غرفة صغيرة صالحة للحياة
غرفة صغيرة وضيِّقة صالحة للموت
غرفة صغيرة ورطبة لا تصلح لشيء
غرفة صغيرة فيها:
امرأة تقشِّر البطاطا واليأس
عامل باطون لا ينام أبدًا
بنت تبكي كثيرًا بدون سبب
وأنا ولد مشاكس وغير لئيم
لديَّ كتب وأصدقاء
ولا شيء غير ذلك.
ومنذ أن ولدت بلا وطن
ومنذ أن أصبح الوطن قبرًا
ومنذ أن أصبح القبر كتابًا
ومنذ أن أصبح الكتاب معتقلًا
ومنذ أن أصبح المعتقل حلمًا
ومنذ أن أصبح الحلم وطنًا
بحثت عن غرفة صغيرة وضيِّقة
أستطيع فيها التنفُّس بحريَّة.
إنَّني أتنفَّس بحريَّة
في غرفة صغيرة وضيِّقة
أخلع ثيابي وأنام
أخلع فمي وأتكلَّم
أخلع قدمي وأقوم بنزهة تحت غبار السرير
مفتِّشًا عن بقايا أطعمة وقطط تحبُّ المداعبة.
على الرف في الغرفة كتب وأصدقاء
وهناك أيضًا حزمة جافَّة من البرسيم
صورة لغيفارا ولوحة سوداء لمنذر مصري...
عندما أجوع ألتهم الكتب وأقول للأصدقاء:
أيُّها الأصدقاء، تعالوا لنتحاور...
وأصدقائي كثيرون
الذين يحبُّونني لا يتركون لي فرصة للموت
والذين يكرهونني لا يتركون لي فرصة للحياة
وغدًا على الأرجح
سألْتَهِمُ الأصدقاء
كما التهمت الكتب وقرارات الأمم المتَّحدة
وغدًا على الأرجح
سأكفُّ عن الحلم
مثلما كفت الآنسة (س) يدها عن شؤون قلبي
وغدًا على الأرجح
سأترك للغرفة تأسيس حياتي
بجدرانها الخمسة المدمَّاة
ونافذتها الوحيدة المشرعة.
في غرفة صغيرة وضيِّقة صالحة للبكاء
في غرفة صغيرة وضيِّقة صالحة للحب
في غرفة صغيرة وضيِّقة صالحة للمؤتمرات
لم أستطع أن أتآمر على أحد
لم أستطع أن أفعل شيئًا.
في غرفة صغيرة وضيِّقة صالحة للكتابة
لم أستطع إلاَّ كتابة وصيَّتي الأخيرة
الغرفة الصغيرة الضيِّقة
الممدَّدة كجثَّة فوق سرير الأرض
قابلة مثلي للتشريح
ومثلي قابلة للإبادة.
في الغرفة الصغيرة الضيِّقة
أقرأ الصحف والمذابح
في الغرفة الصغيرة الضيِّقة
أعوي كعاصفة وأغرِّد كسنبلة
أنا في الغرفة الصغيرة الضيِّقة:
نهر مكسور
وأحيانًا أمَّة مضطَّهدة.
أين ذهبت المرأة؟
* لتموت في الغرفة الصغيرة الضيِّقة.
أين قرَّرْتَ الموت؟
* في الغرفة الصغيرة الضيِّقة.
كم عمرك؟
* غرفة صغيرة ضيِّقة.
ما هي الأرض؟
* غرفة صغيرة ضيِّقة.
اليوم صباحًا وكإنسان مقتول
يعرف تاريخ ولادته ولا يملك شهادة الوفاة
أغلقت عيني النافذة
وتركت الغرفة الصغيرة الضيِّقة
تفيض حتَّى حافَّتها بالأمراض
اليوم صباحًا
قلت سأفتِّش عن فاكهة لم تلمسها يد
وصديق لم تذهب به رصاصة إلى السماء
ذهبت إلى الأشجار وما وجدت أحدًا
إلى الينابيع وما وجدت أحدًا
إلى الصخور وما وجدت أحدًا
إلى الحيوانات وما وجدت أحدًا
ذهبت إلى المطارات
والشوارع
ومؤسَّسات الأيتام
فحسبوني شحَّاذًا ووضعوا في كفِّي النقود...
اليوم مساءً وكحصانٍ مقطوع الرأس
عدت إلى الغرفة
الغرفة الصغيرة الضيِّقة
وبلطة ضخمة من الصراخ تنمو تحت أظافري.
0 تعليقات