حديث على رغم العلا غير كاذب لـ لسان الدين بن الخطيب

حَدِيثٌ عَلَى رَغْمِ الْعُلاَ غَيْرُ كَاذِبٍ
يَغَصُّ النَّوَادِي عِنْدَه بالنَّوادِبِ

وللهِ مِنْ سَهْمٍ عَلَى الْبُعْدِ صَائِبٍ
رمى ثغرة المجد الصريح المناسب

أيا صاحِبي نجوايَ دعوةُ صاحِبٍ
أَطَافَتْ بِهِ الأَشْجَانُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ

أَلِمَّا بِأَحْدَاثِ الْعُلَى وَالْمَنَاقِبِ
تُحَيِّ ثَرَاهَا وَاكِفَاتُ السَّحَائِبِ

أَلاَ فَابْكِيَا رَوْضَ الْجَلاَلِ الَّذِي ذَوَى
عَلَى حِينَ هَزَّتْهُ السَّمَاحَةُ وَاسْتَوَى

وَجَادَتْهُ أَخْلاَفُ الْخِلاَفَةِ فَاْرْتَوَى
وَنُوحَا عَلَى نَجْمِ الْعَلاَءِ الَّذِي هَوَى

فَأَبْرَزَ شَمْسَ الْجَوِّ فِي خلْعَةِ الْجَوَى
فَلِلَّهِ مِنْ دِيَوانِ فَضْلٍ قَدِ انْطَوَى

وَعُوجَا بِأَكْنَافِ الضَّرِيح الَّذِي حَوَى
مِنَ الْجُودِ وَالإفْضَالِ أَسْنَى الْمَرَاتِبِ

أَقِيمَا بِحَقٍّ مَأَتَمَ الْبَأْسِ وَالنَّدَى
وَلاَ تَقِفَا خَيْلَ الدُّمُوعِ إِلى مَدَى

لِبَدْرٍ جَلاَ جُنْحَ الدُّجَى لِمَنِ اهْتَدَى
وَغُصْنِ ذَوَى حِينَ اسْتَوَى وَتَأَوَّدَا

وَسَيْفِ إِمَامِ أَغْمَدَتْهُ يَدُ الرَّدَى
وَلاَ تَأنَسَا مَا رَاحَ رَكْبٌ وَمَا غَدَا

أَلاَ فَابْكِيَا غَيْثَ الْمَوَاهِبِ وَالْجَدَى
وَلَيْثَ الشَّرى نَجْلَ السُّرَاةِ الأَطَايبِ

هَوُ الدَّمْعُ إِنْ شَحَّتْ لِخَطْبٍ عُيُونُهُ
عَلَى ابْنِ أَبي عَمْرو يُذَالُ مَصُونُهُ

فتى حرك الأرجاز حزنًا سكونُه
وغالت قَصِيات الأماني منونُة

فَحُثَّا سَحَابَ الدَّمْعِ تَهْمِي هَتُونُهُ
عَلَيْهِ كَمَا كَانَتْ تَصُوبُ يَمِينُهُ

وَجُودَا بِوَبْلِ الدَّمْعِ تَهْمِي شُؤونُهُ
كَمَا هَمَلَتْ مُزْنُ الْغُيُوثِ السَّوَاكِبِ

وَقُولاَ لِمَنْ شُدَّتْ إِلَيْهِ نُسُوعُهُ
يُؤَمِّلُ مِنْهُ النَّصْرَ فِيمَا يَرُوعُهُ

فَيُصْرِخُهُ إِنْ ضَاقَ بِالَّروْعِ رُوعُهُ
هُوَ الْقَدَرُ الْمَحْتُومُ حُمَّ وُقُوعُهُ

وَبَدْرُ اللَّيَالِي لاَ يُرَجَّى طُلُوعُهُ
وَقَلْبُ الْمَعَالِي أَسْلَمَتْهُ ضُلُوعُهُ

وَنُوحَا فَإِنَّ الْمَجْدَ أَقْوَتْ رُبُوعُهُ
وَزُلْزِلَ مِنْهُ مُشْمَخُّرِ الأَهَاضِب

هَصَرْتَ ثِمَارَ الْعِزِّ طَيِّبَةَ الْجَنَى
وَشَيَّدْتَ مَثْوَى الْفَخْر مُسْتَحْكم الْبنَا

وَخَلَّفْتَ فِي الأَرْجو مِنْ ذَائِعِ الثَّنَا
فَضَائِلَ لاَ يَغْتَالُهَا طارِق الْفنا

وَصَيَّرْتَ صَعْبَ الشَّرْقِ لِلْغَرْبِ هَيِّنًا
وَكُنْتَ مُسِرًّا لِلْخُلُوصِ وَمعْلِنَا

وَمَا كُنْتَ إِلاَّ الْبَحْرَ وَالطَّوْدَ وَالسَّنَا
تُضِيءُ ضِيَاءَ الزَّاهِرَاتِ الثَّوَاقِبِ

أَلَهْفًا عَلَيْهَا مِنْ خَلالٍ كَرِيمَةٍ
كَرَوْضِ الرُّبَا تَفْتَرُّ فِي أَرْضِ دِيمَة

تَرفُّ جَنَاهَا عَنْ أُصُول قَدِيمَةٍ
وَدُرَّة مَجْدٍ لاَ تُقَاسُ بِقِيمَة

تَذُودُ عَنِ الأَحْرَارِ كُلَّ هَضِيمَةٍ
وَكَمْ مِنْ مَعَالٍ قَدْ حَوَيْتَ عَظِيمَة

وَمَا كُنْتَ إِلاَّ حَائِزًا كُلَّ شيمة
من الفخر سباقًا لبذل الرغائب

إذا ذكر الحُجَّابُ في كُلِّ مَشهَدٍ
وَأَمْلاَكُهُمْ مِنْ كُلِّ هَادٍ ومُهْتَدِي

ومُعْتَمِد مِنْ بَعْدِهِم ومُؤَيَّد
وَعُدِّدَتِ الآثَارُ مِنْ كُلِّ أَوْحَدِ

كَمَا زِينَ نَحْرٌ بِالْفَريدِ الْمُقَلَّدِ
وَكَانُوا نُجُومًا فِي الزَّمَانِ لِمُهْتَدِي

فَمَا اخْتَصَّتِ الأَمْلاَكُ مِثْلَ مُحَمَّدٍ
وَمَا افْتَخَرَتْ طُولَ الزَّمَانِ بِحَاجِبِ

مُحَمَّدُ أَحْرَزْتَ الْعَلاَءَ الْمُكَمَّلا
فَعُلْيَاكَ قَدْ حَطَّتْ سِوَاكَ وَإِنْ عَلاَ

فكُنْتَ الْحَيَا وَالْبَدْرَ جُودًا وَمُجْتَلَى
وَسَيْفًا طَرِيرَ الْحَدِّ مُنْتَظِمَ الْحُلاَ

بَلَغْتَ الَّتيِ مَا فَوْقَهَا مُتَمَهِّلًا
وَمَا بَالَغَ الإِطْنَابُ فِيكَ وَإِنْ غَلاَ

وَمَا نَالَتِ الأَشْرَافُ مَا نِلْتَ مِنْ عُلاَ
وَلاَ لَكَ نِدٌّ فِي الْعُلاَ وَالْمَنَاقِبِ

لأَبْدَيْتَ فِي التَّدْبِير كُلَّ عَجيبَةٍ
بِآراءِ كَهْلٍ فِي ثِيَابِ شَبِيبَة

فأَعْجَزْتَ حُجَّابَ الْعُلاَ بِضِريبَةٍ
مِنَ اللهِ وَالْخُلْقِ الْحَمِيدِ قِريبَة

وَنَفْسٍ إِلَى دَاعِي الْكَمَالِ مُجِيبَةٍ
تَذُوبُ حَيَاءً وَهْيَ غَيْرُ مُرِيَبة

وَإِنْ خُصَّ مِنْهُمْ مَاجِدٌ بِنَقِيبَةٍ
فَقَدْ حُزْتَ فِي الْعلْيَا جَميِعَ الْمَنَاقِبِ

كَمُلْتَ فَلَمْ تَلْحَقْ عُلاَكَ النَّقَائِصُ
سَمَوْتَ فَلَمْ يُدْرِكْ مَحَلَّكَ شَاخِصُ

وَحُثَّتْ لِمَغْنَاكَ الرَّحِيبِ الْقَلاَئِصُ
وَرُدَّتْ بِكَ الأَهْوَالُ وَهْيَ نَوَاكِصُ

فَإِنْ شِئْتَ إِخْلاَصًا فُؤَادُكَ خَالِصٌ
وَيَا دُرَّةً مَا حَازَهَا قَطُّ غَائِصُ

نَمتْكَ إِلَى الْمَجْدِ الأَصِيلِ خَصَائِصٌ
يُقَصِّرُ عَنْهَا نَجْلُ زَيْدٍ وَحَاجِبِ

هو الْبَيْنُ حَتْمًا لاَ لَعَلَّ وَلاَ عَسَى
وَمَاذَا عَسَى يُغْنِي الْوَلِيُّ وَمَا عَسَى

وَلَوْ كَانَ يُجْدِي الْحُزْنُ أَوْ يَنْفَعُ الأَسَى
لَمَا وَجَدَتْ أَنْفَاسُنَا مُتَنَفَّسَا

فَكَمْ بَيْنَ مَنْ هَدَّ الْبِنَاءَ وَأسَّسَا
وَلَيْسَ سَوَاءً أَحْسَنَ الدَّهْرُ أَمْ أُسَا

ظَعَنْتَ عَنِ الدُّنْيَا حَمِيدًا مُقَدَّسَا
وَسِرْتَ بَرِيئًا مِن ذَمِيم الْمَثَالِب

كَذَا الْبَثُّ لاَ يُشْفَى بِلَيْتَ وَعَلَّنِي
أُعَالِجُ أَشْجَانِي إِذَا اللَّيْلُ جَنَّني

وَأَنْهَلَنِي وِرْدَ الدَّمُوعِ وَعَلَّنِي
وَمَا أَنَا عَنْ حُزْنِي عَلَيْكَ بِمُنَثنِي

فَلَمْ يُلْهِنِي مَا طَابَ مِنْ عَيْشِيَ الْهَنِي
أَقُولُ لِمَنْ يَبْغِي سُلُوِّي خلّني

فَبِاللهِ مَا دَمْعِي بِرَاقٍ وَإِنَّنِي
أَكَفْكِفُ مِنْهُ كَالْعِهَادِ السَّوَاكِبِ

لبِست الرضى في بَدأَةٍ وتَتِمَّةٍ
وَدَافَعْتَ عَنْ مَوْلاَكَ كُلَّ مُلِمَّة

بَقِيتَ إِذَا اسْتكْفَاكَ كُلَّ مُهمَّةٍ
وَلَمْ تَأَلُ في صِيتٍ بَعِيدٍ وَهِمَّة

وَكُنْتَ أَحَقَّ الْمُخْلِصينَ بِنِعْمَةٍ
فَقُدِّسْتَ مِنْ آلٍ كَريمٍ وَرمَّة

وَغَمَّدَكَ الرَّحْمَنُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ
تُبَلِّغُكَ الزُّلْفَى وَأَقْصَى الْمَآرِبِ

تَرَحَّلْتَ عَنْ رَبْعٍ عَلِمْتَ غُرُورَهُ
وَفَارَقْتَ مَغْنَاهُ وَأَخْلَيْتَ دُورَهُ

وَرَافَقْتَ وِلْدَانَ الْجِنَانِ وَحُورَهُ
وَمَنْ قَدَّمَ الْخَيْرَ اسْتَطابَ وجُورهُ

فَضَاعَفَ فِي مَثْوَاكَ رَبُّكَ نُورَهُ
وَنَضْرَتَهُ لَقَّاكَهَا وَسُرُورَه

وَبَوَّاكَ مَنْ أَعْلَى الْجِنَانِ قُصُورَهُ
تُحَيِّيكَ فِيهَا مُسْبَلاتُ الذَّوَائِبِ

عَلَى مثْلهِ ثُكْلًا تَشِيبُ الْمَفَارِقُ
وَهَلْ تُخْطِيء الْمَرْءَ الْخُطُوبُ الطَّوَارِقُ

لَقَدْ شَاقَنِي مِنْكَ الْحَبِيبُ الْمُفَارِقُ
فَقَلْبي وَأَجْفَانيِ الْعَقيقُ وَبَارِقُ

أُصِبْتُ بِذُخْري مِنْكَ والدَّهْرُ سَارقٌ
سَاَصْحَبُ فِيكَ الْوَجْدَ مَا ذَرّ شَارقُ

عَلَيْكَ سَلاَمُ اللهِ مَا لاَحَ بَارِقُ
وَمَا سَجَعَتْ وُرْقُ الْحَمَامِ النَّوَادِبِ

إرسال تعليق

0 تعليقات