هُوَ الدَهرُ فَاِصبِر لِلَّذي أَحدَثَ الدَهرُ
فَمِن شِيَمِ الأَبرارِ في مِثلِها الصَبرُ
سَتَصبِرُ صَبرَ اليَأسِ أَو صَبرَ حِسبَةٍ
فَلا تَرضَ بِالصَبرِ الَّذي مَعَهُ وِزرُ
حِذارَكَ مِن أَن يُعقِبَ الرِزءُ فِتنَةً
يَضيقُ لَها عَن مِثلِ أَخلاقِكَ العُذرُ
إِذا أَسِفَ الثَكلُ اللَبيبَ فَشَفَّهُ
رَأى أَبرَحَ الثَكلَينِ أَن يَحبِطَ الأَجرُ
مُصابُ الَّذي يَأسى بِمَيتِ ثَوابِهِ
هُوَ البَرحُ لا المَيتُ الَّذي أَحرَزَ القَبرُ
حَياةُ الوَرى نَهجٌ إِلى المَوتِ مَهيَعٌ
لَهُم فيهِ إيضاعٌ كَما يوضِعُ السَفرُ
فَيا هادِيَ المِنهاجِ جُرتَ فَإِنَّما
هُوَ الفَجرُ يَهديكَ الصِراطَ أَوِ البَجرُ
لَنا في سِوانا عِبرَةٌ غَيرَ أَنَّنا
نُغَرُّ بِأَطماعِ الأَماني فَنَغتَرُّ
إِذا المَوتُ أَضحى قَصرَ كُلِّ مُعَمَّرٍ
فَإِنَّ سَواءً طالَ أَو قَصُرَ العُمرُ
أَلَم تَرَ أَنَّ الدينَ ريعَ ذِمارُهُ
فَلَم يُغنِ أَنصارٌ عَديدٌ وَلا وَفرُ
بِحَيثُ اِستَقَلَّ المُلكُ ثانِيَ عِطفِهِ
وَجَرَّرَ مِن أَذيالِهِ العَسكَرُ المَجرُ
هُوَ الضَيمُ لَو غَيرُ القَضاءِ يَرومُهُ
شَآهُ المُرامُ الصَعبُ وَالمَسلَكُ الوَعرُ
إِذا عَثَرَت جُردُ السَوابِحِ في القَنا
بِلَيلِ عَجاجٍ لَيسَ يَصدُعُهُ فَجرُ
لَقَد بَكَرَ الناعي عَلَينا بِدَعوَةٍ
عَوانٍ أَمَضَّتنا لَها لَوعَةٌ بِكرُ
أَأَنفَسَ نَفسٍ في الوَرى أَقصَدَ الرَدى
وَأَخطَرَ عِلقٍ لِلهُدى أَهلَكَ الدَهرُ
هَنيئًا لِبَطنِ الأَرضِ أُنسٌ مُجَدَّدٌ
بِثاوِيَةٍ حَلَّتهُ فَاِستَوحَشَ الظَهرُ
بِطاهِرَةِ الأَثوابِ فاتِنَةِ الضُحى
مُسَبَّحَةِ الآناءِ مِحرابُها الخِدرُ
فَإِن أُنيئَت فَالنَفسُ أَنأى نَفيسَةٍ
إِذِ الجِسمُ لا يَسمو لِتَذكيرِهِ ذِكرُ
حَصانٌ إِنِ التَقوى اِستَبَدَّت بِسِرِّها
فَمِن صالِحِ الأَعمالِ يُستَوضَحُ الجَهرُ
يُطَأطَأُ سِترُ الصَونِ دونَ حِجابَها
فَيَرفَعُ عَن مَثنى نَوافِلِها السَترُ
لَعَمرُ البُرودِ البيضِ في ذَلِكَ الثَرى
لَقَد أُدرِجَت أَثناءَها النِعَمُ الخُضرُ
عَلَيها سَلامُ اللَهِ تَترى تَحِيَّةً
يُنَسِّمُها الغُفرانَ رَيحانُها النَضرُ
وَعاهَدَ تِلكَ الأَرضَ عَهدُ غَمامَةٍ
إِذا اِستَعبَرَت في تُربِها اِبتَسَمَ الزَهرُ
فَدَيناكَ إِنَّ الرِزءَ كانَ غَمامَةً
طَلَعَت لَنا فيها كَما يَطلُعُ البَدرُ
أَلَستَ الَّذي إِن ضاقَ ذَرعٌ بِحادِثٍ
تَبَلَّجَ مِنهُ الوَجهُ وَاِتَّسَعَ الصَدرُ
تَعَزَّ بِحَوّاءَ الَّتي الخَلقُ نَسلُها
فَمِن دونِها في العَصرِ يَتبَعُهُ العَصرُ
نِساءُ النَبِيِّ المُصطَفى أُمَّهاتُنا
ثَوَينَ فَمَغناهُنَّ مُذ حُقُبٍ قَفرُ
وَجازَيتَها الحُسنى فَأُمٌّ شَفيقَةٌ
تَحَفّى بِها اِبنٌ كُلُّ أَفعالِهِ بِرُّ
تَمَنَّت وَفاةً في حَياتِكَ بَعدَما
تَوالَت كَنَظمِ العِقدِ آمالُها النَثرُ
كأَنَّ الرَدى نَذرٌ عَلَيها مُؤَكَّدٌ
فَإِن أُسعِفَت بِالحَظِّ فيكَ وَفى النَذرُ
تَوَلَّت فَأَبقَت مِن مُجابِ دُعائِها
نَفائِسَ ذُخرٍ مايُقاسُ بِهِ ذُخرُ
تَتِمُّ بِهِ النُعمى وَتَتَّسِقُ المُنى
وَتُستَدفَعُ البَلوى وَيُستَقبَلُ الصَبرُ
فَلا تَهِضِ الدُنيا جَناحَكَ بَعدَها
فَمِنكَ لِمَن هاضَت نَوائِبُها جَبرُ
وَلا زِلتَ مَوفورَ العَديدِ بِقُرَّةٍ
لِعَينَيكَ مَشدودٍ بِهِم ذَلِكَ الأَزرُ
بَني جَهوَرٍ أَنتُم سَماءُ رِياسَةٍ
لَعافيكُمُ في أُفقِها أَنجُمٌ زُهرُ
تَرى الدَهرَ إِن يَبطُش فَمِنكُم يَمينُهُ
وَإِن تَضحَكِ الدُنيا فَأَنتُم لَها ثَغرُ
لَكُم كُلُّ رَقراقِ السَماحِ كَأَنَّهُ
حُسامٌ عَلَيهِ مِن طَلاقَتِهِ أَثرُ
سَحائِبُ نُعمى أَبرَقَت وَتَدَفَّقَت
فَصَيِّبُها الجَدوى وَبارِقُها البِشرُ
إِذا ما ذُكِرتُم وَاِستُشِفَّت خِلالُكُم
تَضَوَّعَتِ الأَخبارُ وَاِستَمجَدَ الخُبرُ
طَريقَتُكُم مُثلى وَهَديُكُمُ رِضىً
وَنائِلُكُم غَمرٌ وَمَذهَبُكُم قَصرُ
وَكَم سائِلٍ بِالغَيبِ عَنكُم أَجَبتُهُ
هُناكَ الأَيادي الشَفعُ وَالسَودَدُ الوِترُ
عَطاءٌ وَلا مَنٌّ وَحِكمٌ وَلا هَوىً
وَحِلمٌ وَلا عَجزٌ وَعِزٌّ وَلا كِبرُ
قَدِ اِستَوفَتِ النَعماءُ فيكُم تَمامَها
عَلَينا فَمِنّا الحَمدُ لِلَّهِ وَالشُكرُ
0 تعليقات