إِذا الشعرُ لم ينفثْ به ربُّه السحرا
لعمرو القوافي الغر ما فَقِه الشعرا
فلم يبق بعد الوحي من نبإِ السما
إلى الأرضِ غيرُ الشعرِ معجزةً كبرى
عَلَى كلِّ نفسٍ تستقل بحمله
لقدْ نزل الروحُ الأَمين به بشرى
إِذا لم يكنْ صوبَ العقول رواجحا
فما هو إِلاّ الهذر أَو يشبه الهذرا
وَإِن لم يكنْ وَحي النفوسِ طروبة
فمضغك إِياه كمن يمضغ الصخرا
أَرى كلَّ ميزانٍ سوى الطبع في الفتى
لما يزيد الشعر في وَزنه خسرا
فإِن لم يكن صوغُ القوافي سجيةً
فليس بمجدٍ أَن تخوضَ لها البحرا
رأَيت المعاني كالحمائم لم تَرِدْ
سوى سائغِ الأَلفاظ أَو عذبها نهرا
وكالرودِ لم تعطِفْ عَلَى غير مُعربٍ
وَلم تتخذْ غيرَ الفصيح لها خدرا
فيا ضيعة المعنى إِذا اللفظُ خانه
وَواهًا له حيًا لقد سَكَنَ القبرا
أَرى وَحقيقٌ بالقبول الذي أَرى
بشيئين أَضحى الشعر قد فضل النثرا
بنسجٍ كنسجِ (البحتريِّ) وحكمة
تضارعُ ما كان (المعري) به مغرى
أَتينا عَلَى حينٍ من الدهرِ لم نجدْ
بفترته إِلا البكيْ أَو النزرا
وأَعمى لقد ضلَّ القوافي منيرةً
ولم ير إِلا كلَّ قافيةٍ عورا
ومتهمًا بالشعرِ والنثر نفسه
رعى منهما شوكًا بباديةٍ قفرا
دَعِيَا إِلى الآدابِ وهي وَأَهلها
إِلى الله من دعوى سخافته تَبرا
هوى كهويّ الفرخ هيض جناحُه
وَقد رام أَن يحذو بتحليقه النَسْرا
وَأَقعده عجز فأَصبح ساخطًا
كأَنَّ له عند الأُولى سبقوا ثأْرا
فَخَطْأَ من قد صوب الفَنُّ صنعه
كأَرمد ذمَّ الشمسَ وانتقص البدرا
يصيحُ وَيدعوا (للجديد) وحزبه
وليس بدارٍ منه قلاَّ وَلا كثرا
أَأَنبذُ لحني كي أَدينَ بلحنه؟
إِذًا أَنا أَرضى بعد إِيماني الكفرا
فداك أَب ما أَنجبت بك زوجه
وَقَد حملت في حملك الخزي والوِزرا
أَترفض شيئًا ما تذوَّقت طعمه
وَتدعو لشيءٍ لا تحيطُ به خبرا؟
بهذا بدا فضل الموجوِّد ماثلًا
كذلكَ فضل الضدِّ من ضده يُدرى
هو الشعرُ ما أَداه طبعُ (محمد)
أَدار عَلَى الأَلبابِ من سحرِه خمرا
مهلهل نسج اللفظ ما فيه مغمز
متين عَرى الإِحكام مشدوده أسرا
إِذا ما همى دمعًا عَلَى ذابلِ المنى
يعود به غُصْنُ الأَمانيِّ مخضرّا
فتى الشعر أَعطته القياد فتاته
وَلم تنتحلْ في ردِّ طلبتهِ عذرا
فَمِنْ كلِّ لفظٍ يصطفي آنساته
وَمن كل معنى رائعٍ يَضْرَعُ البكرا
يشقّق أَلفاظَ البداةِ مطارفًا
إِلى حَضَرِيَّات المعاني بما أَثرى
دعا للتي من دونها السيفُ مصلتٌ
فأَيقظ قومًا داءُ نومهمُ استشرى
سقى أَملًا فيهم وَأَورى حميةً
فللّه ما أَروى وَلله ما أَورى
إِذا لم ينبّه شاعرُ القومِ قومَه
فذاكَ بأَن يشقى به قومه أَحرى
أَرى الشعرَ أَنفاسًا يصرّفها الفتى
فيطفي بها جمرا وَيذكي بها جمرا
وَينفخها روحًا بميّتِ أُمةٍ
فتنسل من أَجداث غفلتها تترى
0 تعليقات