هو ليلٌ من الغياهبِ ضافي
وأديمٌ في لُجَّةِ الثلج طافي
وبحارٌ، إن رُدْتَها، لم تجدْ غيـ
ـر جليدٍ من لجَّةٍ وضفافِ
وجبالٌ من الثلوج تدَجَّى
رائعاتِ السفوح والأعرافِ
وصحارَى لا ينتهي الركبُ فيها
عند صخرٍ أو واحةٍ مئنافِ
وطنُ الزمهريرِ والثلجِ، لا القيـ
ـظ ولا كدرة الرمال السوافي
وهي مغدَى السفينِ والدُّبِّ، لا مغـ
ـدى نياقِ الفلا، وذئبِ الفيافي
عالمٌ كلُّه سكونٌ وصمتٌ
مترامي الحدودِ والأطرافِ
لا تَرى للنهارِ والليلِ في واديـ
ـهِ يومًا من دورةٍ واختلافِ
أو تُحسُّ الأرواحُ قصفَ الرياح الـ
ـهوج فيه، أو هدرةَ الرجَّافِ
لا اصطفاقَ الغصونِ، لا هَذَرَ الطيـ
ـرِ، ولا أنَّةَ النميرِ الصافي
عَرِيَتْ أرضُه من العُشبِ الأخضر
والدوحِ سابغ الأليافِ
قِفْ بهذا الوادي الرهيب وحَدِّقْ
فيه والليلُ مؤذنٌ بانتصافِ
وانظر الشمسَ في الغياهب صفرا
ءَ تهادى في رائع الأفوافِ
يغمرُ الكائناتِ منها شعاعٌ
مرسلٌ من غلالة الرَّوع ضافي
يحسبُ الناظرون في الأفق منه
حُمرةَ الورس أو مزيجَ السُّلافِ
وهو غيبٌ مُحبَّبٌ دون مرآهُ
اقتحام الردى ورنْقُ الذعافِ!
حدثيني، يا شمسَ منتصف الليل،
فليس الحديثُ عنك بخافِ!
أيُّ أفقٍ من عالم الأرض هذا
شاحبُ اللون، باهتُ الأكنافِ؟
فيه من صُفرة الفناءِ، وفيه
من سوادِ النحوس لونُ الغدافِ؟
أهو القطبُ؟؟ فتنةُ الأبد الخالي
ومغدى الظنون والأرجافِ؟!
أم هوَ العالَمُ الذي جهلوه
وشأى أوجُه على الكشَّافِ؟
أيُّ سرٍّ للجاذبيةِ فيه
يأخذُ الأرضَ نَحْوَهُ بانحرافِ؟
أيُّ نجم في أفقه رصدوه
لمسارٍ حول الثرى ومطافِ؟
لكأَنِّي به مغاورَ جنٍّ
مستسرَّى الأرواحِ والأطيافِ
لا يقيمونَ في ذُراهنَّ والليـ
ـلُ على الكون مطبقُ الأسدافِ
فإذا أقبلَ النهارُ تولوا
وتواروا خلال تلك الشعافِ
وآراه مِجَنَّ كلِّ خفيٍّ
من تهاويل ساحرٍ عرَّافِ
يستمدُّ الأنباءَ منه ويُدلي
بالأحاديث وهي جِدُّ زيافِ
وبها من خفاءِ مهبطه الخا
في خفيُّ الأحبار والأوصافِ
وهوَ الشاطئُ الذي في حفافيـ
ـه تَقَرُّ الأنغامُ بعد طوافِ
كلُّ لحنٍ من الملاحن مهما
أبدعته أناملُ العزَّافِ
فإليه يصوبُ في سُدُفِ الليـ
ـل ويثوي صداهُ بين الحفافِ
ليت شعري أيستحيلُ صدًى في
لجِّه، أم يقرُّ في الأصدافِ؟!
***
إنَّ هذي، يا شمسُ، ألحان قلبي
مرسلاتٍ عن مدمعي الذَّرَّافِ
فاشهديها تقرُّ في جوفه النائي،
فكم فيه من حطام أثافِي
***
أيها القطبُ، حَدِّثِ الكونَ هلَّا
تُسعدُ الشعرَ ليلةً باعترافِ؟
طال بالشمس في دجاك اصفرارٌ
لا الدُّجى حائلٌ ولا الضوءُ صافي
لم تَجُزْ عن ثراك قيد ذراعٍ
أو تُنبِّه جفْنَ الصباحِ الغافِي
قيل: حاموا على ذُراكَ، وألقوا
فوق واديكَ نظرةَ استشرافِ
وأراهم في زعمهم قد أسفُّوا
بكَ، يا قطبُ، أيَّما إسفافِ
تشهدُ الكائناتُ أنك أمسيـ
ـتَ، وتُمسي، سِرَّ الوجود الخافي
0 تعليقات