سيّدُ الرُّسُلِ وأمُّ المؤمنينْ
بشِّرِ الأبطالَ بالنّصرِ المُبينْ
خرجت في الجيشِ ترجو ربَّها
عِصمةَ الراجي وعونَ المستعينْ
ينصرُ الحقَّ ويقضي أمره
إن رماه كلُّ أفَّاكٍ مَهينْ
اصبري إن جلَّ أمرٌ إنّها
يا ابنةَ الصِّديقِ دُنيا الصالحينْ
أرأيتِ الأرضَ لمّا رجفتْ
إذ هَوى عِقْدُكِ بل لا تشعرِينْ
اقشعرّتْ وتمنّتْ لو هَوَى
كل عالٍ من رواسيها مَكِينْ
أنتِ في شأنكِ إذ تبغينه
وهي في همٍّ وغمٍّ وأنينْ
سوف يُبدي الخطبُ عن روعتِه
بعد حينٍ فاصبري حتى يَحينْ
رفعوا الهودَجَ والظنُّ بها
أنّها فيهِ وساروا مُدلِجِينْ
وانجلى اللّيلُ عن الخطبِ الذي
غادرَ الإصباحَ مُسَودَّ الجبينْ
أين غابت أيَّ أرضٍ نزلت
كيف غُمَّ الأمرُ هل من مُسْتَبِينْ
يا رسولَ اللهِ صبرًا إنّها
في ذِمامِ اللَّهِ رَبِّ العالَمِينْ
يا أبا بكرٍ رُويدًا إنّنا
لَنراها في حِمَى الرُّوحِ الأمِينْ
رجعتْ واللّيلُ في بُرْدَتِه
دائمُ الإطراقِ كالشّيخِ الرزينْ
ذهب الجيشُ وأمستْ وحدَها
غيرَ أصداءٍ من الوادِي الحزينْ
خطرت في الجوِّ من أنفاسِها
خَطَراتٌ للأسى ما ينقَضِينْ
ماجَ كالبحرِ طغتْ أثباجُه
وارتمت أهوالهُ حولَ السّفِينْ
نام عنها الهمُّ لمّا رقدت
فَهْوَ في الأحشاءِ مكتومٌ دفينْ
وأتى صفوانُ ما يبدو له
غيرُ شيءٍ ماثلٍ للنّاظرينْ
يُرسِلُ الطرفَ ويَمشِي نحوها
مِشيةَ المُرتابِ في رِفقٍ ولينْ
عرف الخطبَ فما أصدقَهُ
حين يدعو دعوةَ المسترجعين
دعوةً رنَّتْ فلو قِيلَ اسمعوا
لَسمِعْنا اليومَ ترداد الرنينْ
أيقظت عائشةً من نومها
مثلما يُوقِظُها صوتُ الأذينْ
جفلَتْ منه فغطّتْ وجَهها
وهيَ في سِترين من عقلٍ ودينْ
يَصرفُ اللّحظَ كليلًا دُونها
خاشعَ القلبِ كدأبِ المتقينْ
قرَّب النّاقةَ منها ودعا
اركبي أُمّاهُ مُلِّيتِ البنين
أخذَ المِقْوَدَ يُمنًا ومَضى
يتبع الماضِينَ من أهل اليمين
يَنتحِي يثربَ بالنّورِ الذي
يملأُ الدنيا ويُعيي المطفئين
نشروا الإفكَ فسادًا وأذىً
وعلى اللَّهِِ جَزاءُ المفسدِينْ
لا ينالُ الحقَّ في سُلطانِه
كذبُ الحَمقى وإفكُ المرجِفين
يا لها من عُصبةٍ فاسقةٍ
هاجها للشرِّ شيخُ الفاسقين
وَجدتْ فيه زَعيمًا حاذقًا
وإمامًا بارعًا للمُفترِينْ
هكذا يا ابنَ أُبيٍّ هكذا
لا يكن شأنُك شأنَ المسلمين
انْفُثِ السُّمَّ وَخضها فتنةً
تَتلظَّى نارُها للخائضين
يا ابنةَ الصِّديقِ صبرًا ليته
ألمُ المرضَى وَهَمُّ الموجعينْ
يا لها من علّةٍ لو تعلمين
إنّها أبرحُ ممّا تشتكين
أعقبَ البشرَ عُبوسٌ وبدا
من رسولِ اللهِ ما لا ترتضِينْ
كيفَ تِيكُمْ ليس من عادته
كيف تيكم يا لهم من مجرمين
غَيَّروه فلوى من عِطفِه
وطوى من لُطفِهِ ما تعهدينْ
وهو يُخفِي لك ما لا ينقضي
من هوىً صافٍ وشوقٍ وحنينْ
سَجَن السرَّ وكم من روعةٍ
لكِ يا أُمّاهُ في السِّرِّ السجينْ
أنصتي فالليلُ مُصغٍ أنصتي
وَقَع الخطبُ فماذا تصنعين
جاشتِ النَّفسُ ولجَّتْ رعدةٌ
لم تدع في القلب من رُكنٍ ركينْ
مِسْطَحٌ لا قرَّ عينًا مِسطحٌ
شبَّها نارًا تهولُ المُصطلينْ
فضحته عَثرةٌ من أُمِّهِ
فانظري كيدَ ذويكِ الأقربينْ
لا تلوميها إذا ما غَضبتْ
إنّها تَعلمُ ما لا تَعلمينْ
أرسلَتْها دَعوةً واحدةً
ليتها زادتْ على حَدِّ المِئينْ
تَعِسَ الثعلبُ ما أخبثَهُ
فَدَعِي بَدرًا وآسادَ العرِينْ
رجعتْ في غمرةٍ من همِّها
لم تَبِتْ منها بليلِ الراقدينْ
لوعةٌ مشبوبةٌ في سَقَمٍ
في شآبيبَ من الدَّمعِ السخينْ
يا رسولَ اللَّهِ هل تأذنُ لي
إنّ بيتي بِمُصابي لَقمينْ
مُرْ ودَعْ همّي لأُمّي وأبي
إنما استأذنْتُ خيرَ الآمرِينْ
بَانَ حُسنُ الصَّبرِ والعزمُ انطوَى
وأرى السُّقمَ مُقيمًا ما يَبينْ
قال ما شئتِ هلمِّي فافعلي
لكِ يا صاحبتي ما تُؤثِرينْ
ذهبتْ يحزنها أن لم تكن
طوَّحَ الدَّهرُ بها في الذَّاهبينْ
ثم قالت وهي تبكي عجبًا
لكِ يا أُماه ماذا تكتمينْ
أفلا نبَّأتني ما زعموا
ويحهم ما حيلتي في الزاعمين
ظلموني ما رعوا لي حُرمةً
ربِّ كُنْ لي ما أقلَّ المنصفين
جزع الصدِّيقُ ممّا نابَهُ
إنه خَطبٌ يَهولُ الأكرمين
قال أُفٍّ لكِ من داهيةٍ
ما رُمينا بكِ في ماضي السِّنينْ
أفَلمَّا زاننا دِينُ الهدى
ساءنا منكِ حديثٌ لا يزين
كيف تيكم يا لها صاعقةً
أُرسِلَتْ من فمِ خيرِ المُرسلينْ
كيف تيكم كيف تيكم كلَّما
جاء إنّ اللَّهَ مولى الصَّابرينْ
اصبري يا ربَّةَ العِقْدِ الذي
زِينَ من عينيكِ بالدُّرِ الثمين
أوجعتها من عليٍّ شِدَّةٌ
هي من دأبِ الأُباةِ الأوّلينْ
سَلَّطَ الضربَ على مولاتها
أيُّ سرٍّ عندها للضاربين
أقسمتْ صادقةً ما علمت
غيرَ ما يدفعُ دعوى الواهمين
التُّقَى والبرُّ في تاجَيْهِمَا
هل رأى التاجَيْنِ أعلى المالكين
مرحبًا بالحقِّ يَحمِي جُندُهُ
ما استباحتْ تُرَّهاتُ المبطلين
مرحبًا بالوحي يجلو ما طَوتْ
ظُلماتُ الشكِّ من نُورِ اليقينْ
مرحبًا بالرُّوحِ يُلقي من عَلٍ
رحمةَ اللَّهِ تُغيثُ المؤمنين
فِتنةٌ جلّتْ فَلّما انكشَفِتْ
أزلفوا الشُّكرَ وراحوا راشدين
وتجلّت غَمرةُ الهادي فلا
رِيبَةٌ تَغشى ولا ظَنٌّ يرين
يا ابنةَ الصِّديقِ طِيبي وانعمي
ذاك حكمُ اللَّهِ خيرِ الحاكمين
ضرب القومَ بماضٍ مِخذَمٍ
من مواضيهِ فولّوا مُدبرين
سَقطوا صَرْعَى عليهم غَبرةٌ
من قتام البغيِ تُخزِي الظالمين
أمسك الصِّدِّيقُ من معروفهِ
يُنكِرُ الغدرَ وينهَى الغادرين
وطوى عن مِسْطَحٍ نِعمتهُ
ليرى حقَّ الكرامِ المنعمين
عاله دهرًا فلمّا خانه
رَاحَ يَجزيه جَزاءَ الخائنين
سُنَّةُ العدلِ قضاها مَن قَضَى
سُنّةَ الرحمةِ بين الراحمين
نزل الذكرُ بها قُدسيَّةً
فعفا النَّاقِمُ وارتاحَ الضنين
اجعلِ الخيرَ قرينًا إن أبى
كلُّ غاوٍ إنّه نِعمَ القرين
جلَّ ربّي وعلا كلُّ امرئٍ
بالذي يكسبُ من أمرٍ رهين
0 تعليقات