جددت ذاهب أحلامي وليلاتي (الأمسية الحزينة) لـ علي محمود طه

هنالك بين الأمواج الزرقاء يمتد برزخ من الرمال بين شاطئ البحر الأبيض وبحيرة المنزلة، حيث تشرف أكواخ (أشتوم الجميل) من بوغازها الصامت على آثار قلعة متهدمة جلسنا عليها أيام صبانا نمرح في أمسية هانئة بين رمل وصخور وأمواج.
زرنا هذه البقعة ذات مساء قريب في جوٍّ عاصف، فهاجت بنا ما هاجت من أحلام وآلام اطردت في سياق هذه القصيدة تحية الروح إلى أمسيتها المحزونة.

جدَّدتِ ذاهبَ أحلامي وليلاتي
فهل لديكِ حديثٌ عن صباباتي

يا كعبةً لخيلاتي، وصومعةً
رتَّلتُ في ظلِّها للحسنِ آياتي

للحُبِّ أولُ أشعارٍ هتفتُ بها
وللجمالِ بها أولى رسالاتي

عليكَ واديَ أحلامي وقفتُ أرى
طيفَ الحوادثِ تمضي بعد مأساةِ

آوي إلى جنباتِ الصخرِ منفردًا
أبكي لأمسيةٍ مرَّت وليلاتِ

قد غَيَّرتنا الليالي بعدها سِيرًا
وخلفتنا العوادي بعضَ أشتاتِ

تلفَّتَ القلبُ في ليلاءَ باردةٍ
يبكي ليالِيَكِ الغُرَّ المضيئاتِ

وذكرياتٍ من الماضي يطالعُها
بين الحقولِ وشطآن البحيرات

***
يا طولَ ما نغمتْ للصخر أنَّاتي
وشدَّ ما رجَّعت للموجِ آهاتي

يا قلبُ وادي الصِّبا حالتْ مسارحهُ
وأقفرت من صباياه الجميلاتِ

فلا الجداولُ تحدوها مسلسلةً
ولا الخمائلُ تهفو بالنضيراتِ

صَوَّحنَ من مشرقِ الوادي لمغربه
فما بهنَّ مُطيفٌ من خيالاتِ

ما في حياتكَ من سلوى تلوذُ بها
لكنهُ الحبُّ ذاك القاهرُ العاتي

قد فاجأتْكَ غواشيه التي سكنت
إن اللياليَ ملأى بالمفاجاتِ

***
يا للبحيرةِ: من يرتادُ شاطئَها
ومن يُسِرُّ إلى الوادي مناجاتي

ومن يعيدُ لنا أطيافَ ليلتها
وما غنمنا عليها من أُويقاتِ

وخلوةٍ في حفافيها وقد عبثت
يد الصَّبا بحواشيها الموشَّاةِ

يضمنا باسقٌ، في الشطِّ، منفردٌ
ضَمَّ الشتيتين في علياءِ جناتِ

وللقلوبِ أحاديثٌ يجاوبها
تناوحُ الطيرِ في ظلِّ الخميلاتِ

***
يا ليلةً قد ذهلنا عن كواكبها
في زورق بين ضفَّات ولجَّاتِ

يسري بنا موهِنًا والريحُ تدفعه
كالنجمِ يسبحُ في علويِّ هالاتِ

وفي الشواطئِ للمجداف أغنيةٌ
يَصُبُّها الموجُ في سحريِّ موجاتِ

ما كان أهنأها دنيا، وأهنأنا
في ليلها الصحو، أو في فجرها الشاتي

مَرَّت خيالاتُ ماضيها، وما تركت
سوى وجومِ لياليها الحزيناتِ

ومن تَلَهُّفِ أحنائي وثارتها
يا للجوانح من وجدي وثاراتي

يا صرخةَ القلب، هل أسمعتِ منك صدى
من ذا يردُّ الصدى في جوف موماةِ؟

جوبي مفاوزَ أيامي فقد صفِرتْ
من نبعِ ماءٍ، ومن أظلال واحاتِ

قضى، على ظمأٍ، قلبي بها وفمي
وضلَّت العينُ فيها إثرَ غاياتي

حتى العواصفُ صمَّتْ عن نداءاتي
فما تردُّ على الأيام صيحاتي

***
يا من قتلتَ شبابي في يفاعته
ورحتَ تسخرُ من دمعي وأناتي

حرمتَ أيامِيَ الأولى مفارحَها
فما نعمتُ بأوطاري ولذاتي

فَدَعْ فؤاديَ محزونًا يرفُّ على
ماضي لياليَّ، وانعمْ أنتَ بالآتي

دعني على صخرةِ الماضي لعلَّ بها
من الصبابة والتحنان منجاتي!

إرسال تعليق

0 تعليقات