أرى الدَّهر أغنى خَطْبُه عن خِطابه
بوَعظٍ شفى ألبابَنا بلُبابه
وجرَّد سيفًا في ذُباب مَطامعٍ
تهافتَ فيها وهي فوق ذُبابه
له قلبٌ تهدي القلوب صَوادِيًا
إليها وتَعمى عن وشيك انقلابه
هو اللَّيثُ إلاّ أَنَّه وهو خادِرٌ
سطا فأَغاب الليثَ عن أُنس غابه
إذا جال أَنساكَ الرِّجالَ بظُفره
وإنْ صال أنساكَ النِّصال بنابه
فكم من عروشٍ ثلَّها بشُبوبه
وكم من جيوشٍ فلَّها بشبابه
ومن أُمَمٍ ما أُوزِعَتْ شُكرَ عَذبه
فصبَّ عليها الله سَوطَ عذابه
وأشهد لمْ تسلَمْ حلاوة شُهده
لِصابٍ إليه من مَرارة صابه
مُبيدٌ مَباديه تَغُرُّ وإنَّما
عواقبه مختومةٌ بعِقابه
ألَمْ ترَ مَن ساس الممالكَ قادرًا
وسارت ملوك الأرض تحت رِكابه
ودانت له الدُّنيا وكادت تُجِلُّه
على شُهْبِها لولا خُمودُ شِهابه
أَليس أتاه كالأتِيِّ حِمامُه
وفاجأَه ما لم يكن في حِسابه
ولم يخش من أعوانه وعُيونه
ولا ارتاع من حُجّابه وحِجابه
لقد أسلمتْه حِصْنُه وحَصونه
غداةَ غدا عن كَسبه باكتسابه
فلا فِضَّةٌ أنجتْهُ عند انقضاضه
ولا ذَهَبٌ أنجاه عند ذَهابه
فحَلَّتْ شِمالُ الحَيْنِ تأليف شَمله
وعَفَّت جُنوب البين إلْفَ جنابه
وغُودِرَ شِلوًا في الضَّريح مُلحَّبًا
وحيدًا إلى يوم المآب لما به
يترجِمُ عنه بالفَناء فِناؤه
وما أَوْحشَتْ من سُوحِه ورِحابه
وعرِّجْ على الغَضِّ الشَّباب برَمسِه
وسائلْه عن صُنع الثَّرى بشَبابه
ففي صَمته تحت الجُيوب إشارةٌ
تُجيب بما يُغني الفتى عن جوابه
سلا شخصَه وُرّاثُه بتُراثه
وأَفْرَده أترابُه في تُرابه
وأعجَبُ من دهري وعُجْبُ ذوي الفَنا
لعَمرُكَ فيه من عجيب عُجابه
وحتّى متى عَتبي عليه ولم يزَلْ
يَزيد أذى مَن زادَه في عِتابه
إذا كنتُ لا أخشى زئير سِباعه
فحتّامَ يُغري بي نَبيحَ كِلابه
يُناصبُني مَن لا تَزيد شهادة
عليه سوى بُغضي بلؤم نِصابه
إذا اغْتابَني فاشْكُرْهُ عنّي فإنَّما
يُقَرِّظُ مِثلي مِثلُه باغتيابه
ويرتاب بالفضل الذي غمرَ الورى
وفي بعضه لو شئتَ كَشفُ ارتِيابه
ويَنحَس شِعري إنْ دبَغْتُ إهابهُ
بهَجوي فقد نزَّهْته عن إهابه
0 تعليقات