المساورة أمام الباب الثاني لـ مظفر النواب

في طريق الليل
ضاعَ الحادث الثاني
وضاعت زهرة الصبّار
لا تَسَل عني
لماذا جنتي في النار
جنتي في النار
فالهوى أسرار
والذي يُغضي
على جمر الغضى أسرار
يا الذي تُخفي الهوى
بالصّبر .. يا بالله
كيف النار تخفي النار؟
يا غريب الدار
إنها أقدار
كل ما في الكون
مقدار وأيام له
إلّا الهوى
ما يومه يوم
ولا مقداره مقدار
لم نجد فيما قطار العمر
يدنو من بقايا الدرب
من ضوء على شيئ
وقد ضَجّ الأسى أسراب
كنت تدعونا وأسرعنا
وجدنا هذه الدنيا
محطات بلا ركاب
ثم سافرنا
على أيامنا أغراب
لم يُوَدِّعنا بها
إلّا الصدى أو نخلة
تبكي على الأحباب
يا غريبًا يطرق الأبواب
والهوى أبواب
نحن من باب الشجى
ذي الزُخرُف الرمزي
والألغاز والمغزى
وما غنّى
على أزمانه زرياب
كلنا قد تاب يومًا
ثم ألفى نفسه
قد تاب عمّا تاب
كل ما في الكون
أصحابٌ وأيامٌ له
إلّا الهوى
ما يومُه يومٌ
ولا أصحابه أصحاب
نخلة في الزّاب
كان يأتي العمر
يَقضي صَبوَة فيها
ويُصغي للأقاصيص
التي من آخر الدنيا
هنا يُفضي بها الأعراب
هب عصف ريح
وا يوماه يومًا
وانتهى كل الذي
قد كان من دنيا
ومن عُمرٍ
ومن أحباب
ها هنا ينهالُ في صمتٍ
رماد الموت
يخفي ملعب الأتراب
كم طرقنا بابَك السري
في وَجدٍ وخوفٍ
لم تُجِبنا
وابتعدنا فرسَخًا هجرًا
فألفيناك سكرانًا جوابات
فلم نَغفِر ولم تَغفِر
كلانا مُدَّعٍ كذاب
كل غيٍ تاب
إنما غيّي
وغيّ فيك قد غابا
وراء النرجِس
المكتوب للغيّاب
قد شُغِلنا ليلةً بالكأس
والأخرى بأخت الكأس
والكاسات إن صَحّ
الذي يَسقيكَ إيّاها
لها أنساب
يا غريبًا بابه
غرب الحِمى
مفتوحةٌ للريح
والأشباح والأعشاب
قُم بِنا
نَفحُ الخُزامى طاب
ننتمي للسِّر
لا تسأل
لماذا ألف مفتاح
ومفتاح
لهذي الباب
لا تَسَل
من عادة أن تكثر الأقوال
فيمن ذاق خَمر الخمر
في المِحراب
لم يقع في الشك
إلّا أنه
مِن لسعَة الأوساخ
تنمو خمرة الأعناب
لم يَقُل فيها
جِناسًا أو طِباقًا
إنما إطلاق
نَبِّه العشاق
مُدنَف أودى بلا هَجرٍ
ولا وصل بباب الطاق
مرهَق من خِرقة الدنيا
على أكتافِه
لم تَستُر الأشجان
والإشراق والأشواق
لم يَكن أغفى
وحَبّات الندى سالت
على إغفائِه شوطًا
ودبَّ الفجر
في أوصاله رَقراق
آه مِما فزّ من إغفاءةٍ
لم تَلمَس الأحداق
أي طير لا يُرى
إلاّ بما ينجاب
عن ترديده البُني
سعف النخل والأعذاق
مُوغِل في السر
مُندَسّ بنار الماء
في الأعماق
يا طائرًا يَحكي
لماءٍ أزرقٍ
بالوَجدِ في الأعماق
ما أبعدَ الأعماق
لم يفق يومًا
ولم يأبه بِمَن قد فاق
مُشفِقٌ مُشتاق
كله إطراق
أثملته الخمر صحوًا
فانبرى يبكي
وأطفال الزمان الغرّ
ضَجّوا حوله سخرية
في عالم الأسواق
قل لأهل الحي
هل في الدور من عشق
لهذا المُبتَلى تِرياق
نأمَةٌ في العشق تكفي
نقطة تكفي
فلا تُكثِر عليك
الحبر والأوراق
كل ما في الكون
تنقيطٌ له
إلّا الهوى
إحذر
فبالتنقيط نَهوي
واسأل العشاق
هاك كأسًا لم يَذُقها
شارِبٌ في الدنيا
موشاة بحبات الندى
سلطانُها سلطان
إنها جسر الدُجى
في المعبر السري
فلتَعبُر ولا تُنصِت
لِمَن أعياهُم
الإدراك والإدمان
لم يَكُن إيوان كِسرى
مثلما إيوانها إيوان
إن كأسَ الله هذي
مِسكُها رُبّان
هذه دربٌ وقد تُفضي
إلى بوابةِ البُستان
إنما انفَضَّ
الندامى والمغني
فاتَّئِد في وَحشَتي
يا آخرَ الخِلّان.

إرسال تعليق

0 تعليقات