دعاك بأقصى المغربين غريب لـ لسان الدين بن الخطيب

دَعَاكَ بِأَقْصَى الَمَغَرِبَيْنِ غَريبُ
وَأَنْتَ عَلَى بُعْدِ الْمَزَارِ قَرِيبُ

مُدِلٌّ بِأَسْبَابِ الرَّجَاءِ وَطَرْفُهُ
غَضِيضٌ عَلَى حُكْمِ الْحَيَاءِ مَريبُ

يُكَلِّفُ قُرْصَ الْبَدْرِ حَمْلَ تَحِيُّةٍ
إِذَا مَا هَوَى وَالشَّمْسَ حِينَ تَغِيبُ

لِتَرْجعَ مِنْ تِلْكَ الْمَعَالِمِ غُدْوَة
وَقَدْ ذَاعَ مِنْ رَدِّ التَّحِيَّةِ طِيبُ

ويَسْتَودِعُ الرِّيحَ الشَّمَالَ شَمَائِلًا
مِنَ الْحُبِّ لَمْ يَعْلَم بِهنَّ رَقِيبُ

وَيَطْلُبُ فِي جَيْبِ الْجَنُوبِ جَوَابَهَا
إِذَا مَا أَطَلَّتْ وَالصَّبَاحُ جَنِيبُ

ويستفهِمُ الكَفَّ الخَصيبَ ودَمعه
غَراما بِحِنَّاء النَجيع خَضِيبُ

ويتبعُ آثَارَ الْمَطِيّ مُشَيِّعًا
وَقَدْ زَمْزَمَ الْحَادِي وَحَنَّ نَجيبُ

إِذَا أَثُر الأَخْفَافِ لاَحَتْ مَحَارِبًا
يَخِرُّ عَلَيْهَا رَاكِعًا وَيُنِيبُ

وَيَلْقَى رِكَابَ الْحَجِّ وَهْيَ طَلاَئِح
طِلاَحٌ وَقَدْ لَبَّى النِّدَاءَ لَبِيبُ

فَلاَ قَوْلَ إِلاَّ أَنَّةٌ وَتَوَجُّعٌ
وَلاَ حَوْلَ إِلاَّ زَفْرَةٌ وَنَجِيبُ

غَلِيلٌ وَلِكنْ مِنْ قَبُولِكَ مُنْهَلٌ
عَلِيلٌ وَلِكَنْ مِنْ رَضَاكَ طَبيِبُ

أَلاَ لَيْتَ شِعْري وَالأَمَانِيُّ ضَلَّةٌ
وَقَدْ تُخْطِئُ الآمَالُ ثُمَّ تُصِيبُ

أَيُنْجِدُ نَجْدٌ بَعْدَ شَحْطِ مَزَارِهِ
وَيَكْئُبُ بَعْدَ الْبُعْدِ مِنْهُ كَثِيبُ

وَتُقْضَى دُيُونِي بَعْدَمَا مَطَلَ الْمَدَى
وَيَنْفُدُ بَيْعِي وَالْمَبيعُ مَعِيبُ

وَهَلْ أَقْتَضِي دَهْرِي فَيُسْمِحُ طَائِعًا
وَأَدْعُو بِحَظِّي مُسْمِعًا فَيُجِيبُ

وَيَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لِحَوْمِيَ مَوْرِدٌ
لَدَيْكَ وَهَلْ لِي فِي رِضَاكَ نَصِيبُ

وَلَكِنَّكَ الْمَوْلَى الْجَوَادُ وَجَارُهُ
عَلَى أَيَّ حَالٍ كَانَ لَيْسَ يَخِيبُ

وَكَيْفَ يَضِيقُ الذَّرْعُ يَوْمًا بِقَاصِدٍ
وَذَاكَ الْجَنَابُ الْمُسْتَجَارُ رَحِيبُ

وَمَا هَاجَنِي إِلاَّ تَأَلُّقُ بَارِقٍ
يَلُوحُ بِفَوْدِ اللَّيْلِ مِنْهُ مَشِيبُ

ذَكَرْتُ بِهِ رَكْبَ الْحِجَازِ وَجِيرَةً
أَهَابَ بِهَا نَحْوَ الْحَبِيبِ مُهِيبُ

فَبتُّ وَجَفْنِي مِنْ لآلِئ دَمْعِهِ
غَنِيٌّ وَصَبْرِي لِلشُّجُونِ سَلِيبُ

تُرَنِّحُنِي الذِّكْرَى وَيَهْفُو بِيَ الْجَوَى
كَمَا مَالَ غُصْنٌ فِي الرِّيَاضِ رَطِيبُ

وَأَحْضِرُ تَعْلِيلًا لِشَوْقِيَ بِالْمُنَى
وَيَطْرُقُ وَجْدٌ غَالِبٌ فَأَغِيبُ

مَرَامِي لَوِ اعْطِيتُ الأَمَانِيَّ زَوْرَةٌ
يُبَثُّ غَرَامٌ عِنْدَهَا وَوَجِيبُ

فَقَوْل حَبِيبٍ إِذْ يَقْول تشُّوقًا
عَسَى وَطَنٌ يَدْنُو إِلَيَّ حَبِيبُ

تَعَجَّبْتُ مِنْ سَيْفِي وَقَدْ جَاوَرَ الْغَضَا
بِقَلْبِي فَلَمْ يَسْبكْهُ مِنْهُ مُذِيبُ

وَأَعْجَبُ أَنْ لاَ يُورِقَ الرُّمْحُ فِي يَدِي
وَمِنْ فَوْقِهِ غَيْثُ الشُّؤونِ سَكِيبُ

فَيَا سَرْحَ ذَاكَ الْحَيّ لَوْ أَخْلَفَ الْحَيَا
لأَغْنَاكَ مِنْ صَوْبِ الدُّمُوعِ صَبِيبُ

وَيَا هَاجِرَ الْجَوِّ الْجَديبِ تَلَبُّثًا
فَعَهْدِيَ رَطْبُ الْجَانِبَيْن خَصِيبُ

وَيَا قَادحَ الزَّنْدِ الشَّحَاحِ تَرَفُّقًا
عَلَيْكَ فَشَوْقِي الْخَارِجِيُّ شَبِيبُ

أَيَا خَاتِمَ الرُّسْلِ الْمَكِينِ مَكَانُهُ
حَدِيثُ غَرِيبِ الدَّارِ فِيكَ غَرِيبُ

فُؤَادٌ عَلَى جَمْرِ الْبعَادِ مُقَلَّبٌ
يُمَاحُ عَلَيْهِ لِلدُّمُوعِ قَلِيبُ

فَوَاللهِ مَا يَزْدَادُ إلاَّ تَلَهُّبًا
أَأَبْصَرْتَ مَاءً ثَارَ عَنْهُ لَهيِبُ

فَلَيْلَتُهُ لَيْلُ السَّلِيمِ وَيَوْمُهَا
إِذَا شُدَّ لِلشَّوْقِ الْعِصَابُ عَصِيبُ

هَوَايَ هُدىً فِيكَ أَهْتَدَيْتُ بِنُورِهِ
وَمُنْتَسَبِي لِلصَّحْبِ مِنْكَ نَسِيبُ

وَحَسْبِي عُلىً أَنِّي لِصَحْبكَ مُنْتَمٍ
وَلِلْخَزْرجِيِّينَ الْكِرَامِ نَسِيبُ

عَدَتْ عَنْ مَغَانِيكَ الْمَوثُوقَةِ لِلْعِدَى
عَقَارِبُ لاَ يَخْفَى لَهُنَّ دَبِيبُ

حِرَاصٌ عَلَى إِطْفَاءِ نُورٍ قَدَحْتَهُ
فَمُسْتَلَبٌ مِنْ دُوِنِه وَسلِيبُ

فَكَمْ مِنْ شَهيدٍ فِي رِضَاكَ مُجَدَّلٍ
يُظَلِّلُهُ نَسْرٌ وَيَنْدُبُ ذِيبُ

تَمُرُّ الرِّيَاحُ الْغُفْلُ فَوْقَ كُلُومِهِمْ
فَتَعْبَقُ مِنْ أَنْفَاسِهَا وَتَطِيبُ

بِنَصْرِكَ عَنْكَ الشُّغْلُ مِنْ غَيْرِ مِنَّةٍ
وَهَلْ يَتَسَاوَى مَشْهَدٌ وَمَغِيبُ

فَإِنْ صَحَّ مِنْكَ الْحَظُّ طَاوَعَتِ الْمُنَى
وَيَبْعُدُ مَرْمَى السَّهْم وَهْوَ مُصِيبُ

وَلَوْلاَكَ لَمْ يُعْجَمْ مِنَ الرُّومِ عُودُهَا
فَعُودُ الصَّلِيبِ الأَعْجَمِيّ صَلِيبُ

وَقَدْ كَادَتِ الأَحْوَالُ لَوْلاَ مرَاغِبٌ
ضَمِنْتَ وَوَعْدٌ بِالظُّهُورِ تَرِيبُ

فَمَا شِئْتَ مِنْ نَصْرٍ عَزيزِ وَأَنْعُم
أَثَابَ بِهِنَّ الْمُوِمِنينَ مُثيبُ

مَنَابِرُ عِزٍّ أَذّنَ الْفَتْحُ فَوْقَهَا
وَأَفْصَحَ لِلْعَضْبِ الطَّرِيِرِ خَطيِبُ

نَقُودُ إِلَى هَيْجَائِهَا كُلَّ صَاهِلٍ
كَمَا رِيعَ مَكْحُولَ اللِّحَاظِ دَبِيبُ

وَنَجْتَابُ مِنْ سَرْدِ الْيَقيِنِ مَدَارِعًا
يُكَيِّفُهَا مَنْ يَجْتَبي وَيُنيبُ

إِذَا اضطَربَ الْخَطِّيُّ فَوْقَ غَديِرهَا
يَرُوقُكَ مِنْهَا لُجَّةٌ وَقَضِيبُ

فَعُذْرًا وَإِغْضَاءً وَلاَ تَنْسَ صَارِخًا
بعِزِّك يَرْجُو أَنْ يُجيبَ مُجِيبُ

وَجَاهَكَ بَعْدَ اللهِ نَرْجُو وَإِنَّهُ
لَحَظٌّ مَلِيءٌ بالوفاء رغيب

عليك صلاة الله ما طيب الفضا
عليك مطيل بِالثَّنَاءِ مُطِيبُ

وَمَا اهْتَزَّ قَدٌّ لِلْغُصُونِ مُرَنِّحٌ
وَمَا افْتَرَّ ثَغْرٌ لِلْبُرُوقِ شَنِيبُ

إرسال تعليق

0 تعليقات