَكتَ فيهِ دَمَ الشَهيدِ وَثارَهُ
وَفَلَجتَ فيهِ بِشُكرِ كُلِّ مُوَحِّدِ
ضَحِكَت لَهُ أَكبادُ مَكَّةَ ضِحكَها
في يَومِ بَدرٍ وَالعُتاةِ الشُهَّدِ
أَحيَيتَ لِلإِسلامِ نَجدَةَ خالِدٍ
وَفَسَحتَ فيهِ لِمُتهِمٍ وَلِمُنجِدِ
لَو أَنَّ هَرثَمَةَ بنَ أَعيَنَ في الوَرى
حَيٌّ وَعايَنَ فَضلَهُ لَم يَجحَدِ
أَو شاهَدَ الحَربَ المُمِرَّ مَذاقُها
لَرَآهُ أَقمَعَ لِلعُتاةِ العُنَّدِ
وَأَجَرَّ لِلخَيلِ المُغيرَةِ في السُرى
وَأَذَبَّ مِنهُ بِاللِسانِ وَبِاليَدِ
أَمّا الجِيادُ فَقَد جَرَت فَسَبَقتَها
وَشَرِبتَ صَفوَ زُلالِها في المَورِدِ
غادَرتَ طَلحَةَ في الغُبارِ وَحاتِمًا
وَأَبانَ حَسرى عَن مَداكَ الأَبعَدِ
وَطَلَعتَ في دَرَجِ العُلى حَتّى إِذا
جِئتَ النُجومَ نَزَلتَ فَوقَ الفَرقَدِ
فَانعَم فَكُنيَتُكَ الَّتي كُنّيتَها
فَألٌ جَرى لَكَ بِالسَعادَةِ فَاسعَدِ
وَلَقَد وَفَدتَ إِلى الخَليفَةِ وَفدَةً
كانَت عَلى قَدَرٍ بِسَعدِ الأَسعُدِ
زُرتَ الخَليفَةَ زَورَةً مَيمونَةً
مَذكورَةً قَطَعَت رَجاءَ الحُسَّدِ
يَتَنَفَّسونَ فَتَنثَني لَهَواتُهُم
مِن جَمرَةِ الحَسَدِ الَّتي لَم تَبرُدِ
نَفَسوكَ فَالتَمَسوا نَداكَ فَحاوَلوا
جَبَلًا يَزِلُّ صَفيحُهُ بِالمَصعَدِ
دَرَسَت صَفائِحُ كَيدِهِم فَكَأَنَّما
أَذكَرنَ أَطلالًا بِبَرقَةِ ثَهمَدِ
0 تعليقات