ذات يوم فوق سرير شاسع لـ رياض الصالح الحسين

للمرَّة الألف أرجوكِ لا تذهبي
للمرَّة الألف آخذكِ بيديَّ
وأركض في حقول الألغام
في حقول الدم
في حقول الحنطة
وأرجوكِ لا تذهبي
لا تذهبي وفي عينيكِ غزالة مذبوحة
لا تذهبي وتحت جلدك يصفّر الموتى بشفاههم المعطَّلة
لا تذهبي يا عزيزتي لا تذهبي
تعالي وقبِّليني قبل أن تذبح شفتيكِ المرتعشتين
سكاكينهم الطويلة
تعالي لنثرثر بسهولة وألم
تعالي لنتحدَّث مثلًا:
عن الديدان التي تغزو السنابل
عن المعادن التي تقزقز أصابع العمَّال بطريقة عجيبة
حدِّثيني عن السهول ذات الخضرة الضارية
عن الوعول التي تقفز بسعادة بالغة
وهي تقضم عشب الفرح بحريَّة لا تشبه إلاَّ قلبي
حين يخفق بأعلامه السوداء
فوق ثكنات المحاربين الذين يحلمون فقط
بثلاثة أمتار من الراحة
بدوش ماء بارد
بامرأة تغنِّي بصوت حزين
وطفلة تقول لكل رجل تصادفه: أريد بابا
حدِّثيني عن الدنيا وقارَّاتها الخمس
وحدِّثيني فيما بعد عن الزمن
وحدِّثيني عن العصور جميعًا
إبتداءً من العصر الحجري القاتل
وانتهاءً بعصرنا السفَّاح
حدِّثيني عن السفَّاحين المنتشرين في:
السفارات، الأزقَّة، دور السينما، المطابخ، علب الكبريت، زجاجات مياه بقين، أحذية باتا، ولاَّعات رونسون، شركة ميكروفيلم، جوارب أوغاريت...
حدِّثيني لأحبَّكِ
حدِّثيني لأحبَّكِ
"أحبُّكِ"
هذا ما يقوله السنديان للمطرقة.
"أحبُّكِ"
لي نهار في المعصية
ولي أزهار في الطرقات
"أحبُّكِ"
هذا ما أقوله أنا
هذا ما يقوله الرجل الذي من خلفه النوافذ تهوي
ومن تحته الأرض تئنُّ
"أحبُّكِ"
لي ثلوج في جميع المدافئ
ولي وحل في جميع الشتاءات
لي الحائط الكتيم
الأصفاد الثقيلة
الزمن البطيء
ولي الزهر الذي يتدفَّق من رئتيكِ
تنفَّسي يا حبيبتي تنفَّسي
فهوذا الهواء ينبح في الأزقَّة بصوته البليد
هوذا الدم يسيل فوق لحم الشرفات
وأنا ملتفٌّ بقلبي
وقلبي يقرع أجراس الأجساد الرثَّة
أيَّتُها الأجساد الرثَّة المغسولة بالحبّ وعصير البرتقال
أيَّتُها الأشجار الصاخبة
المغلَّفة بالأيقونات وصور القدِّيسين
أيَّتُها الأحجار، المقابض، الأسطحة، الأحذية، الأعلام، القواميس، الرجال، النساء، القطط، الفؤوس، الهراوات، الشياطين...
تعالوا واستمعوا إلى خرير الإرهاب في الشوارع
تعالوا إليَّ جميعًا
تعالوا إليَّ بدون استثناء
أيَّتُها المرأة تعالي لأضمَّكِ
أيُّها الطفل تعال لأقصَّ عليك حكاية الذئب والأرنب
أيُّها العاري تعال لأكسوك بالقبلات
أيَّتُها الحقول الجافَّة تعالي لأهبكِ خضرة دمي
أيَّتُها الشمس لماذا ترتعشين من البرد
وحطب قلبي مهيّأ للاشتعال؟
ويا أيَّتُها الأسئلة
يا أيَّتُها الأسئلة
تعالي لنكسر معًا زجاج النوافذ
التي تحجب عنَّا نضارة الصراخ
سأسأل الصبايا:
لماذا أنتنَّ مكتئبات
وموسيقى ديميس روسوس معبَّأة في زجاجات الكازوز
سأسأل الجائعين:
لماذا لا تأكلون أطنان التفَّاح
التي يهدرها الإمبرياليّون في البحر يوميًّا؟
سأسأل أشجار الزيتون في ضواحي دمشق:
من اختلس أوراقك في الليل
وجعل منها وسادةً للسفَّاحين؟
سأسأل السفَّاحين عن الأشجار
الأشجار عن الشوارع
الشوارع عن الاضطهاد
الاضطهاد عن حبيبتي
وأقول لحبيبتي
أقول لحبيبتي التي تبيع الجنارك والمانجة في باب توما:
إنَّني مرهق كثعبان ابتلع بيضة
وأقول لحبيبتي
وأنا أصغي إلى زقزقة الموتى في التوابيت
إلى هديل الحرب في البلاد:
تعالي لنمشي ونتذكَّر كيف كان الملوك ينتحرون
لأنَّ عينين حافيتين انطفأتا
لأنَّ قلبًا وسيمًا أضاء
تعالي لنتفاءل بذات يوم فوق سرير شاسع
ذات يوم فوق سرير شاسع، حيث:
العصافير تقصف الطائرات
الشهداء يضعون القتلة على الكراسي الكهربائيَّة
الزهور تسنُّ للرصاص شفرات المقاصل
والحريَّة
تغتصب
السجون
ذات يوم فوق سرير شاسع
أفتح ثغرة في لحمك الذي يحترق أيَّتُها الأرض
وأقذف إليك بدماري.

إرسال تعليق

0 تعليقات