تَرفّقْ يا عُيينةُ باللّقاحِ
وبالخيلِ المُغيرةِ والسّلاحِ
وخَفِّضْ من غُرورِكَ والطّماحِ
فما مالُ النبيِّ بِمُسْتَبَاحِ
ولا هو يَومُ حربٍ أو كِفَاحِ
أتَحسَبُها صنادِيدَ الرجالِ
تداعَوا بالقواضبِ والعَوالي
وخفُّوا يا عُيينةَ للقتال
يلفُّونَ الرِّعالَ على الرعالِ
فليس على الفوارِسِ من جُناحِ
رُويدًا إنّها إبِلٌ تُساقُ
وراعٍ واحدٌ دَمُهُ يُراقُ
وما بالُ التي احتملَ الرفاقُ
أَخِفْتُم أن يكونَ لها انْطِلاقُ
فترميكم بِمُصْمَتَةٍ رَدَاحِ
كفى ابنُ الأكوعِ البَطلُ الجَسُورُ
فَذُوقُوا النَّارَ حاميةً تَفُورُ
رَمَى بالنَّبلِ فاضطرم السَّعيرُ
كذلكَ يفعلُ الرَّامي القديرُ
وتلك سِهامُهُ ما من بَراحِ
يُوالي الكَرَّ ساعِدُهُ شديدُ
وبين ضلُوعه قلبٌ حديدُ
عذابٌ إذ يكرُّ وإذ يحيدُ
يفوتُ الخيلَ منه ما تُريدُ
وإن طارت بأجنحةِ الرياحِ
إذا طلبته لم تبلغ مَدَاهُ
وإن رجَعتْ فليس لها سِوَاهُ
يمزِّقها بما ترمي يَداهُ
فتذهبُ كلَّما جاشتْ قُواهُ
حَوامِلَ لِلجِرَاحِ على الجِرَاحِ
تَخَطَّفَ لِقْحَةً من بعد أُخرى
وجَاهَدَ يُرْهِقُ الفرسانَ عُسْرا
يُريدُ لِقاحَ خَيرِ الخلقِ طُرًّا
ويَكرهُ أن يُساءَ وأن يُضَرَّا
وتلك مَشَاهِدُ البطلِ الصُّراحِ
أذاقَهُمُ البلاءَ فما استطاعوا
وغَالَهُمُ ارتجافٌ وارتياعُ
قُوىً ضاقَتْ بها هِمَمٌ وِسَاعُ
فأسلمتِ الأكُفَّ قُوىً شَعاعُ
وألقت بالبُرودِ وبِالرِّماحِ
ويَا لكِ صَيْحَةً ذَهَبَتْ تَرَامى
فَنَبَّهَتِ الأُلَى كانوا نِياما
تَلَقَّاها النبيُّ فما أقاما
وهبَّ الجيشُ يَحتَدِمُ احْتِدَامَا
وحانت وَقعةُ القَدَرِ المُتاحِ
وطار الأخرمُ الأَسَديُّ فَرْدَا
يَسُبُّ المجرمينَ وما تَعَدَّى
ولم يَرَ مِن وُرُودِ الموتِ بُدًّا
فجادَ بنفسِهِ ورَعاهُ عَهْدا
دَعَا دَاعِيهِ حيَّ على الفلاحِ
هِي الرُّؤْيَا التي قَصَّ القتيلُ
على الصِّدِّيقِ صَدَّقَهَا الدليلُ
مَضى لِسَبيلِهِ نِعمَ السَّبيلُ
فَتىً كالسَّيفِ مَشهدُهُ جَليلُ
هَوَى بِمَصَارِعِ البيضِ الصِّفاحِ
أتَى جَيشُ النبيِّ فأيُّ خَطبِ
أصابَ القومَ من فَزَعٍ ورُعْبِ
إذا خفَقَ اللِّواءُ فكلُّ قلبِ
مِنَ الخَفَقَانِ في هَمٍّ وكَرْبِ
فرِفقًا يا ابنَ زيدٍ بالقِدَاحِ
رَمَوْا وَرَمَيْتَ بالأَبْطالِ شُوسا
تَخُوضُ إلى الوَغَى يَومًا عَبُوسا
تُفَلِّقُ من أَعَادِيها الرُّؤوسا
وَتَبذُلُ دُونَ بَيْضَتِها النُّفُوسا
كذلِكِ فَلْيَكُنْ بَذلُ السَّماحِ
إلى ابنِ عُيينةَ انطلَقَ القضاءُ
فما بأبيهِ إذ أودى غَناء
له من حولِ مَصرعِهِ عُواءُ
إذا شَفَتِ الصَّدَى البِيضُ الظِّماءُ
فأهوِنْ بالعُواءِ وبالنُّباحِ
وأين دَمُ ابنِ نَضْلَةَ هل يَضِيعُ
ويَبقى بعده الحَدَثُ الفظيعُ
لَعمرُكَ ما لقاتِلِهِ شَفيعُ
صَريعٌ طاحَ في دَمِهِ صَرِيعُ
أُحِيْطَ بِهِ فَعُوجِلَ باجْتياحِ
هو المِقْدَادُ إن دُعِيَتْ نَزالِ
تَقَدَّمَ لا يَهابُ ولا يبالي
وما بأبي قَتَادَةَ في الرجالِ
خَفَاءٌ حين تَشْتَجِرُ العَوالِي
وحين يُقالُ أينَ ذَوُو النّطاحِ
أصابَ السَّهمُ وَجهًا منه نَضْرا
وأبصرَهُ النبيُّ فقالَ صَبْرا
وعَالَجَهُ فأخرجَ منه شَرّا
وألقى نَفْثَةً كَرَمًا وبِرّا
فراحَ يَزِفُّ في القومِ الصِّحاحِ
تزوَّدَ منه كَنْزًا ليس يَفْنَى
تَزَوَّدَ دَعوةً سعدًا ويُمنا
تزوَّدَ رحمةً وَهُدىً وأمْنا
تَزَوَّدَ ما أحبَّ وما تَمَنَّى
وجاوزَ كلَّ سُؤْلٍ واقتراحِ
شَفِيْتَ أبا قَتَادَةَ كلَّ صادِ
لَهِيفِ الصّدرِ حرّانِ الفُؤادِ
يَبيتُ على أَسىً مِمّن يُعادِي
رَسولَ اللهِ في دِينِ الجهادِ
وفي دُنيا المُروءةِ والصّلاحِ
غَنِمْتَ سِلاَحَ مسعدَةَ الشقِيِّ
وَفُزْتَ بِطَرْفِهِ فَوْزَ التَّقِيِّ
عَطاءٌ من جَوادٍ أريحِيِّ
غَطاءُ اللَّهِ مِن يَدَي النَّبيِّ
رسولِ اللَّهِ أفضلِ مُستَماحِ
لقد أحدثتَ للأبطالِ شُغْلًا
وَهَمًَّا ما أشدَّ وما أجَلَّا
سُقُوا مَكْرُوهَهُ نَهَلًا وَعَلَّا
ولولا فَضلُ رَبِّكَ ما تَجَلَّى
دَعَوْا إذ أبصروا البُرْدَ المخَلَّى
على الجَسَدِ الذي أوجعتَ قتلا
نَعاءِ أبا قَتَادَةَ إذ تَوَلَّى
نَعاءِ الفارسَ البطلَ المُدِلّا
وضَجُّوا بالتي في الخطبِ تُتْلَى
فَتنفعُ مَن تَجَلَّدَ أو تَسَلَّى
فَقَالَ مُحمدٌ يا قومُ كلّا
أخوكم لم يَزَلْ حَيًّا فَمَهْلا
كَفَاكُمْ رَبُّكُمْ فَقْدًا وثُكْلا
فأشرقَتِ الوجوهُ وكان فَضْلا
طَوَى قَرْحَى القُلوبِ على ارْتِيَاحِ
تَدَاعَى القومُ صَفًّا بعد صَفِّ
وَوَلَّوْا بعدَ إقدامِ وَزَحْفِ
مَضَوْا بالنّصفِ لو ذهبوا بألفِ
من اللائي اصطَفَى النُّعْمَانُ صِرْفِ
لَمَا فَرحوا بفوزٍ أو نجاحِ
وأقبلتِ الأخيذَةُ بعد يأسِ
على العَضْبَاءِ في شَعَثٍ وبُؤْسِ
عَنَاها الضُّرُّ من أسرٍ وحَبْسٍ
وسُوءِ الصُّنْعِ مِن ظُلمٍ وَوَكْسِ
على يدِ كلِّ عِرِّيضٍ وَقَاحِ
أتت للمسلِمِينَ بها ابتهاجُ
وللكُفّارِ إذ نَجَتِ اهْتِيَاجُ
أبا ذَرٍّ وللضِّيقِ انفراجُ
وَرُبَّتَما حَلا الوِردُ الأُجاجُ
هنيئًا بات صدرُكَ في انشراحِ
أَتذكُرُ إذ يقولُ لكَ الرَّسولُ
أقم فالأمرُ باطِنُهُ مَهُولُ
وما تَدْرِي إلامَ غَدًا يَؤُولُ
ستعرفُهُ وتذكرُ ما أقولُ
إذا ما الغيبُ آذَنَ بِاتّضاحِ
أتت فَرْحَى وقالت حلَّ نَذرِي
فإن أَذِنَ الرّسولُ قَضيتُ أَمْرِي
هِيَ العضباءُ تُعقَرُ ما لإِصْرِي
سِوَاها إن أردتَ شِفَاءَ صَدْرِي
عَليَّ اليومَ بعد فكاكِ أسرِي
وفاءُ النَّذرِ ما لي من مَفَرِّ
وقَانِي اللَّهُ من سُوءٍ وشَرِّ
له سُبحانَهُ حَمدِي وشُكري
على أن صِرْتُ مطلقة السَّراحِ
فقالَ لها رسولُ اللَّهِ إيهِ
لبئسَ جَزَاءَها أن تفعليهِ
دَعِي النَّذرَ المحرَّمَ واتركيهِ
وخافي اللَّهَ ربَّكِ واتَّقِيهِ
لَشَرُّ النَّذرِ مالا يرتضيهِ
وما لا حَقَّ للإنسانِ فيهِ
دَعِي لي ناقتي وتعلَّميهِ
قضاءً ما اهتدى من لا يَعِيهِ
وكيف تُقاسُ مَنزلةُ الفقيهِ
بمنزلةِ الغَبيِّ أوِ السَّفِيهِ
هُنالِكَ حيُّ أهلِكِ فاطلبيهِ
على بَرَكاتِ رَبِّكَ واحمديه
إلَهًا ما لما يَقضِيهِ ماحِ
قَضيتَ الحقَّ فاغتنمِ الجزاءَ
وَزِدْ يا سعدُ في الدنيا عَلاَءَ
وَسِعْتَ غُزاةَ ذِي قَرَدٍ سَخَاءَ
وكنتَ لهم أخًا يَرْعَى الإخاءَ
بَعثتَ التَّمْرَ يُعجِبُهُم نَماءَ
وَسُقْتَ البُدْنَ تُطربُهُم رُغَاءُ
قِراكَ إذا هُمُ التمسوا الغذاءَ
وَبِرُّكَ لا يزالُ لهم رَجاءَ
كذلكَ أنتَ ما تألو وفاءَ
وَحُبًّا للأُلَى صدقوا البلاءَ
بُنَاةُ الحقِّ مَا مَلُّوا البِنَاءَ
وإن عَلَتِ الدِّمَاءُ بهِ الدِّماءَ
أجَلْ يا سَعْدُ فارفعها سماءَ
تُجاوزُ كُلَّ مُطَّلَعٍ سَناءَ
جَرَى الكُرَماءُ فانتبهوا الثّناءَ
وما بلغوكَ جُودًا أو عَطَاءَ
رُزِقْتَ البأسَ أجمعَ والمضاءَ
فكنتَ أحقَّ من مَنَعَ اللّواءَ
بِشُكْرٍ في الهزاهزِ وامتداحِ
رسولُ اللَّهِ يُؤذِنُ بالإيابِ
وَيَرجِعُ بالأحبّةِ والصّحابِ
يَسيرُ مِنَ الجلالةِ في رِكَابِ
تَدينُ لِعِزِّهِ غُلْبُ الرقابِ
تُسَايِرُهُ بآياتِ الكتابِ
مُرَتَّلَةً بأنغامٍ عِذَابِ
صُفوفٌ من ملائكةٍ طِرَابِ
تُظَلِّلُهُ بأجنحةٍ رِطابِ
تَرِفُّ على الرَّوابِي والبطاحِ
حبا ابنَ الأكوعَ الشَّرَفَ المُنِيفَا
وحَسْبُكَ أن يكونَ له رَدِيفَا
كَذَلِكَ يَرفَعُ اللَّهُ الشَّريفا
وَيَجْزِي المؤمِنَ البَرَّ الحنيفا
أطيلي ناقةَ اللَّهِ الوَجِيفا
وَوَالِي الخطوَ مُرْتَجَلًا خَفيفا
حَملتِ أجلَّ مَن يحمي الضَّعيفا
وأعدل مَن يُحاذِرُ أن يَحيفا
حَماكِ وعَطَّلَ النذرَ السَّخيفا
وأمضى حُكْمَهُ سَمْحًا عَفيفا
حَملتِ اللّيثَ فالتمسِي الغريفا
جُزيتِ كرامةً وَرُزِقْتِ رِيفا
وبُورِكَ في غُدوِّكَ والرَّواحِ
رسولُ الخيرِ جاءَ بكلِّ سَمْحِ
مِنَ الأخلاقِ في صدقٍ ونُصْحِ
تَدَارَكَ سَوْرةَ البطلِ المُلِحِّ
وأوصاهُ بإحسانٍ وصَفْحِ
وكان القومُ في جُهدٍ وبَرْحِ
وَرَاءَ الماءِ ما ظَفروا بِرَشْحِ
تَنَحَّوْا عنه إذ كُرِهَ التنحِّي
فما ابتلَّتْ جَوانِحُهُم بِنُضْحِ
ولو أُخِذُوا بتقتيلٍ وذَبْحِ
لما اعتصموا بِسَيْفٍ أو بِرُمْحِ
صنيعةُ مُحسنٍ يُمسي وَيُضْحِي
له تاجانِ من شُكْرٍ وَمَدْحِ
رَحِيمِ القلبِ يأسو كلَّ جُرْحِ
ويَعْتَدُّ الجميلَ أجلَّ فَتْحِ
وما ينفكُّ في كَدٍّ وكَدْحِ
يُقيمُ الحقَّ صَرْحًَا بعد صَرْحِ
ويَحْمِي الدِّينَ مِن كلِّ النواحي
0 تعليقات