بشراي أن يممت خير ميمم لـ حازم القرطاجني

بُشراي أنْ يممتُ خَيرَ مُيمَّمِ
وحططتُ رحلي في أعزِّ مخيَّم

ووجدتُ نارَ هدىً على ليل السرى
فَرَجَتْ لعيني كلَّ بابٍ مبهم

فتركتُ خَفْضَ جناحِ عيشٍ أفيحٍ
وسريتُ تحت جناحِ ليلٍ أسحم

وكأنني لليُمْنِ إذ أسري به
أُمْطيتُ صَهْوةَ أشقرٍ لا أدهم

حتَّى قَدِمْتُ على مقامٍ عنده
بشَّرتُ آمالي بأسعدِ مَقْدَم

ولمحتُ غُرَّةَ قائم متهلل
يسطو بصرفِ الحادث المتجهم

جرّار كلّ كتيبةٍ جرارةٍ
أذيالَها فوق القنا المتحطّم

في جحفلٍ جمِّ اللغات مُجَمِّعٍ
بين الفصيحِ لسانُه والأعجم

وعصابةٍ مهديَّة متقلدي
هنديةٍ كَسَنا البروق المضرم

ما أُلبست مذ زايلتْ أغمادَها
بأكفهمْ إلاَّ غُمودًا من دم

كتبتْ على الأعداء رقًّا عن دمٍ
منهم يسيلُ وأدمعٍ كالعندم

من كل ساطٍ يومَ بأسٍ أو ندىً
بالبيضِ بين تَبَسُّلٍ وتبسُّمِ

يقري الكماةَ ظبا السُّيوف وتارةً
يَقْري الضيوفَ ذرى السنام الأكوم

ملكٌ أقام صَغا العُصاةِ ومَيْلهُمْ
عن كلِّ مطَّردِ الكعوبِ مقوم

ورمى العداة ففلَّ غرب صميمهمْ
عن كل مطرورِ الغُروبِ مصمِّم

ما يحتمي بالجيش كلا بل به
وببأسهِ الجيشُ العرمرمُ يحتمي

قد صَيَّر الدنيا اتصالُ أمانِها
حرمًا بصارمه المُحِلِّ المحْرم

إن الأمير حمى وحاط حِمى الهدى
بالرأي والرَّعْيِ السديدِ المبرم

فأعدَّ للإسلام أنفسَ عُدَّة
وبنى بناءً ليس بالمتهدّم

نيطَتْ ولايةُ عهدِه بسليله
وشبيههِ والشبلُ شبهُ الضيغم

فغدتْ به تعلو ويستعلي بها
كالسيفِ في كفِّ الشجاعِ المقْدم

فالدينُ والدنيا معًا قد بَشَّرا
منه لأنوار الهدى بمتمّم

نَضِرَتْ شبيبته ولكن عودُهُ
عاصٍ على الأعداءِ صُلب المعْجَم

فسنوهُ مشبهةٌ أنابيبَ القنا
عَدَدًا وعدُّ خلالِهِ كالأنجم

بأسٌ كما ترمي السماءُ بشُهْبها
وندًى كماتنهلُّ هاطلةُ السُّمي

وإذا أبو يحيى تعاجَلَ والحيا
أزْرَتْ أناملهُ بِنَوْءِ المِزْرَم

ملكٌ إلى عليا أبي حفص نمي
أكرِمْ بذاك المنْتَمَى والمنتمي

من آل عبد الواحد الغرّ الألى
جَبْرُ الكسير بهم ويُسْرُ المُعْدم

هم سكَّنوا نَزْوَ الخطوبِ ونظموا
بالعدل ما لولاهم لم يُنْظَم

آثارُ هديٍ فيهمُ موروثةٌ
وشناشنٌ معروفةٌ من أخزم

وعلًا تواصَوْ كابرًا عن كابرٍ
بتراثهنَّ على الزمانِ الأقدم

صلَّى الملائكةُ الكرام عليهمُ
وسقى الغمامُ عظامَ تلك الأعظم

أوليَّ عهدِ المؤمنين المرتضى
لإقامةِ الدينِ الحنيفِ القيِّم

في كلِّ يومٍ أَنْتَ موجبُ أنْعُمٍ
تقضي لنا بوجوبِ شكرِ المنعم

رُعِيَ الرعايا منك إذ ريع العدا
بمنيم يقظانٍ وموقظِ نُوّم

هيهات تعتصمُ الأعادي منكمُ
ولو ارتقَوا في مثل رَوْقِ الأعصم

أمطرتهم مطرًا كأنَّ ربابَهُ
رِجْلُ الدَّبا يبدو بحقلٍ أقتم

من كلِّ لافظةٍ بما في صدرها
تمسي وتصبحُ للردى كالقوّم

تحنو على أبنائها وتُبينُهمْ
كَفَعالِ ذي الرُّحمى ومَنْ لم يرحم

ما إن تغادرُ إذ ترنُّ لثكلهم
أُمًّا ولودًا غير ثكلى أيِّم

فغدت قسيُّ النبعِ مثمرةً لكم
بالنصرِ وهو من النبات الأعقم

أعشت نواظرهم بروقُ قواضبٍ
يلمعن في زَجِلِ الرعودِ مُزَمْزَم

ومغيرةٍ وجهَ النهار ومدَّه
ليست إذا صامَ النهارُ بصيَّم

يخرجنَ من خَلَلِ القتامِ عليهمُ
من بطنِ وادٍ أو ثنايا مَخْرَم

ويطأنَ أذيال السوابغِ مثلما
عثر النسيمُ بجلدةِ ابن الأرقم

لمست تلمسانًا بِخُشْنِ براثنٍ
من كل نابي الظُّفر غيرِ مقلم

ينبيك صارمُه وتعلمُ أنَّه
هادٍ إلى رأس الكميِّ المعلم

عاطى الصفاحَ مدامةً إبريقُها
بسبائب الكتّان غيرُ مفدَّم

فترى الذبابَ بها يغني في الطلى
هَزِجًا كفعل الشارب المترنم

ماجتْ بها لججُ الحديدِ محيطة
فتركن كلَّ حديقة كالدرهم

كم مَعْلَم قد غادرتهُ مَجْهلًا
أو مَجْهَلٍ صَيَّرْنَهُ كالمعلم

كم ذاب منهم من فؤادٍ جامدٍ
عند العظاتِ ومن نجيع منهمي

لولا جميل الصفحِ عنهمْ أصبحوا
خبرًا هناك لمنجدٍ ولمتهم

يشدو لسان الحال في أطلالهمْ
ما قال حارث جرهمٍ في جرهم

فجميع ما يميتهم من بعدها
مُلْقٍ لأمركُم يدَ المستسلم

في كل يوم تنتحيك عقيلةٌ
عذراءُ من أُمِّ الفتوحِ المُتْئِم

ووفودُ شكرٍ لا تزالُ إليك من
كلِّ النواحي بالنواجي ترتمي

نعمتْ بكم أرواحُنا فسرى بها
منا الشحوبُ على الوجوه السهم

كم قد قطعتُ إليكمُ من قفرةٍ
يهماءَ في ظلماءِ ليلٍ أبهم

وطويتُ كلَّ ملاءة نشر الملا
بعزيمة مثل الحسامِ المخذم

وبأحرفٍ عَجَم النوى أعوادها
حتَّى لقد ضاهَتْ حروفَ المعجم

ورفعتُ أكواري على مرفوعةٍ
أنسابُهنَّ إلى الجديل وشدقم

جَشّمتها تقطيعَ جوزِ مفازةٍ
ما يستبينُ عليه ميسم منسم

حتَّى لقد سئم التهجدُ والسرى
من وخدها لكنها لم تسأم

وتيممتْ من مجدِ مولانا أبي
يحيى ابنِ مولانا أعزَّ مُيمَّم

أمَّتْ نداه عن يقينِ محقِّقٍ
لرجائِهِ لا عن ظنونِ مُرَجِّم

زِنْتُ المدائحَ والمحامدَ باسمه
فوسمتها منه بأحسنِ ميسم

أبكارُ أفكارٍ رخيم لفظها
عادتْ لها عونًا عذارى مُسْلِم

أضْحتْ عن الزوراءِ أندلسٌ بها
زوراء تنفر عن حياضِ الديلم

تُزْري بحسّانٍ وحُسنِ مديحهِ
في الحارث الجفْنيّ وابن الأيهم

وتغادرُ الشعراءَ تنشد بعدها
كم غادر الشعراء من متردم

جمعتْ بديعَ الحُسْنِ بين مرصّع
ومُصَرَّعٍ ومقسَّم ومسهّم

لا زالتِ الدنيا تُحاطُ بِرَعْيكم
وتُجادُ منكم باللُّها والأنعم

وتبسمتْ عن كل ثغرٍ للمنى
أيامُكُمْ أبدًا لكلِّ ميمِّم

إرسال تعليق

0 تعليقات