أَجَل إِنَّ لَيلى حَيثُ أَحياؤُها الأُسدُ
مَهاةٌ حَمَتها في مَراتِعِها أُسدُ
يَمانِيَةٌ تَدنو وَيَنأى مَزارُها
فَسِيّانِ مِنها في الهَوى القُربُ وَالبُعدُ
إِذا نَحنُ زُرناها تَمَرَّدَ مارِدٌ
وَعَزَّ فَلَم نَظفَر بِهِ الأَبلَقُ الفَردُ
تَحولُ رِماحُ الخَطِّ دونَ اِعتِيادِها
وَخَيلٌ تَمَطّى نَحوَ غاياتِها جُردُ
لَحِيٍّ لَقاحٍ تَأنَفُ الضَيمَ مِنهُمُ
جَحاجِحَةٌ شيبٌ وَصُيّابَةٌ مُردُ
أَبٌ ذو اِعتِزامٍ أَو أَخٌ ذو تَسَرُّعِ
فَشَيحانُ ماضي الهَمِّ أَو فاتِكٌ جَلدُ
فَما شيمَ مِن ذي الهَبَّةِ الصارِمِ الشَبّا
وَلا حُطَّ عَن ذي المَيعَةِ السابِحِ اللِبدُ
وَفي الكِلَّةِ الحَمراءَ وَسطَ قِبابِهِم
فَتاةٌ كَمِثلِ البَدرِ قابَلَهُ السَعدُ
عَقيلَةُ سِربٍ لا الأَراكُ مَرادُهُ
وَلا قَمِنٌ مِنهُ البَريرُ وَلا المَردُ
تَهادى فَيُضنيها الوِشاحُ غَريرَةٌ
تَأَوُّهُ مَهما ناسَ في جيدِها العِقدُ
إِذا استُحفِظَت سِرَّ السُرى جُنحَ لَيلِها
تَناسى النَمومانِ الأُلُوَّةُ وَالنَدُّ
لَها عِدَّةٌ بِالوَصلِ يوعِدُ غِبَّها
مَصاليتُ يُنسى في وَعيدُهُمُ الوَعدُ
عَزيزٌ عَلَيهِم أَن يَعودَ خَيالُها
فَيُسعِفَ مِنها نائِلٌ في الكَرى ثَمدُ
كَفى لَوعَةً أَنَّ الوِصالَ نَسيئَةٌ
يُطيلُ عَناءَ المُقتَضي وَالهَوى نَقدُ
سَتُبلِغُها عَنّا الشَمالُ تَحِيَّةً
نَوافِحُ أَنفاسِ الجَنوبِ لَها رَدُّ
فَما نُسِيَ الإِلفُ الَّذي كانَ بَينَنا
لِطولِ تَنائينا وَلا ضُيِّعَ العَهدُ
لَئِن قيلَ في الجِدِّ النَجاحُ لِطالِبٍ
لَقَلَّ غَناءُ الجِدِّ ما لَم يَكُن جَدُّ
يَنالُ الأَماني بِالحَظيرَةِ وادِعٌ
كَما أَنَّهُ يُكدي الَّذي شَأنُهُ الكَدُّ
هُوَ الدَهرُ مَهما أَحسَنَ الفِعلَ مَرَّةً
فَعَن خَطَإٍ لَكِن إِساءَتُهُ عَمدُ
حِذارَكَ أَن تَغتَرَّ مِنهُ بِجانِبٍ
فَفي كُلِّ وادٍ مِن نَوائِبِهِ سَعدُ
وَلَولا السَراةُ الصَيدُ مِن آلِ جَهوَرٍ
لَأَعوَزَ مَن يُعدي عَلَيهِ مَتى يَعدو
مُلوكٌ لَبِسنا الدَهرَ في جَنَباتِهِم
رَقيقَ الحَواشي مِثلَما فُوِّفَ البُردُ
بِحَيثُ مَقيلُ الأَمنِ ضافٍ ظِلالُهُ
وَفي مَنهَلِ العَيشِ العُذوبَةُ وَالبَردُ
هُمُ النَفَرُ البيضُ الَّذينَ وُجوهُهُم
تَروقُ فَتَستَشفي بِها الأَعيُنُ الرُمدُ
كِرامٌ يَمُدُّ الراغِبونَ أَكُفَّهُم
إِلى أَبحُرٍ مِنهُم لَها بِاللُها مَدُّ
فَلا يُنعَ مِنهُم هالِكٌ فَهوَ خالِدٌ
بِآثارِهِ إِنَّ الثَناءَ هُوَ الخُلدُ
أَقِلّوا عَلَيهِم لا أَبا لِأَبيكُم
مِنَ اللَومِ أَو سُدّوا المَكانَ الَّذي سَدّوا
أُولَئِكَ إِن نِمنا سَرى في صَلاحِنا
سِجاحٌ عَلَينا كُحلُ أَجفانِهِم سُهدُ
أَلَيسَ أَبو الحَزمِ الَّذي غِبَّ سَعيِهِ
تَبَصَّرَ غاوينا فَبانَ لَهُ الرُشدُ
أَغَرُّ تَمَهَّدنا بِهِ الخَفضَ بَعدَما
أَقَضَّ عَلَينا مَضجَعٌ وَنَبا مَهدُ
لَشَمَّرَ حَتّى اِنجابَ عارِضُ فِتنَةٍ
تَأَلَّقَ مِنها البَرقُ وَاِصطَخَبَ الرَعدُ
فَسالَمَ مَن كانَت لَهُ الحَربُ عادَةً
وَوافَقَ مَن لاشَكَّ في أَنَّهُ ضِدُّ
هُوَ الأَثَرُ المَحمودُ إِن عادَ ذِكرُهُ
تَطَلَّعَتِ العَلياءُ وَاِستَشرَفَ المَجدُ
تَوَلّى فَلَولا أَن تَلاهُ مُحَمَّدٌ
لَأَوطَأَ خَدَّ الحُرِّ أَخمَصُهُ العَبدُ
مَليكٌ يَسوسُ المُلكَ مِنهُ مُقَلِّدٌ
رَوى عَن أَبيهِ فيهِ ما سَنَّهُ الجَدُّ
سَجِيَّتُهُ الحُسنى وَشيمَتُهُ الرِضى
وَسيرَتُهُ المُثلى وَمَذهَبُهُ القَصدُ
هُمامٌ إِذا زانَ النَدِيَّ بِحَبوَةٍ
تَرَجَّحَ في أَثنائِها الحَسَبُ العِدُّ
زَعيمٌ لِأَبناءِ السِيادَةِ بارِعٌ
عَلَيهِم بِهِ تُثنى الخَناصِرُ إِن عُدّوا
بَعيدُ مَنالِ الحالِ داني جِنى النَدى
إِذا ذُكِرَت أَخلاقُهُ خَجِلَ الوَردُ
تَهَلَّلَ فَاِنهَلَّت سَماءُ يَمينِهِ
عَطايا ثَرى الآمالِ مِن صَوبِها جَعدُ
مُمِرٌّ لِمَن عاداهُ إِذ أَولِياؤُهُ
يَلَذُّ لَهُم كَالماءِ شيبَ بِهِ الشَهدُ
إِذا اِعتَرَفَ الجاني عَفا عَفوَ قادِرٍ
عَلا قَدرُهُ عَن أَن يَلِجَّ بِهِ حِقدُ
وَمُتَّئِدٌ لَو زاحَمَ الطَودَ حِلمُهُ
لَحاجَزَهُ رُكنٌ مِنَ الطَودِ مُنهَدُّ
لَهُ عَزمَةٌ مَطوِيَّةٌ في سَكينَةٍ
كَما لانَ مَتنُ السَيفِ وَاِخشَوشَنَ الحَدُّ
يُوَكِّلُ بِالتَدبيرِ خاطِرَ فِكرَةٍ
إِنِ اِقتَدَحَت في خاطِرٍ أَثقَبَ الزَندُ
ذِراعٌ لِما يَأتي بِهِ الدَهرُ واسِعٌ
وَباعٌ إِلى مايُحرِزُ الفَخرَ مُمتَدُّ
إِذا أَسهَبَ المُثنونَ فيهِ شَأَتهُمُ
مَراتِبُ عُليا كَلَّ عَن عَفوِها الجُهدُ
هُوَ المَلِكُ المَشفوعُ بِالنَسكِ مُلكُهُ
فَيا فَضلَ مايَخفى وَيا سَروَ مايَبدو
إِلى اللَهِ أَوّابٌ وَلِلَّهِ خائِفٌ
وَبِاللَهِ مُعتَدٌّ وَفي اللَهِ مُشتَدُّ
لَقَد أَوسَعَ الإِسلامَ بِالأَمسِ حِسبَةً
نَحَت غَرَضَ الأَجرِ الجَزيلِ فَلَم تَعدُ
أَباحَ حِمى الخَمرِ الخَبيثَةِ حائِطًا
حِمى الدينِ مِن أَن يُستَباحَ لَهُ حَدُّ
فَطَوَّقَ بِاستِئصالِها المِصرَ مِنَّةً
يَكادُ يُؤَدّي شُكرَها الحَجَرُ الصَلدُ
هِيَ الرِجسُ إِن يُذهِبهُ عَنهُ فَمُحسِنٌ
شَهيرُ الأَيادي ما لِآلائِهِ جَحدُ
مِظَنَّةُ آثامٍ وَأُمُّ كَبائِرٍ
يُقَصِّرُ عَن أَدنى مَعايِبِها العَدُّ
رَأى نَقصَ مايَجبيهِ مِنها زِيادَةً
إِذِ العِوَضُ المَرضِيَّ إِلّا يَرُح يَغدو
غَنِيٌّ فَحُسنُ الظَنِّ بِاللَهِ مالُهُ
عَزيزٌ فَصُنعُ اللَهِ مِن حَولِهِ جُندُ
لَنِعمَ حَديثُ البِرِّ تودِعُهُ الصَبا
تَبُثُّ نَثاهُ حَيثُ لاتوضِعُ البُردُ
تَغَلغَلَ في سَمعِ الرَبابِ وَطالَعَت
لَهُ صورَةً لَم يَعمَ عَن حُسنِها الخُلدُ
مَساعٍ أَجَدَّت زينَةَ الأَرضِ فَالحَصى
لَآلِئُ نَثرٌ وَالثَرى عَنبَرٌ وَردُ
لَدى زَهَراتِ الرَوضِ عَنها بِشارَةٌ
وَفي نَفَحاتِ المِسكِ مِن طيبِها وَفدُ
فَدَيتُكَ إِنّي قائِلٌ فَمُعَرِّضٌ
بِأَوطارِ نَفسٍ مِنكَ لَم تَقضِها بَعدُ
مُنىً كَالشَجى دونَ اللَهاةِ تَعَرَّضَت
فَلَم يَكُ لِلمَصدورِ مِن نَفثِها بُدُّ
أَمِثلِيَ غُفلٌ خامِلُ الذِكرِ ضائِعٌ
ضَياعَ الحُسامِ العَضبِ أَصدَأَهُ الغِمدُ
أَبى ذاكَ أَنَّ الدَهرَ قَد ذَلَّ صَعبُهُ
فَسُنِّيَ مِنهُ بِالَّذي نَشتَهي العَقدُ
أَنا السَيفُ لا يَنبو مَعَ الهَزِّ غَربُهُ
إِذا ما نَبا السَيفُ الَّذي تَطبَعُ الهِندُ
بَدَأتَ بِنُعمى غَضَّةٍ إِن تُوالِها
فَحُسنُ الأُلى في أَن يُوالِيَها سَردُ
لَعَمرُكَ ما لِلمالِ أَسعى فَإِنَّما
يَرى المالَ أَسنى حَظِّهِ الطَبِعُ الوَغدُ
وَلَكِن لِحالٍ إِن لَبِستُ جَمالَها
كَسَوتُكَ ثَوبَ النُصحِ أَعلامُهُ الحَمدُ
أَتَتكَ القَوافي شاهِداتٍ بِما صَفا
مِنَ الغَيبِ فَاِقبَلها فَما غَرَّكَ الشَهدُ
لَيَحظى وَلِيٌّ سِرُّهُ وَفقُ جَهرِهِ
فَظاهِرُهُ شُكرٌ وَباطِنُهُ وُدُّ
يُمَيِّزُهُ مِمَّن سِواهُ وَفاؤُهُ
وَإِخلاصُهُ إِذ كُلُّ غانِيَةٍ هِندُ
0 تعليقات