كالنجمِ في خفقٍ وفي ومضِ
متفردًا بعوالم السُّدُمِ
حيرانَ، يتعُ حيرةَ الأرضِ
ومصارعَ الأيامِ والأُمَمِ
***
مستوحشًا في الأفق منفردًا
وكأنَّه في سامرِ الشُّهُبِ
هذا الزحامُ حيالَهُ احتشدا
هوَ عنه ناءٍ جِدُّ مغتربِ
***
مترنِّحًا كالعاشقِ الثَّمِلِ
ريَّان من بهج ومن حزن
نشوانَ من ألمٍ ومن أملِ
مستهزئًا بالكونِ والزَّمَنِ
***
تلك السماءُ على جوانبه
بحرُ الحياة الفائرُ الزَّبدِ
كم راحَ يلتمسُ القرارَ به
هيمانَ بين شواطئ الأبدِ
***
تهفو على الأمواج صورته
وشعاعُه اللَّمَّاحُ في الغوْرِ
نفذَتْ إلى الأعماقِ نظرتُهُ
فإذا الحياةُ جليَّةُ السِّرِّ
***
ويمرُّ بالأحداثِ مبتسِمًا
كالشمسِ حينَّ يلفُّها الغيْمُ
زادَتْهُ عِلمًا بالذي عَلِمَا
دنيا تناهى عندها الوهمُ
***
بَلَغَ الروائعَ من حقائقها
فإذا السعادةُ توأم الجهلِ
هتف المحدِّقُ في مشارقها
ذهبَ النهارُ فريسةَ الليل
***
يا قلبُ: مثلُ النَّجمِ في قلقِ
والناسُ حولك لا يُحسُّونا
لولا اختلافُ النورِ والغَسَقِ
مرُّوا بأفقكَ لا يُطلونا
***
فاصفحْ إذا غمطوك إدراكا
واذكر قصورَ الآدميينا
أتريدهم، يا قلبُ، أملاكا
كلَّا .. وما هم بالنبيينا
***
هم عالَمٌ في غيِّه يمضي
مستغرقًا في الحمأةِ الدنيا
نزلوا قرارةَ هذه الأرضِ
وحللتَ أنتَ القمةَ العليا
***
عُبَّاد أوهامٍ وما عبدوا
إلَّا حقيرَ مُنًى وغاياتِ
وَمُنَاكَ ليس يحدُّها الأبَدُ
دنيا وراء اللا نهاياتِ
***
ولكَ الحياةُ دُنًى وأكوانُ
عزَّتْ معارجُها على الراقي
تحيا بها وتبيدُ أزمانُ
وشبابُها المتجدِّدُ الباقي
***
يا قلبُ: كم من رائعِ الحلَكِ
ألقاكَ في بحرٍ من الرُّعب
كم عُذْتَ منه بقبَّةِ الفَلكِ
وصرختَ وحدكَ فيه، يا قلبي!
***
ومضيتَ تضربُ في غياهِبِه
وتردُّ عنكَ المائجَ الصَّخِبا
تترقبُ البرقَ المطيفَ به
وتسائلُ الأنواءَ والسُّحبَا
***
وخفقتَ تحت دُجاهُ من وَجَلِ
كالطير تحت الخنجر الصلْتِ
وعرفتَ بين اليأسِ والأملِ
صحوَ الحياةِ، وسكرةَ الموتِ
***
يا قلبُ: عندكَ أيُّ أسرارِ
ما زِلنَ في نشرٍ وفي طيِّ
يا ثورةَ مشبوبةَ النَّارِ
أقلقت جسم الكائنِ الحيِّ
***
حَمَّلْتَه العبءَ الذي فَرَقَتْ
منهُ الجبالُ وأشفقتْ رَهَبا
وأثرتَ منه الرُّوحَ فانطلقتْ
تحسو الحميمَ وتأكلُ اللهبا
***
وملأت سِفْرَ المجد من عَجَبِ
وخلقتَ أبطالًا من العَدَم
وعلى حدِيثِك في فمِ الحِقَبِ
سِمَةُ الخلودِ ونفحةُ القِدَمِ
***
كم من عجائبَ فيكَ للبشرِ
أخذَتْهُم منها الفجاءاتُ
متنبئًا بالغيبِ والقدَر
وعجيبةٌ تلك النبوءاتُ
***
وعجبتُ منك ومن إبائكَ في
أسرِ الجمالِ وربقةِ الحبِّ
وَتَلفُّتِ المتكبرِ الصَّلِفِ
عن ذِلَّةِ المقهور في الحربِ
***
يا حُرُّ، كيف قَبِلْتَ شِرعتَه
وقنِعتَ منه بزادِ مأسورِ
آثرتَ في الأغلال طلعتَه
وأبيتَ منه فكاكَ مهجورِ
***
فإذا جفاكَ الهاجرُ الناسي
وقَسَا عليكَ المشفقُ الحدِبُ
فاضت بدمعك فورةُ الكاسِ
وهَفَتْ بكَفِّكَ وهي تضطربُ
***
وفزِعتَ للأحلام والذِّكَرِ
تبكي وتنشدُ رجعةَ الأمسِ
وودِدْتَ لو حُكِّمْتَ في القَدَرِ
لتعيدَ سيرتَها من الرَّمْسِ
***
ووَهِمْتَ نارًا ذات إيماضِ
فبسطتَ كفَّك نحوها فزَعَا
مَرَّتْ بعينكَ لمحةُ الماضي
فوثبتَ تُمْسِكُ بارقًا لمعَا
***
وصحوتَ من وَهْمٍ ومن خَبَلِ
فإذا جراحُك كُلهنَّ دَمُ
لَجَّتْ عليك مرارةُ الفشلِ
ومشى يَحزُّ وتينَك الألمُ
***
والأرضُ ضاق فضاؤها الرحبُ
وخَلَتْ فلا أهلٌ ولا سَكَنُ
حالَ الهوى وتَفَرَّقَ الصحْبُ
وبقيتَ وحدكَ أنتَ والزَّمنُ!
***
وصرَختَ حين أجنَّك الليلُ
متَمَرِّدًا تجتاحُك النَّارُ
وبدا صراعُكَ أنت والعقلُ
ولأنتما بحرٌ وإعصارُ
***
ما بين سلْمِلكما وحربكما
كونٌ يَبِينُ، ويختفي كونُ
وبنيتما الدُّنيا، وحسبكما
دنيا يقيمُ بناءَها الفنُّ
0 تعليقات